هكذا استغل الموظفون الأميركيون تراجع البطالة لزيادة أجورهم
15:30 - 28 أكتوبر 2023يستفيد الموظفون الأميركيون منذ أشهر من القوة التفاوضية التي يوفّرها لهم انخفاض معدلات البطالة للمطالبة بشروط وظروف أفضل، في سياقٍ يتسم بارتفاع معدلات التضخم.
وتقول سوزان شورمان، الأستاذة المتخصصة في العلاقات في عالم الأعمال في جامعة "روتجرز"، في تقرير لوكالة فرانس برس: "لم يتمتع العمال بهذا القدر من النفوذ منذ عقود، وبالتأكيد منذ الركود الذي شهدته الولايات المتحدة بين عامي 2008 و2009".
وتضيف "المرة الأخيرة التي شهدت فيها الولايات المتحدة تحركات اجتماعية بهذا الحجم، كانت في الثلاثينات من القرن الماضي".
وتتابع "في الولايات المتحدة، يتخلف الموظفون العاديون والعمال عن الركب، فقد بقيَت أجورهم مستقرة منذ عقود لأن القدرة على المساومة كانت إلى جانب أصحاب العمل".
غير أن شورمان تؤكد أن "الجائحة غيّرت كل ذلك. فجأة، أصبحت سوق العمل متوترة، وواجه أصحاب العمل صعوبة في التوظيف، وبالتالي، بات بإمكان النقابات ممارسة ضغط"، مشيرة إلى أن "هذا ما يحدث".
ونتيجة لذلك، تضاعفت محاولات الانضمام إلى النقابات في الشركات (أمازون وستاربكس على وجه الخصوص)، غير أن تحقيق النجاح لا يزال صعباً.
نطاق الطلبات
توضح شورمان أنه عندما يرى الموظفون ما تحصل عليه النقابات، يسعون للقيام بالأمر ذاته، ويقبل أحياناً أصحاب العمل مطالبهم لتجنّب إنشاء نقابة.
وفي السياق، يبدو نطاق الطلبات واسعاً، ويتمحور حول رواتب أفضل وضمانات للمستقبل واهتماماً أكبر بالسلامة.
وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في 19 أكتوبر، إنّ القاسم المشترك بين كل هذه التحركات هي الرواتب في بلد يشهد تضخماً "لا يزال مرتفعاً للغاية".
وكان المركزي الأميركي قد رفع أسعار الفائدة 11 مرة منذ مارس 2022، في إطار سعيه لـ"خفض التضخم بشكل مستدام" نحو 2 في المئة. وكان 3.7 في المئة في سبتمبر (9.1 في المئة في يونيو 2022، وهو رقم قياسي منذ أربعة عقود).
ويؤدّي هذا المستوى إلى تآكل القدرة الشرائية لدى الأميركيين، الذين يواجهون أيضاً تداعيات ارتفاع معدل الفائدة الفيدرالية إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2001 (5.25 في المئة و5.50 في المئة).
ووفقاً لوزارة العمل، فقد قفز عدد أيام التوقف عن العمل بسبب الإضرابات هذا الصيف ليصل إلى 4.1 مليونا في أغسطس موزّعة على مجمل الشركات التي شهدت إضرابات عن العمل، وهو الرقم الأعلى منذ 23 عاماً وأكثر من إجمالي الأشهر السبعة السابقة.
من جهة أخرى، تشير شورمان إلى أن الوضع "خاص" في قطاع صناعة السيارات، حيث بدأ الإضراب في سبتمبر في شركات "فورد" و"ستيلانتس" و"جنرال موتورز".
وتوضح أن "الموظفين قدّموا تضحيات كبيرة" خلال عملية إنقاذ القطاع بعد أزمة العام 2008، وبات "المديرون يتلقّون الكثير من الأموال" الآن في ظل التعافي، وبالتالي فإن "العمال يريدون حصتهم".
وفي السياق، قال شون فين رئيس "اتحاد عمال السيارات" الثلاثاء معلقاً على النتائج الفصلية، "ربع قياسي آخر، عام قياسي آخر. كما كنا نقول منذ أشهر: الأرباح القياسية تعني عقوداً قياسية".
"غير مسبوقة"
بعد انتخابه في مارس، تبنّى فين استراتيجية غير مسبوقة تتمثّل في إضرابات متزامنة في المجموعات الصناعية الثلاث. وتمّت تعبئة حوالى 45 ألف موظف من أصل 146 ألفاً مسجلين في الاتحاد.
ووفقاً لمجموعة أندرسون الاقتصادية (AEG)، التي تُعتبر "فورد" و"جنرال موتورز" من عملائها، فإن الأسابيع الخمسة الأولى من الإضراب كلّفت الاقتصاد الأميركي أكثر من 9.3 مليار دولار.
تقول شورمان "لقد فوجئنا جميعاً (بهذه الاستراتيجية). ولكن يبدو أنها ناجحة، فقد باتوا يطرحون المزيد من المطالب على الطاولة مقارنة بالشهر الماضي".
بعد 41 يوماً من الإضراب، تم الإعلان عن "اتفاق من حيث المبدأ" مع شركة فورد مساء الأربعاء، "وضع على الطاولة زيادة (مطالب) بنسبة 50 في المئة عما كان عليه (الوضع) عندما توقفنا عن العمل"، وفقاً لشون فين.
وأشاد الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي شارك في اعتصام خارج مصنع "جنرال موتورز" في أواخر سبتمبر، على الفور بالاتفاقية "التاريخية".
وفعل الشيء نفسه في يوليو تعقيباً على على اتفاق مع شركة "يو بي اس"، أدّى إلى تجنّب إضراب كانت ستكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الأميركي.
من جهتها، أذعنت مجموعة الدفاع والفضاء "جنرال دايناميكس" في اللحظة الأخيرة. كما منحت شركات الطيران "يونايتد" و"دلتا" و"أميركان" زيادات إجمالية في رواتب طيّاريها تبلغ حوالى 40 في المئة.
وفي هذه الأثناء، يخوض حوالى 4 آلاف موظف في ثلاثة كازينوهات في ديترويت إضراباً لمدة أسبوع.
واستسلمت شركة "كايسر برماننت"، وهي واحدة من أكبر شبكات الصحّة الخاصة في الولايات المتحدة، أمام إشعار بالإضراب لمدة أسبوع في أوائل نوفمبر، وذلك بعد توقّف أكثر من 75 ألفا من موظفيها البالغ عددهم 85 ألفاً، عن العمل في بداية أكتوبر.
كذلك، يتوقّف العاملون في سلسلة صيدليات "والغرينز" عن العمل لبضعة أيام أحياناً، ومن المقرّر أن ينفذوا إضرابهم التالي في نهاية أكتوبر.
وفي هوليوود أيضاً، أضرب كتّاب السيناريو عن العمل لمدة خمسة أشهر تقريباً، فيما بدأ الممثلون إضراباً في يوليو.