أزمة تكلفة المعيشة تجبر الأوروبيين على إلغاء عطلة الشتاء
13:08 - 28 أكتوبر 2023تواجه أوروبا تحديات اقتصادية متنامية أثرت على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لمواطني القارة العجوز، والتي كان على رأس أسبابها ارتدادات الحرب في أوكرانيا وجائحة كورونا التي مازالت تلقي بظلالها حتى الآن على اقتصادات العالم، وأثرت بشكل كبير على جميع القطاعات في أوروبا، ومن بينها قطاع الخدمات المتعلقة بالسياحة والترفيه.
وفي هذا الإطار، أجبرت أزمة تكلفة المعيشة حوالي نصف البريطانيين على سبيل المثال، على تخفيض أو إلغاء خطط عطلاتهم لهذا الشتاء، فقد أظهر استطلاع لـ MailOnline أن 44 بالمئة من البريطانيين لا يخططون للترحال والسفر خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وسأل الاستطلاع الأشخاص عما إذا كانوا ينوون الذهاب في عطلة خلال بقية العام، وكانت الإجابات كما يلي:
أوضح نحو 25 بالمئة أنهم يخططون للسفر إلى الخارج، في حين اقترح 23 بالمئة منهم قضاء عطلة في المملكة المتحدة، و9 بالمئة مازالوا يناقشون الأمرين. فيما أصر 44 بالمئة على أنه ليس لديهم أي أمل في قضاء عطلة الشتاء هذا العام (النسب تقديرية مُقربة إلى أقرب رقم صحيح).
كذلك وفقاً لأبحاث ريدفيلد آند ويلتون ستراتيجيز، فإن ما يقرب من 59 بالمئة، غيروا ترتيباتهم نتيجة للوضع الاقتصادي، والأزمة المالية المتفاقمة بسبب تداعيات جائحة كورونا، والأزمة الروسية الأوكرانية، بجانب الحرب في غزة.
تكلفة المعيشة ومعدلات التضخم
من برلين، رجح المحلل والكاتب الصحافي محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن زيادة ارتفاع تكلفة المعيشة ومستوى التضخم الحالي في أوروبا، أثر بشكل سلبي على فرص قضاء أعياد الميلاد وموسم الشتاء الخاص بالأوروبيين هذا العام، وسيكون من الصعب على الأسر تجهيز الهدايا وتنظيم الاحتفالات والسفر بشكل مستدام لارتفاع تكاليفها.
وأوضح المحلل والكاتب الصحافي، أن هناك أيضاً عددًا من العوامل الاجتماعية التي تقف وراء ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم في أوروبا، وتشمل ما يلي:
- زيادة معدل البطالة.
- نقص فرص الاستثمار المحلي.
- عجز نسبة كبيرة من الأوروبيين عن تحمل تكاليف المعيشة اليومية.
- زيادة أعباء الديون الشخصية.
- التوترات الاجتماعية التي بدورها تؤثر على اقتصادات بعض الدول الأوربية، خاصة التي تعتمد منها على السياحة.
وأكد أن هناك عدداً من التحديات الاقتصادية التي تواجه القارة العجوز والتي يمكن أن تسهم في دخولها إلى مرحلة الركود، ولكن الأوضاع الاقتصادية قابلة للتغيير وقد تتحسن في المستقبل مع اتخاذ سياسات اقتصادية فعالة، مشيراً إلى أنه على سبيل المثال، الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها ألمانيا من خلال خطط وسن قوانين جديدة لتحفيز الاقتصاد والعمل على التقليل من الروتين الإداري الذي يؤثر على حركة الاستثمار.
وتابع: الأزمة الروسية الأوكرانية، كان لها تبعات عديدة أثرت على الاقتصاد الأوروبي، مثل زيادة أسعار الطاقة والمواد الخام، والتي بدورها رفعت من تكاليف أسعار المعيشة.
