نوايا السفر تتراجع.. هل اقترب عصر السفر الانتقامي من نهايته؟
16:48 - 01 نوفمبر 2023يبدو أن فترة الانتعاش التي عاشها قطاع السفر الجوي في العالم خلال عام 2023، على وشك أن تنتهي قريباً، حيث كشف تقرير "حالة السفر والضيافة"، الصادر حديثاً عن شركة الأبحاث Morning Consult أن الدعم الذي تلقاه قطاع السفر الجوي في الآونة الأخيرة، والناتج عن "الطلب المكبوت" خلال فترة كورونا، قد يصل إلى نهايته قريباً.
وبحسب التقرير فإنه بعد أشهر طويلة من التضخم وارتفاع تكاليف السفر، قد يقوم المسافرون بتقليص خطط إنفاقهم على السفر، في مواجهة بيئة اقتصادية غير مؤكدة، ما سيضع نهاية لعصر "السفر الانتقامي" الذي ظهر بفعل جائحة "كوفيد-19"، إذ أظهرت أبحاث Morning Consult تراجع نوايا السفر في عدد كبير من الدول وخاصة في أوروبا.
وقد تراجعت نوايا السفر مؤخراً بنسبة 11 نقطة مئوية في فرنسا، و6 نقاط مئوية في ألمانيا و4 نقاط في كندا وروسيا، كما تراجعت بنسبة 23 نقطة في أميركا الشمالية، وبـ 12 نقطة في كوريا الجنوبية و9 نقاط مئوية في اليابان، وتبين أيضاً أن الاهتمام بين المسافرين الصينيين، لزيارة أماكن معينة آخذ في الانخفاض.
ورغم أن تقرير "حالة السفر والضيافة" أظهر أن نوايا السفر تتزايد في العديد من البلدان، إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً لتعويض خسارة المسافرين من مناطق أخرى، فالتراجع يسجّل من المسافرين في الاقتصادات المتقدمة، حيث أدى التضخم إلى تآكل مدخرات المستهلكين هناك، وجعلهم يعيدون ترتيب أولوياتهم في كيفية إنفاقهم للأموال، إضافة إلى أن غالبية الذين كانوا ينتظرون القيام برحلاتهم "الانتقامية" بعد "كوفيد-19" قد قاموا بها بالفعل.
ولكن Morning Consult شددت في تقريرها، على أن تراجع نوايا السفر لا يعني أن القطاع سيشهد انخفاضاً كبيراً مرة أخرى، مثل الانخفاضات التي تم تسجيلها بين عامي 2020 و2021.
رحلة تعافي قطاع السفر من كورونا
وشهد قطاع السفر نشاطاً قوياً في عام 2023، وفق ما أعلن الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا"، الذي توقع أن تنقل شركات الطيران 4.35 مليار راكب حول العالم خلال العام الحالي، وهو مستوى قريب من المستوى القياسي المسجّل في عام 2019، قبل انتشار جائحة كورونا، البالغ 4.54 مليار راكب.
ساعات السفر الطويلة
كما توقع "إياتا" أن تحقق شركات الطيران أرباحاً، قد تصل إلى نحو 10 مليارات دولار في 2023، في وقت بلغت خسائر هذه الشركات نحو 3.6 مليار دولار في 2022، مع نقلها لأكثر من 3 مليارات راكب.
وشهدت سنوات جائحة كورونا، انخفاضاً كبيراً في رحلات الطيران حول العالم، بسبب التدابير التي اتخذتها البلدان المختلفة، والتي شملت بشكل أساسي حظر السفر، تفادياً لانتشار الفيروس، إذ نقلت شركات الطيران نحو 1.8 مليار مسافر فقط في عام 2020، بانخفاض قدره 60.2 بالمئة عن عام 2019، ليرتفع هذا الرقم إلى ما يزيد قليلاً عن 2.2 مليار راكب في عام 2021، في حين بلغت خسائر شركات الطيران بين عامي 2020 و2021، أكثر من 189 مليار دولار أميركي بحسب بيانات "إياتا".
ظهور "السفر الانتقامي"
ومع التخفيف التدريجي للقيود المفروضة على السفر، ظهر في عام 2021 مصطلح "السفر الانتقامي"، الذي تم استخدامه للدلالة على نية محبي السفر، التعويض عن حرمانهم من ممارسة هوايتهم المفضّلة، بسبب الإغلاقات التي فرضتها جائحة "كوفيد-19".
ويقول المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جيتس للضيافة والسياحة نعيم معضاد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مصطلح "السفر الانتقامي" استخدمته وسائل الإعلام لخلق حالة من التشويق، ولكنه لا يتناسب مع ما يجسده السفر، فلعبارة "الانتقام" دلالة سلبية بشكل عام، وهو ما يتعارض مع مشاعر البهجة التي يخلقها السفر، وهذا ما دفع الناس إلى التفاعل مجدداً مع السفر، بمجرد عودة الأمور إلى طبيعتها، رغم الفترة الطويلة من التوقف التي فرضتها الجائحة.
