هل يمكن للخريطة الزراعية التكيف مع تغير المناخ؟
16:20 - 25 نوفمبر 2023في ظل التغيرات البيئية المستمرة والتحولات التي يعيشها كوكب الأرض، يظهر تأثير تغير المناخ بشكل واضح على قطاع الزراعة، الذي يمثل عموداً فقرياً لاستقرار الحياة البشرية.
يتطلب ذلك فهم الآثار المترتبة على الخريطة الزراعية وكيفية تبدل موازين الطبيعة وتقلبات الطقس التي تؤثر على مواعيد الزراعة ومواسم الحصاد.
ارتفاع درجات الحرارة، وتغير نمط الأمطار، والكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات.. كل هذا يفرض تحديات على الخريطة الزراعية، إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تدهور جودة التربة وتفاقم مشكلة التصحر، وبما يقلل من مساحة الأراضي الصالحة للزراعة.
كذلك الأمر بالنسبة لشح الأمطار، والجفاف والفيضانات والعواصف العنيفة، التي تؤثر بشكل كبير على المحاصيل والموارد الزراعية بتدهور الإنتاجية الزراعية أو تدمير المحاصيل وتلويث التربة.
ولتجاوز هذه التحديات، تحتاج الخريطة الزراعية إلى التكيف مع تغير المناخ، عبر اتخاذ إجراءات لتحسين إدارة الموارد المائية وتطوير تقنيات الري الحديثة للتعامل مع نقص المياه، والاهتمام بالبحوث الزراعية لتطوير محاصيل مقاومة للجفاف والحرارة العالية، بما يساعد على التكيف مع تغير المناخ ويحقق الاستدامة الزراعية.
تأثيرات محددة
ولفهم تأثير تغير المناخ على الخريطة الزراعية، استعرض مختصون بعض الجوانب المختلفة من الزراعة التي يمكن أن يمتد لها هذا التأثير، بدءًا من مواعيد الزراعة وانتهاءً بمستويات الإنتاج الزراعي، على النحو التالي:
- تغير في مواعيد الزراعة: ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات في نمط الأمطار يمكن أن تؤثر على مواعيد زراعة المحاصيل. قد تزداد الحاجة إلى تكييف مواعيد الزراعة لتتناسب مع التغيرات المناخية.
- تغير في مواسم الحصاد: يمكن أن يؤثر تغير المناخ على مواعيد الحصاد ويسبب تقلبات في جودة وكمية المحاصيل المحصولة.
- تغيرات في توزيع الأمطار: يمكن أن تؤثر تغيرات في توزيع الأمطار على نوعية التربة وتوفر المياه، بما يؤدي إلى تغير في الأصناف النباتية التي يمكن زراعتها في المناطق المختلفة.
- زيادة الظواهر الجوية المتطرفة: يمكن أن تؤدي زيادة التطرفات الجوية، مثل الفيضانات أو الجفاف، إلى فقدان المحاصيل وتدهور الظروف الزراعية.
- ارتفاع درجات الحرارة: يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تغير في النبوغ الزراعي ومواعيد نضج المحاصيل.
- تأثير على النظم البيئية: تغير المناخ يمكن أن يؤثر على التوازن البيئي في المناطق الزراعية، وبما يؤثر على توفر الموارد الحيوية للمزارع.
- تغير في انتشار الأمراض والآفات: يمكن أن يزيد تغير المناخ من انتشار بعض الأمراض والآفات التي قد تؤثر على المحاصيل.
- الحاجة إلى أصناف نباتية متكيفة: قد يتطلب تغير المناخ تطوير واستخدام أصناف نباتية تكون متكيفة مع ظروف النمو المتغيرة.
- تأثير على توزيع المحاصيل: قد يؤدي تغير المناخ إلى تغير في توزيع المحاصيل، حيث يمكن أن تصبح بعض المناطق أقل صالحة لبعض الزراعات وتصبح مناطق أخرى أكثر صلاحية.
- ضغوط على الموارد المائية: قد يؤدي تغير المناخ إلى تأثيرات على توافر المياه اللازمة للري، مما يضع ضغوطًا على الزراعة في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على المياه.
