مليارديرات الصين يتطلعون لنقل أموالهم إلى الخارج.. لماذا؟
20:17 - 04 نوفمبر 2023"لم يعد رواد الأعمال يشعرون بأنها أرض الفرص".. هكذا وصف مستشار مستقل يساعد الأشخاص ذوي الثروات الكبيرة على الانتقال إلى أماكن أخرى، نظرة عديد من المستثمرين إلى "الصين"، حيث تتزايد رغبة الأثرياء هناك في مغادرة البلاد، في ظل عدة عوامل مختلفة؛ من بينها "المخاطر السياسية".
وبحسب المستشار المستقل، ديفيد ليسبيرانس، فإنه "يتلقى عدداً متزايداً من الاستفسارات من رجال الأعمال الذين يرغبون في نقل أعمالهم وفرقهم بأكملها خارج الصين، وليس فقط عائلاتهم"، طبقاً لما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية في تحليل كتبته كبيرة مراسليها في بكين، إيمي هوكينز، والتي أشارت إلى أن الحملات على الممولين والمناخ السياسي المضطرب وتباطؤ الاقتصاد في عهد الرئيس الصيني شي جين بينغ "هي أمور دفعت الكثيرين إلى البحث عن خطط للخروج".
- عدد الأثرياء في الصين آخذ في الانخفاض.
- وفق فوربس، هناك 2640 مليارديراً في العام، منهم 562 على الأقل موجودين في الصين، مقارنة بـ 607 مليارديراً في الصين العام الماضي.
- فيما بحثت النخب الصينية منذ فترة طويلة عن طرق لنقل أموالهم إلى الخارج، إلا أنه رسمياً، يُسمح للأفراد فقط بتحويل 50 ألف دولار خارج البلاد كل عام.
- عملياً، يمتلك الأثرياء مجموعة من الطرق الرسمية وغير الرسمية لتحويل أموالهم، سواء كان ذلك من خلال مكاتب الصرافة في هونغ كونغ، حيث لا تنطبق ضوابط رأس المال، وتحويل الأموال النقدية إلى الشركات الخارجية.
تباطؤ الاقتصاد الصيني
من جانبه، يقول الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هروب الأموال من الصين أمر متوقع؛ لأن الاقتصاد الصيني بدأ يتباطأ والصادرات الصينية بدأت تتقلص، كذلك هناك تدخلات سياسية في الاقتصاد الصيني، من بينها أن الحكومة بدأت تجبر المؤسسات المالية على تقديم بيانات غير دقيقة، وهذا التدخل يحجب الحقائق عن المستثمرين والناشطين الاقتصاديين.. و"لذلك فإن المستثمرين لم يروا في هذا الجو مجالاً للاستفادة، ومن ثم يبحثون عن أماكن أخرى لاستثمار أموالهم".
وكشفت بكين في الأسابيع الأخيرة عن مجموعة من الإجراءات، لكن قدرتها على تحفيز النمو تعرقلت بسبب المخاوف بشأن مخاطر الديون واليوان الهش، الذي تضرر بشدة هذا العام بسبب اتساع فروق العوائد مع بقاء أسعار الفائدة العالمية المرتفعة، بقيادة أميركا بسبب حملة التشديد التي يشنها الاحتياطي الفيدرالي لمحاربة التضخم.
فيما أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد الصيني نما بـ 4.9 بالمئة وبشكل أسرع من المتوقع في الربع الثالث، مما يشير إلى أن التعافي في الآونة الأخيرة قد يكون كافيا لبكين لتحقيق هدف النمو للعام بأكمله.
ويضيف الكفائي في معرض حديثه عن أسباب هروب رأس المال من الصين: "من ناحية أخرى، فإن العلاقات بين الصين والعالم الغربي، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، بدأت تسوء منذ عدة سنوات، وما إن لم تتحسن هذه العلاقات فإن الأجواء والبيئة الاستثمارية في الصين لن تكون مواتية لبقاء الأموال الأجنبية أو حتى الأموال المحلية الصينية الخاصة".
وإلى ذلك، في معرض استعراضها للضغوطات التي تواجهها الأموال داخل الصين، ذكرت مراسلة "الغارديان" في مقالها، إنه قبل وباء كورونا كان يتدفق نحو 150 مليار دولار من الصين كل عام عبر السياح الذين يأخذون أموالهم إلى الخارج، وفقا لتقديرات بنك ناتيكسيس.
ورغم أن السفر الدولي لم يعد إلى مستويات ما قبل الوباء، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية وضعف اليوان يمثلان حافزاً قوياً للصينيين الأثرياء لنقل أموالهم خارج البلاد، كما يقول الاقتصاديون.
ومن البيانات التي استندت إليها هوكينز، في تحليلها المشار إليه في صحيفة "الغارديان" أنه "في النصف الأول من العام الجاري 2023، كان هناك عجز قدره 19.5 مليار دولار في بيانات ميزان المدفوعات الصينية، والتي يستخدمها الاقتصاديون كمؤشر على هروب رأس المال، على الرغم من أن القيمة الحقيقية للأموال التي تخرج بشكل غير رسمي من الاقتصاد قد تكون أعلى".
ونقلت عن كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في ناتيكسيس، أليسيا جارسيا هيريرو، قولها إن "المستوى العالي من عدم اليقين بشأن السياسات الاقتصادية المستقبلية وفرص الأعمال في الصين يشجع الناس أيضاً على إخراج مدخراتهم خارج البلاد".
