كيف تؤثر حرب غزة على زيادة معدلات الفقر في فلسطين؟
13:08 - 16 نوفمبر 2023يواصل الشعب الفلسطيني دفع أثمان باهظة نتيجة الحرب المستعرة بين إسرائيل وحماس، التي ألقت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والإنمائية لنحو 5.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، مخلفةً جملة من التداعيات والتأثيرات السلبية.
واحدة من تلك الصدمات هي زيادة معدلات الفقر بشكل كبير بين الفلسطينيين، ولا سيّما في المناطق الأكثر تضررا، في ظل تحذيرات الأمم المتحدة، من أن معدّل الفقر لدولة فلسطين آخذ في الارتفاع بوتيرة عالية؛ متوقعة أن يقع أكثر من 663 ألف شخص إضافي تحت وطأته في حال استمرت حرب غزة، التي دخلت أسبوعها السادس، شهرا ثالثا.
تقديرات حديثة صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا، وضعت سيناريوهات محتملة لمعدلات الفقرة في فلسطين حال ما إن استمرت الحرب لشهور قادم، على النحو التالي:
- بعد شهرين من الحرب: انخفاض إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 8.4 بالمئة أو ما يعادل خسارة قيمتها 1.7 مليار دولار، مع ارتفاع معدل الفقر بنسبة 34.1 بالمئة من 26.7 بالمئة إلى 35.8 بالمئة من السكان. دافعاً 498994 شخصًا إضافيًا تقريبًا تحت وطأة الفقر، من 1464081 إلى 1963075 من السكان.
- بعد ثلاثة أشهر من الحرب: انخفاض الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 12.2 بالمئة أو ما يعادل خسارة قيمتها 2.5 مليار دولار. مع ارتفاع معدل الفقر بنسبة 45.3 بالمئة من 26.7 بالمئة، إلى 38.8 بالمئة من السكان. دافعًا 663497 شخصًا إضافيًا تقريبًا تحت وطأة الفقر، من 1464081 إلى 2127578 من السكان.
على شفا الانهيار
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل المتخصص فى الشأن الفلسطيني، أشرف أبو الهول، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من المؤكد أن الاقتصاد الفلسطيني سيتأثر بالحرب الراهنة بصورة كبيرة؛ فالاقتصاد الفلسطيني اقتصاد ضعيف وهش ليس به مقومات كثيرة.
ويضيف بأن ميزانية السلطة الفليسطينية العامة 5 مليارات دولار على أعلى تقدير، ومعظم واردات أو مصادر تمويل هذه الميزانية هي ما يسمى بالمقاصة، وهي عبارة عن أموال الضرائب والجمارك، وخاصة الجمارك، التي تقوم إسرائيل بتحصيلها من واردات السلطة الفلسطينية.
ويلفت إلى أن السلطة الفلسطينية ليس لديها مطارات أو موانئ، ومن ثم فكل السلع الداخلة إليها تكون عن طريق المنافذ الإسرائيلية، التي تحصل بدورها الجمارك، فتتحكم إسرائيل في هذه الأموال وتخصم مبالغ منها هي قيمة الخدمات التي تقدمها للسلطة في الضفة أو غزة في شكل كهرباء أو ماء.
ويشير إلى أن هناك جزءا آخر من تمويل الفلسطينيين يعد رئيسيا للحياة، وهو تحويلات الفلسطينيين في الخارج، إضافة إلى جزء ثالث وهو المساعدات والمنح التي تأتي من أنحاء العالم، وجزء يسير نتيجة النشاط الذي يتم في الضفة وغزة وهو نشاط محدود بمحدودية المساحة ووقوع المنطقتين تحت الضغط الدائم لإسرائيل، فضلا عن مقابل أجر العاملين الفلسطينيين في إسرائيل.
ويشدد على أن كل هذه القطاعات متأثرة بشدة بسبب الحرب في غزة والممتدة آثارها أيضا إلى الضفة؛ فهناك شبه إغلاق كامل إذ أن عمال غزة لا يدخلون إسرائيل حاليا، إلى جانب تقيّد أعداد العمال القادمين من الضفة للعمل في إسرائيل.
وبيّن أن كل المنشآت الاقتصادية في غزة تقريبا دُمرت والمزارع وبعض المصانع التي تنتج بعض المواد المحلية كالألبان والجبن والأخشاب وما إلى ذلك؛ حيث استهدفتها إسرائيل ومن المؤكد أن التحويلات من الخارج توقفت؛ بسبب منع دخول أي أموال إلى غزة الآن، كذلك المساعدات الخارجية التي تأتي من الولايات المتحدة ومن أوروبا تراجعت وخاصة إلى غزة.