كلفة أعلى بنسبة 100 بالمئة
ويرى معضاد، أن الارتفاع الذي سجلته حركة السفر في 2023 له أسباب متعددة، سواء لأغراض تجارية أو عمل، أو لأغراض اجتماعية أو ترفيهية، أو لزيارات عائلية، حيث ينطبق ذلك أيضاً على أسباب الارتفاع الكبير الذي سجلته أسعار تذاكر السفر والتي هي متعددة، فنقص العمالة الذي حصل بعد الجائحة، إضافة إلى التضخم العالمي وارتفاع تكلفة الوقود ومحاولة الشركات استعادة الخسائر التي تكبدتها، كلها عناصر جعلت المسافرين يدفعون الآن، مبالغ تصل إلى 100 بالمئة أكثر، مقارنة بالوجهات نفسها قبل جائحة "كوفيد-19".
ما لا تخبرنا به شركات الطيران
ويكشف معضاد، عن أن ما لا تخبرنا به شركات الطيران، هو أنها لم تقم حتى الساعة بإعادة تفعيل نفس حجم العرض الذي كان متاحاً قبل الجائحة، ولسوء الحظ فإنه مع تقليل الأماكن المتاحة على متن الطائرات، وعدد الرحلات الجوية، يمكن لشركات الطيران فرض التسعيرات المبالغ فيها، ولذلك فإنه ليس من المفاجئ أن نرى أن الأسعار ارتفعت بشكل كبير، مشيراً إلى أن شركات الطيران مشغولة حالياً، بإجراء مقابلات توظيف في جميع أنحاء الصناعة، إلا أن هذا الأمر يستغرق وقتاً طويلاً، لوصول عديد اليد العاملة إلى نفس مستويات ما قبل الجائحة، فالعمل في عالم الطيران يتطلب الكثير من التدريب، والعديد من الموافقات الحكومية، والعديد من الشروط المسبقة عند التوظيف، وهذا بطبيعته يأخذ وقتاً.
وأمل معضاد أن تضع شركات الطيران، والجهات التنظيمية، والحكومات بعض الضغط على سلطات الطيران، للتأكد من الإسراع بتوفير حجم العرض الجوي نفسه، الذي كان قائماً قبل الجائحة، وذلك حتى يتماشى العرض مع الطلب، ويصبح هناك إمكانية أكثر للسفر بأسعار أرخص من تلك المتوفرة حالياً، مذكراً بأن العالم شهد في السنوات العشر الأخيرة، انخفاضاً كبيراً في أسعار تذاكر الطيران، نظراً لوجود منافسة كبيرة بين شركات الطيران.
عدد الرحلات الجوية في العالم
من جهته، كشفت الكاتبة في الشؤون الاقتصادية والسياحية رولى راشد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عدد الرحلات الجوية التي تقوم بها شركات الطيران على مستوى العالم، ارتفع بشكل مطرد في 2019 ووصل إلى نحو 38.9 مليون رحلة جوية، ولكن هذا العدد انخفض إلى 16.9 مليون في عام 2020، ليعود ويرتفع إلى 22.2 مليون رحلة و 27.9 مليون رحلة على التوالي في 2021 و2022، وهذا ما يؤكد أن حجم العرض الجوي المتوفر كان محدوداً، في وقت أراد فيه قسم كبير من الأشخاص السفر، لافتة إلى أن التوقعات تشير إلى أن عدد الرحلات الجوية سيصل في 2023 إلى 32 مليون رحلة فقط، وهو أقل بنحو 7 ملايين رحلة مقارنة بعام 2019.
انتهاء حقبة "السفر الإنتقامي"
وبحسب راشد، فإن حقبة "السفر الانتقامي" انتهت، ومن أراد السفر بعد فترة الإغلاق، قام بذلك رغم ارتفاع تكاليف السفر، حيث سنعود الآن إلى وضع السفر الطبيعي الذي يتأثر بالأسعار أولاً وتصحيح مسار الطلب على السفر، فصحيح أن التضخم وارتفاع أسعار النفط كانت من الأسباب الرئيسية التي ساهمت بارتفاع أسعار تذاكر السفر، إلا أن سبب الارتفاع الهائل الذي شهدناه، يعود إلى أن شركات الطيران لا تزال حذرة من إعادة جميع طائراتها المتوقفة عن العمل، ولذلك في حال أرادت شركات الطيران، مواجهة موجة انخفاض نوايا السفر، فيجب عليها إعادة تشغيل كامل أسطولها وتقديم حوافز وعروض أسعار مغرية لتشجيع المسافرين، في وقت باتت فيه أولويات الأفراد مختلفة عن السابق، في ظل الوضع الاقتصادي العالمي المتردي.
ولفتت راشد إلى أن وقود الطائرات يمثل الآن ما يصل إلى 38 بالمئة من متوسط تكاليف شركة الطيران، ارتفاعاً من 27 بالمئة في السنوات التي سبقت عام 2019، وهذه النسبة لا تبرر الارتفاع الكبير في أسعار تذاكر السفر، معربة عن اعتقادها بأن عدد رحلات الطيران سيرتفع ابتداءً من الربع الثاني من 2024، وهذا ما سيساهم في تخفيض كلفة السفر والمحافظة على حجم القطاع قريباً من المستويات التي تم تسجيلها في عام 2023.