الفرص الاستثمارية المجزية
وبالعودة لحديث الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، حميد الكفائي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه يشير إلى أن "العالم يعاني عديداً من المشاكل، وهذه المشاكل أثرت على الاقتصاد العالمي، وبالتأكيد المصاعب المالية الصينية سوف تؤثر على دول العالم الأخرى؛ لأن الصين لاعب أساسي ودولة كبيرة اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي فإن تباطؤ الاقتصاد سوف يؤثر على الدول الأخرى".
ويوضح في الوقت نفسه أن "رأس المال عادة ما يبحث عن الفرص الاستثمارية المجزية، وهي لم تعد متوفرة في الصين، وهذا سبب مهم لمغادرة الأموال الصينية من الصين"، كما أن "الخطاب الصيني بدأ يتشنج"، مستدلاً على ذلك بالتصريحات والمواقف الصينية إزاء تايوان واستراليا.
ويعتقد الكفائي بأن "بكين لم تعد الدولة المنفتحة أمام الاستثمارات العالمية، وحتى النظام السياسي هناك لم يعد كما كان مع وجود الرئيس شي جينبينغ في ولاية ثالثة (..) هذا أيضاً له دور، فعندما تبقى الحكومة دون تغيير عندئذ تكون هناك مشكلات، خصوصاً مع التشدد الاقتصادي والسياسي، وكذلك مع وقوف الصين إلى جانب روسيا، وبما أدى إلى زعزعة الثقة بالانفتاح الصيني الذي توهمه الغرب سابقاً".
- في العام 2021، أحيا الزعيم الصيني شي جين بينغ الدعوة إلى "الرخاء المشترك"، والتي فُسرت على نطاق واسع على أنها دعوة لأصحاب الأعمال لتقاسم ثرواتهم على نطاق أوسع.
- تلاشى شعار "الرخاء المشترك" عن الأنظار في الوقت الذي تسعى فيه بكين إلى الترويج للصين كمكان مفتوح للأعمال التجارية بعد ثلاث سنوات من القضاء على فيروس كورونا، بحسب تحليل الصحيفة.
- لكن الضغط على نخبة رجال الأعمال لم يهدأ، والآن بعد أن فتحت الحدود، يبحث الكثيرون عن خطط للخروج.
- يُعتقد بأن الرئيس شي لا يثق بشكل خاص في النخب المالية في الصين منذ أن هرب أكثر من 600 مليار دولار من الاقتصاد في العام 2015، بعد انخفاض مفاجئ في قيمة اليوان، بحسب تحليل الغارديان.
- منذ ذلك الحين، سعت بكين إلى إحكام قبضتها على ثروات الصين - والأشخاص الذين يملكون معظمها- وقد شعر الحزب الشيوعي الصيني بالفزع بشكل خاص عندما بدأ المليارديرات التشكيك علناً في الهيئات التنظيمية في الصين.
تحول ملحوظ
يأتي ذلك فيما تشهد البيئة الآن تحولاً ملحوظاً عما كانت عليه الحال في التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت الصين تستعد للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في العام 2001 وتقدم مجموعة من إصلاحات السوق التي سمحت لرواد الأعمال في الصين بتكديس ثروات ضخمة، بحسب كبيرة مراسلي "الغارديان"، والتي ترصد مجموعة من العلامات الأخرى ذات الصلة برغبة أثرياء الصين في الهرب، ومنها:
- من المتوقع أن يغادر حوالي 13500 من الأفراد ذوي الثروات العالية الصين هذا العام، ارتفاعاً من 10800 في العام الماضي، وفقا لشركة هينلي آند بارتنرز، وهي شركة استشارية للهجرة.
- هناك علامات متزايدة على نزوح الأثرياء الصينيين إلى النقاط الساخنة القريبة.
- ذهب أكثر من 10 بالمئة من الشقق الفاخرة المباعة في سنغافورة في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام إلى مشترين من الصين، ارتفاعاً من حوالي 5 بالمئة في الربع الأول من العام 2022، وفقًا لبيانات من شركة OrangeTee العقارية.
- كما يوجد الآن حوالي 1100 مكتب عائلي واحد - وهي شركات تم إنشاؤها لإدارة ثروات عائلة معينة - في سنغافورة، ارتفاعاً من 50 مكتباً في عام 2018، ومن المقدر أن يأتي حوالي نصف هذا الطفرة من عملاء صينيين.
الحرب التجارية مع الولايات المتحدة
من الولايات المتحدة الأميركية، يقول خبير المخاطر المالية، محيي الدين قصار، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- القضية الأهم في الوضع الصيني هو حالة السياسة والمواجهة مع أميركا.
- الولايات المتحدة تتذرع بحجة تايوان واستقلالها لتؤثر اقتصادياً على الصين من خلال التبشير بعدم الاستقلال وزعزعة الوضع القائم.. وفي تصوري لا أعتقد بأنه ستكون هناك مواجهة عسكرية على الأقل هذه السنة.
- أميركا يهمها بث الشكوك لما له من تأثير على الاقتصاد.
- من جهة أخرى، وصلت القوانين الأميركية لحدودها الممكنه في التخويف، ويحاول الأميركان تخويف المستثمرين الأوربيين، وبهذا يتم عدم تشجيع الاستثمارات الصينية.
ويشير إلى أن "أهم عامل الآن هو حالة الطلب والعرض العالمي؛ فهناك تغيرات في طلب البضائع (..) بما يجعل المُصدر الصيني في موقف غير محمود"، مشدداً على أنه "في الولايات المتحدة كان هناك تبشير بأزمة ركود اقتصادي أثرت على الطلب العالمي وبالتالي على الصادرات الصينية"، ويفسر من خلال ذلك طبيعة الضغوطات التي يواجهها الاقتصاد الصيني، والتي بدورها تؤثر على أثرياء بكين والمستثمرين وحتى رواد الأعمال.