كما أن إحدى أهم الجهات التي توفر الخدمات للفلسطينين وبعض التشغيل وهي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنوروا) نفدت مخزوناتها وليس لها قدرة الآن على تشغيل الفلسطينين؛ لأن كل مشروعاتها توقفت ومدارسها الآن يشغلها مئات الآلاف من اللاجئين.
وعرّج أبو الهول، إلى أزمة أموال المقاصة، مشيرًا إلى أن إسرائيل أعلنت منذ أسبوعين تقريبا أنها ستحولها إلى السلطة الفلسطينية بشرط أن تخصم جزءا منها كانت السلطة تحوله بدورها إلى غزة بما أنها جزء من أراضي السلطة؛ لكن السلطة رفضت تسلّم هذه الأموال؛ تعبيرًا عن رفضها حجب الأموال المخصصة لقطاع غزة، ومن ثم فالسلطة أيضًا تعاني من شبه إفلاس وربما لا تملك رواتب الموظفين في الضفة وغزة لشهر مقبل.
ويرى أنه بصورة عامة كل أوجه الاقتصاد الفلسطيني سواء في الضفة أو غزة تأثر بشكل كبير جدا، وغير مسبوق، في حين لا أحد يستطيع أن يغيثه، ما يجعله على وشك الانهيار.
تضييق الخناق
ووفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن ثمة عوامل من شأنها زيادة حالة الركود والتراجع في معدلات النمو للاقتصاد الفلسطيني، وبما يؤثر على قدرة الحكومة للإيفاء بالتزاماتها اتجاه المجتمع الفلسطيني، وهي:
- استمرار سياسة إسرائيل في اقتطاع أموال المقاصة خلال العام 2023.
- إضافة إلى الحرب الجارية على قطاع غزة.
- وسياسة التضييق والإغلاق بين محافظات الضفة الغربية من قبل إسرائيل.
وحذر الجهاز في وقت سابق من تراجع في الناتج المحلي الإجمالي لفلسطين في العام 2023 بقيمة تقدر بـ 500 مليون دولار أميركي أي بنسبة 3 بالمئة مقارنة مع العام 2022 بعد توقعات سابقة بنمو الاقتصاد الفلسطيني نسبة 3 بالمئة في ذات العام.
وتصل قيمة الفاقد اليومي من الإنتاج نتيجة التعطل الكامل لجميع الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة، بنحو 16 مليون دولار أميركي، فضلًا عن الخسائر في الممتلكات والأصول الثابتة، بحسب بيانات الجهاز.
انعدام مقومات الحياة
أما رئيس مركز القاهرة للدراسات والأبحاث، الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الشافعي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن 2.3 مليون مواطن في غزة يعتبرون تحت خط الفقر؛ بسبب ترحيلهم من الشمال إلى الجنوب.
واعتبر الشافعي أن الجميع هناك أصبح في بوتقة واحدة، حيث فقدوا أملاكهم وأساسيات الحياة من طعام وشراب ومسكن، فضلًا عن انعدام الطاقة والمياه والكهرباء وغيرها من مقومات الحياة؛ نتيجة الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل.
وينبّه الخبير الاقتصادي، في تصريحاته، بأن الحرب في غزة تسببت في تفاقم الأوضاع اقتصاديًا واجتماعيًا وإنسانيًا في جميع الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي تسبب في زيادة معدلات الفقر، وتدهور البيئة الصحية؛ ما بات يشكل تحديات كبيرة تواجه الشعب الفلسطيني، مما يتطلب تدخلاً عاجلاً لوقف الانهيار السريع لجميع مناحي الحياة بفعل الحرب ولا سيما في قطاع غزة.
ويشار إلى أن تقديرات منظمة العمل الدولية، تسجل فقدان 390 ألف وظيفة، على النحو التالي: في غزة: 61 بالمئة (ما يعادل 182,000 وظيفة)، بينما في الضفة الغربية: 24 بالمئة (ما يعادل 208,000 وظيفة).
وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا المشار إليه، والذي صدر قبيل أيام بعنوان "حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين"، فإن "التنمية في دولة فلسطين بما يتراوح بين 11 و16 سنة، وفي غزة بين 16 و19 سنة، وفق حدّة النزاع"، كما أن الانكماش الاقتصادي يفاقم الوضع الإنساني الكارثي أكثر، بما سيصعّب احتمالات التعافي ويبطِئها.