- ضرورة استدامة الزراعة: تغير المناخ يبرز أهمية تحسين الاستدامة في الزراعة، بما في ذلك استخدام تقنيات ترشيد الاستهلاك المائي وتطبيق ممارسات زراعية أكثر استدامة.
ويتطلب تغير المناخ وما يخلفه من تحديات جديدة تكيفًا وابتكارًا مستمرين في قطاع الزراعة، بما في ذلك استخدام تقنيات جديدة وتنظيم أفضل لمواعيد الزراعة، وتحسين استدامة الزراعة لتحقيق توازن بين احتياجات الإنتاج الغذائي والحفاظ على البيئة.
التكيف والتخفيف
يوضح أستاذ الدراسات البيئية، الدكتور عبدالمسيح سمعان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تأثير تغير المناخ على الخريطة الزراعية، بأنه ينقسم إلى شقين:
- الشق الأول متعلق بارتفاع درجات الحرارة، والتي وصلت الآن لزيادة أعلى من المتوسط قدرها 1.4 مئوية (بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية)، وهذا له تداعيات على المحصول الزراعي، والمياه التي تروي المحصول، فإذا قلت المياه هذا يعني أن كل الزراعات ستقل نتيجة شح المياه. هذا بالإضافة إلى أنه إذا حدثت سيول في بعض الأماكن فهذا أيضا يؤثر سلبًا على الزروع بهدرها.
- الشق الثاني يتعلق بأنه لكل محصول درجة حرارة معينة خلال دورة نموه، ومع ارتفاع درجات الحرارة فهذا يعني أن معظم المحاصيل الزراعية -تقريبا- ستقل إنتاجياتها ما بين 5% إلى 30% مثل الذرة والقمح والأرز، باستثناء المحصول الوحيد الذي قد ينجو من هذا الأمر وهو القطن لأنه يحتاج إلى درجات حرارة عالية فإن باقي المحاصيل ستتأثر بدرجات الحرارة المرتفعة.
ويشير أستاذ الدراسات البيئية، إلى جهود التكيف والتخفيف في القطاع الزراعي، ومن ضمن آليات التكيف خلق دورة زراعية مغايرة؛ فالفلاح يعلم بطبيعة الحال مواسم زراعة كل محصول، فإذا حدث تغير في درجات الحرارة في الوقت المفروض الزراعة به فلابد له أن يفكر في دورة زراعية جديدة.
ويشدد على أن الأبحاث تتجه الآن إلى تحديد ودراسة أنماط تعديل الدورة الزراعية، مع البحث عن أصناف تتحمل الحرارة العالية وقلة المياه؛ فمثلا من المعلوم أن الأرز يحتاج للكثير من المياه وفي ظل شح المياه اتجهت أبحاث الهندسة الوراثية للبحث عن أنواع بديلة تتحمل الحرارة العالية مع قلة المياه، كذلك اتجه التفكير إلى الزراعة المستدامة، وهي تشبه فكرة الصوب الزراعية؛ بمعنى تهيئة المكان المناسب للزراعة وصناعة المناخ المناسب للمزروعات، وهذا يحتاج تكلفة كبيرة تزيد من سعر المحصول المنتج ولكنه اتجاه قائم، وقد يصل لتكلفة أقل مع التطور في المستقبل.
وللتغلب على قلة المياه، يبين أن هناك حلين؛ الأول تحلية مياه البحر، والثاني معالجة الصرف الصحي، مشيراً إلى أن بعض الدول المتقدمة وصلت لتنقية مياه الصرف الصحي بنسبة 100%، حيث استخرجت منها مياه معقمة ومعالجة بالأوزون ونقية تمامًا، ولكن في الوطن العربي هناك تحفظ على استخدام هذه المياه للشرب ولكن يمكن استخدامها في زراعة الأشجار الخشبية الغابات لتحسين المناخ.