وأثر التضخم الذي ضرب العالم على المجتمعات الأوروبية، في عدة نواحي، حاول المحلل والكاتب الصحافي تلخيصها فيما يلي:
- زيادة التكاليف اليومية: يؤدي ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم إلى زيادة تكاليف الإيجار والغذاء والطاقة والمواصلات. هذا يمكن أن يؤدي إلى ضغوط مالية على الأسر وقد يضطر البعض إلى اتخاذ إجراءات تقشفية.
- تأثير على معدلات الفقر: يمكن أن يرفع ارتفاع تكلفة المعيشة معدلات الفقر في المجتمع، فالأشخاص ذوي الدخل المنخفض قد يواجهون صعوبة في تحمل تكاليف الحياة وتلبية احتياجاتهم الأساسية.
- زيادة الديون: إذا لم يتمكن الأفراد من تلبية احتياجاتهم المالية بسبب ارتفاع التكاليف، فقد يضطرون إلى اقتراض المال وتراكم الديون. هذا يزيد من ضغط الديون الشخصية والمالية على الأفراد وقد يؤثر على القدرة على الاستثمار وتحقيق الأهداف المالية الشخصية.
- إعاقة النمو الاقتصادي: يؤدي ارتفاع تكلفة المعيشة والتضخم إلى تقليل الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار في الاقتصاد المحلي. هذا يعني أن الأفراد والشركات قد يكونوا أقل عرضة للقيام بمشتريات كبيرة أو الاستثمار في مشاريع جديدة، مما يؤثر على نمو الاقتصاد المحلي.
- الآثار الاجتماعية: قد تكون هناك آثار اجتماعية سلبية أخرى مرتبطة بارتفاع تكلفة المعيشة، مثل زيادة معدلات التوتر الاجتماعي والاستياء، وتراجع الثقة في النظام الاقتصادي والسياسي، وزيادة الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات.
ارتدادات التضخم والسياسات النقدية
وفي سياق متصل، قال الباحث الاقتصادي، دانيال ملحم، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفترة الأخيرة شهدت ظهور تبعات ارتفاع معدلات التضخم والسياسات النقدية المشددة بشكل لافت، وأثر ذلك على ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة قطاع الخدمات في أوروبا، والذي كان متأخراً نتيجة غلق الأسواق بسبب تداعيات كورونا، حيث بدأ يؤثر على أسعار تكاليف الإنتاج والسلع التي ارتفعت بشكل كبير، وساعد أيضاً في نقص الأيدي العاملة، وارتفاع تكاليف الخدمات في القطاع السياحي والذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الفنادق والمطاعم وخدمات النقل.
وأوضح الباحث الاقتصادي، أن الآونة الأخيرة شهدت تراجعاً في معدل التضخم في أوروبا، خاصة على قطاع الصناعات، ولكن لا يزال قطاع الخدمات يتراجع ببطء، والذي يؤثر بشكل كبير على فرص قضاء الأوروبيين إجازات أعياد الميلاد والعطلة الشتوية، فعلى سبيل المثال أغلب الفرنسيين يحاولون التغيير في سلوكياتهم الاستهلاكية ويتوجهون إلى الأماكن الأقل سعراً.
وتشير بيانات وكالة الإحصاء التابعة للاتحاد الأوروبي، إلى تراجع المعدل السنوي للتضخم في منطقة اليورو، شهر سبتمبر الماضي، إلى أدنى مستوياته خلال عامين.
وسجلت معدلات التضخم ارتفاعاً بمعدل سنوي 4.3 بالمئة (وهو ما يشكل أدنى معدل مُسجل منذ شهر أكتوبر من العام قبل الماضي). جاء هذا التراجع بأكثر من المتوقع، إذ كانت تشير تقديرات المحللين إلى تراجع إلى 4.5 بالمئة.
التضخم الأساسي (الذي يستثني الأسعار المتقلبة بالنسبة للطاقة والسلع الغذائية والكحول والتبغ)، تراجع من 5.3 بالمئة في أغسطس إلى 4.5 بالمئة في سبتمبر.
وتشهد معدلات التضخم تراجعاً مطرداً منذ الوصل إلى الذروة عند 10.6 بالمئة في أكتوبر 2022. ورغم التباطؤ، تظل معدلات التضخم أعلى بكثير من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمئة.