كيف يؤثر الصراع في الشرق الأوسط على اقتصادات العالم؟
14:00 - 09 نوفمبر 2023فيما لا يزال الاقتصاد العالمي ضعيفاً ويحاول الفكاك من براثن التضخم الذي تفاقم بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، تلقي التوترات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً فيما يتعلق بالتصعيد الدائر بين حماس وإسرائيل منذ السابع من شهر أكتوبر الماضي، بظلالها على الاقتصاد العالمي مهددة بإضعاف النمو وإعادة إشعال ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء مرة أخرى.
ويرى خبراء اقتصاد وطاقة في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن اقتصادات العالم ستتأثر بشكل كبير في حال توسع نطاق الحرب وامتدادها إلى الإقليم، مشيرين إلى أن آليات انتقال التوتر الى الاقتصاد العالمي، تتمثل من خلال ارتفاع أسعار الطاقة ومخاوف انقطاع الإمدادات، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وكبح جهود المصارف المركزية في تخفيض معدلات التضخم والوقوع في فخ الركود.
وتناولت صحيفة "ذا نيويورك تايمز" في مقال، المخاوف من احتمال تحول الصراع بين إسرائيل وحماس في غزة، إلى صراع إقليمي، وهو أمر يلقي بظلاله على آفاق الاقتصاد العالمي، ويهدد بإضعاف النمو الاقتصادي، وإعادة إشعال أسعار الطاقة والغذاء.
كما حذر البنك الدولي من أن التعافي الهش قد يتحول إلى وضع سيئ، حيث قال كبير الاقتصاديين في البنك إنديرميت جيل، في إشارة إلى تأثير الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط على أسعار النفط والغاز، "هذه هي المرة الأولى التي نتعرض فيها لصدمتين للطاقة في نفس الوقت، ولا تؤدي هذه الزيادات في الأسعار إلى تقليص القوة الشرائية للأسر والشركات فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء ما يزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة، لا سيما في البلدان النامية".
بدوره قال محافظ بنك إنجلترا آندرو بيلي، خلال اجتماع للبنك أخيراً "إن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط تثير حالة من عدم اليقين الاقتصادي، ومخاطر ارتفاع أسعار الطاقة".
كما حذر تقرير لـ "بلومبيرغ" من أن الصراع بين إسرائيل وحماس قادر على تعطيل الاقتصاد العالمي، ودفعه نحو الركود خاصة إذا جُرت أطراف أخرى نحوه، إذ أن تصعيد الصراع ودخول أطراف أخرى قد يدفع أسعار النفط إلى سقف 150 دولاراً للبرميل، مع انخفاض النمو العالمي إلى 1.7 بالمئة، وهو الركود الذي يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج العالمي.
تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي: "تهدد الحرب الحالية في الشرق الأوسط آفاق الاقتصاد العالمي من خلال تأثيرها على النمو ورفع أسعار الطاقة والغذاء مجدداً، واللافت للنظر هو تزامن الصراع مع إعادة تنظيم مختلف التحالفات العالمية ما قد يعني تراجع العولمة والذي تمثل في التحول الذي طرأ على السياسات التجارية، كما تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال ضعيفاً جراء تداعيات الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية، فضلاً عن أن منطقة الشرق الأوسط هي المورد الحيوي للطاقة والممر الرئيسي للشحن، ما يدعو للقول إن تداعيات تلك الحرب ستؤثر على أسعار النفط بالارتفاع حيث حذر البنك الدولي من أن الارتفاع إلى أكثر من 150 دولار للبرميل، يدفع إلى ارتفاع معدل التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأخيراً تباطؤ معدل النمو الاقتصادي".
التوترات الجيوسياسية
وأول هذه التداعيات هي التوترات الجيوسياسية والتي تلعب دوراً هاما في تشكيل الوعي لدى الأفراد عن النمو الاقتصادي، ما قد يدفعهم إلى القلق والحذر في اتخاذ قرار الاستثمار ويدفع باتجاه الركود الاقتصادي، وتعاظم حالة عدم الاستقرار لدى رجال الأعمال والتي تقود بدورها إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق في ظل مخاوف من انقطاع امدادات النفط العالمية، طبقاً لما قاله الدكتور الشناوي.
الحروب والأزمات تعصف بالعالم.. وقت ربط الأحزمة
مخاوف أسواق النفط والتضخم
ويتابع الشناوي، في شرحه لتداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي بقوله: "تتجلى ثاني التداعيات في مخاوف أسواق النفط المتمثلة في (علاوة المخاطر) بين السعر المدفوع مسبقاً لبرميل النفط في السوق الآجل مقابل السعر العاجل في الوقت الحالي والذي يعكس الأرباح التي يتوقعها المضاربون خلال فترة الحرب، وثالث التداعيات أن ارتفاع أسعار الطاقة يمثل عائقاً أمام البنوك المركزية في جهودها لترويض التضخم ما أدى إلى استمرار اتباع السياسة النقدية المتشددة والحفاظ على أسعار الفائدة مرتفعة الأمر الذي يرفع تكلفة الاقتراض ودعم الضغوط التضخمية المصحوبة بالركود.
يؤكد ذلك ما أشارت إليه تقارير صندوق النقد والبنك الدوليين، من أن معدل النمو العالمي سينخفض إلى 1.7 بالمئة، وهو يمثل الرود الذي يقتطع من الناتج العالمي تريليون دولار، وارتفاع معدلات التضخم في أوروبا، وتباطؤ معدل النمو فيها إلى 1.3 بالمئة.
ونخلص مما سبق إلى أن حالة عدم اليقين المرتبطة بالصراع في الشرق الأوسط، يمكن أن تؤدي إلى إبطاء عجلة التعافي في الاقتصاد العالمي بعد وباء كورونا، بحسب الدكتور الشناوي، الذي أوضح أن حالة القلق وعدم اليقين بسبب الصراع الحالي ستؤدي إلى (تآكل الترابط الضعيف) القائم بين أكبر الاقتصادات في العالم أو ما يسمى بـ (تراجع العولمة)، أي الانقسام الجيوسياسي والذي يؤدي إلى ضعف الروابط بين الأسواق المالية وانخفاض مستوى التعاون بين الدول ومشاركة أقل للمعلومات والتكنولوجيا".
ويضيف الخبير الاقتصادي: "اذا حدث ذلك سيترتب عليه انخفاض مستوى المنافسة وارتفاع معدل التضخم وبالتالي ارتفاع الأسعار، إلى جانب ارتفاع أسعار الفائدة في البنوك المركزية بالعالم ما يؤدي الى انخفاض معل نمو الناتج الإجمالي العالمي، إلى أن هذه التداعيات تختلف تأثيراتها باختلاف اجل الصراع، بمعنى إذا امتد أجل الصراع فقد يواجه العالم بما يمكن تسميته (الصدمة المزدوجة للطاقة) بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وحرب الشرق الأوسط، بالإضافة الى ارتفاع أسعار المواد الغذائية مما تتفاقم معه مشكلة الأمن الغذائي في العالم كله، بالإضافة الى ارتفاع أسعار الذهب".
ماذا يجب على العالم فعله لمواجهة هذه التداعيات؟
يجيب الدكتور الشناوي على هذا التساؤل من خلال 10 إجراءات هي:
- اتخاذ خطوات لإدارة الارتفاع المتوقع في معدل التضخم .
- استخدام السياسات النقدية وسياسات سعر الصرف لدعم الثقة.
- تجنب القيود التجارية مثل حظر تصدير المواد الغذائية والأسمدة.
- حماية المؤسسات الاقتصادية وإعطاء الأولوية لحيز الميزانية لخدمة الاحتياجات الأساسية.
- دعم المؤسسات الدولية لاحتواء التداعيات وتوسيع نطاق المساعدات التنموية وتعزيز المرونة الاقتصادية والاجتماعية.
- الامتناع عن فرض ضوابط على الأسعار، بل دعم الأسعار.
- تحسين شبكات الأمان الاجتماعي.
- تعزيز أمن الطاقة بالتحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
- رفع كفاءة إنتاج الغذاء.
- الاستثمار في المحافظ المتنوعة.
ارتفاع أسعار الغاز
بدوره، يقول عامر الشوبكي مستشار الطاقة الدولي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا شك أن اقتصادات العالم ستتأثر في حال توسع نطاق الحرب وامتدادها إلى الإقليم بشكل أكبر بحيث تؤثر على المنافذ البحرية وحركة التجارة العالمية وارتفاع أسعار الطاقة وبالتالي تكبح جهود المصارف المركزية في العالم والرامية إلى تخفيض معدلات التضخم".
لكن الشوبكي يشير إلى أن "الحرب في نطاقها الحالي لم تصل إلى دول منتجة للنفط كما كان متوقعاً وخصوصاً باتجاه إيران ومضيق هرمز، وبالتالي تلاشى تأثيرها على أسعار النفط، إلا أن تأثير هذه الحرب لا يزال يظهر على الغاز، ما أدى إلى استمرار ارتفاع أسعاره عند المستويات التي تلقتها منذ الإعلان عن إغلاق عن حقل (تمار) في الثامن من أكتوبر الماضي".
ويوضح مستشار الطاقة الدولي أن حقول "شرق المتوسط الإسرائيلية"، كانت تزود القارة الأوروبية بـ 4 بالمئة من احتياجاتها، ولذلك ارتفعت أسعار الغاز من 35 يورو إلى 50 يورو للميغاواط/ساعة، خلال الفترة الماضية، وهذا السعر مستمر في السوق الأوروبية حتى الآن، وهو ما يجعل الضغوط أكبر على معدلات التضخم في أوروبا كما يضغط على أسعار الغاز في مناطق أخرى ويأخذ من مخزون الغاز العالمي".
حالة عدم اليقين ترافق الحرب
ويؤكد الشوبكي أن حالة عدم اليقين لا تزال ترافق هذه الحرب، وبالتالي لا يمكن التنبؤ بمآلاتها، ولا تزال هناك بعض المخاطر وإن ضعفت قليلاً نتيجة عدم توسع الحرب.
وعلى الصعيد العالمي عندما ترتفع أسعار النفط 10 بالمئة مثلاً، يتراجع النمو الاقتصادي العالمي بنحو 0.4 بالمئة، وترتفع معدلات التضخم بنحو 0.6 بالمئة، وفقاً للشوبكي، الذي أوضح أن القفزة التي شهدتها أسعار النفط في بداية الحرب تلاشت مع انحسار رقعة الحرب في بين غزة وإسرائيل، بينما أسعار الغاز لا تزال مرتفعة، ما يؤثر على الاقتصاد العالمي عموماً وعلى اقتصادات الدول المستوردة للغاز الطبيعي، في حال استمرار الأسعار بالارتفاع.