زراعة الأشجار
ويلفت إلى أنه مع زيادة الأشجار تزيد نسبة الأكسجين وتقل نسبة ثاني أكسيد الكربون، المسبب الرئيسي لظاهرة التغير المناخي، ومن ثم فكلما زرعنا غابات كان هذا مفيدا جدا للمناخ، خاصة وأنه مع ارتفاع دراجات الحرارة الآن هناك حرائق في الغابات مثل الآمازون واستراليا وغيرها؛ يضاف إلى هذا تآكل الغابات في أفريقيا بسبب الجور على الأشجار لاستخدام أخشابها في الزراعة أو تصديرها للحصول على العملة الصعبة وهكذا.
ويرى أستاذ الدراسات البيئية، أن حل مشكلة المناخ يتطلب تضافر جهود عديدة وأولها وأهمها التوسع في الطاقات الجديدة والمتجددة.
إلا أن سمعان ينبّه كذلك بأن هناك مثلثا أضلاعه (الاقتصاد والسياسة والبيئة)، وهذه الثلاث أطراف للمعادلة؛ فتحسين البيئة بالطبع سيؤثر على السياسة والاقتصاد، وبالتالي فما وصفه بـ "المعادلة الرهيبة" هنا هو كيفية التوفيق بين الثلاثة، من خلال التوفيق بين سياسات دول تعمل على محاور استراتيجية وأشكال كثيرة وكيف تنمي الاقتصاد بتكلفة أقل في ظل التكلفة المرتفعة للطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الهيدروجين الأخضر؛ ولذا لابد أن يتجه العلم للتوسع فيها للحفاظ على البيئة.
- تحتاج الدول النامية إلى استثمارات في الطاقة المتجددة بنحو 1,7 تريليون دولار سنويا، بحسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
- الأمم المتحدة حذرت من أن الأمل ضئيل في تحقيق أي أهداف مناخية بحلول العام 2030، ما لم يكن هناك استثمار بكثافة في الطاقة النظيفة في الدول النامية.
- تضاعف الاستثمار الدولي في الطاقة المتجددة ثلاث مرات تقريبا، منذ إبرام اتفاق باريس للمناخ في العام 2015، لكن رغم ذلك، فإن معظم تلك الزيادة كان في الدول المتقدمة، وفق "أونكتاد".
تحديات وحلول
وبدوره، يوضح عضو البرلمان العالمي للبيئة الدكتور وفيق نصير، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن التغيرات المناخية تؤثر على مواسم الحصاد والزراعة بشكل كبير، إذ يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة ونقص الأمطار إلى تقليل الإنتاجية الزراعية وتدهور جودة المحاصيل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يتسبب تغير المناخ في ظهور آفات وأمراض جديدة تؤثر على الزراعات المختلفة.
ويضيف أن تغير المناخ يؤثر أيضًا على توقيت زراعة المحاصيل، بحيث يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تقليل فترة نمو المحاصيل وتغير مواعيد الزراعة.
ويذكر نصير أن من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة بسبب تغير المناخ هي:
- نقص المياه: يمكن أن يؤدي نقص الأمطار إلى نقص المياه المتاحة للري، بما يؤثر على نمو المحاصيل وجودتها.
- زيادة درجات الحرارة: يمكن أن تؤدي زيادة درجات الحرارة إلى تدهور جودة المحاصيل وتقليل الإنتاجية الزراعية.
- ظهور آفات وأمراض جديدة: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى ظهور آفات وأمراض جديدة تؤثر على المحاصيل.
وللتغلب على هذه التحديات، يبين نصير أنه يمكن اتباع بعض الإجراءات مثل:
- استراتيجيات الاستدامة الزراعية: تشجيع استخدام الممارسات الزراعية المستدامة التي تحافظ على التنوع الحيوي وتحسن جودة التربة وتقلل من استخدام المواد الكيميائية الضارة.
- الري الذكي: استخدام تقنيات الري الذكي التي تحسن كفاءة استخدام المياه وتقلل من النفايات.
- التنوع الزراعي: تشجيع التنوع الزراعي وزراعة المحاصيل المتكيفة مع التغيرات المناخية.
- التقنيات الحديثة: استخدام التقنيات الحديثة مثل الزراعة العضوية والزراعة الدقيقة والتحكم في المناخ لتحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاجية الزراعية.