نتائج مخيبة للآمال..هل يفقد لبنان حظوظه بالتحول لدولة نفطية؟
18:26 - 18 أكتوبر 2023في الوقت الذي كانت تراهن فيه السلطات اللبنانية، على الدور الذي يمكن أن تلعبه إيرادات حقول النفط والغاز، المنتظر اكتشافها في المياه الإقليمية اللبنانية، في إنقاذ البلاد من الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تعاني منها منذ 4 سنوات، أتت نتائج الحفر الذي قامت به شركة توتال في "البلوك رقم 9" مخيبة للآمال.
فبحسب ما ذكره مصدر مطلع، قبل أيام، لوكالة رويترز، لم يُعثر على الغاز بعد عمليات الحفر في البلوك 9 البحري التابع للبنان. ولم تعلق "توتال" رسميا على هذه الأنباء.
لكن التسريبات من مسؤولين في لبنان تؤكد أن نتائج الحفر تشير إلى عدم وجود مكامن للغاز والنفط، وهو الأمر الذي أشار إليه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، من خلال إعلانه أن وفداً من توتال أبلغه أن المعطيات غير إيجابية، وذلك مع عدم ظهور أي دليل ملموس، يؤكد وجود ثروة نفطية في "البلوك 9" خلال عملية الحفر الاستكشافية.
كما أن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فيّاض اعلن أن وزارته طلبت من توتال أخذ بعض العيّنات من عملية الحفر لتحليلها.
وكان كونسورتيوم مؤلف من ثلاث شركات، تقوده توتال الفرنسية ومعها إيني الإيطالية وقطر للطاقة، قد بدأ أعمال الحفر الاستكشافية في "البلوك رقم 9"، في 24 أغسطس 2023.
ويقع "البلوك 9" في البحر في جنوب لبنان على الحدود مع إسرائيل، وقد بدأت أعمال الحفر في هذه الرقعة، كنتيجة لاتفاق ترسيم الحدود الذي تم إبرامه بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر 2022، وهو إتفاق وصف بـ "التاريخي" كونه أتى بعد مفاوضات شاقة، جمعت الطرفين بوساطة أميركية، وهذا ما دفع بالرئيس الأميركي جو بايدن حينها، إلى وصف ما حصل بـ"الاختراق التاريخي" الذي تطلّب شجاعة كبيرة.
وعدم وجود ثروة نفطية في "البلوك رقم 9"، يُعدّ ثاني خيبة أمل تصيب اللبنانيين، لناحية إمكانية تحول بلدهم إلى دولة منتجة للنفط، ففي عام 2020 أظهرت أعمال الحفر الإستكشافية في "البلوك رقم 4" الواقع في البحر شمال لبنان، عدم وجود مكمن للغاز بكميات تجارية كافية، وهو ما أدى أيضاً حينها إلى انحسار منسوب التفاؤل، بإمكانية أن تساعد الثروة النفطية بإنقاذ البلاد المدمرة اقتصادياً ومالياً.
وتتضمن المياه البحريّة اللبنانيّة 10 رقع أو بلوكات، تُعرَض للمزايدة تباعاً، من خلال دورات تراخيص تنظّمها الدولة اللبنانيّة.
ورغم أن البلاد كانت على بعد سنوات من الاستفادة من عائدات النفط والغاز، في حال وجدت في البلوكين 4 و9، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات اللبنانية من المراهنة، على هذه الأموال لإنقاذ الاقتصاد المنهار للبلاد، حيث شهد المجلس النيابي اللبناني ورش عمل تحضيرية، تهدف إلى وضع تشريعات لإنشاء ما يُعرف بـ "الصندوق السيادي"، المخصص للأموال المحصلة من إيرادات النفط والغاز، في حين كانت بعض الأطراف المالية اللبنانية، تأمل في أن تساهم استكشافات النفط في البلاد، بتأمين السيولة اللازمة لمساعدة القطاع المصرفي، على إعادة الودائع المحتجزة في المصارف لأصحابها.
جدوى الرهان على النفط
وتقول الخبيرة في شؤون النفط والغاز، لوري هايتايان، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن عدم صدور بيان رسمي عن شركة توتال يكشف ما توصلت إليه عملية الحفر، يدلّ على وجود تباين في وجهات النظر التقنية بين توتال وبين وزارة الطاقة اللبنانية، داعية إلى انتظار ما ستؤول إليه الأمور رغم أن نتيجة الحفر باتت معلومة لدى الجميع.
وبحسب هايتايان فإن عدم وجود ثروة بترولية في البلوكين 9 و4، يطرح علامات استفهام حول جدوى استمرار لبنان في الرهان فقط على قطاع النفط والغاز "غير الموجود" حتى الساعة، لافتة إلى أن ذلك لا يعني عدم وجود نفط وغاز في لبنان، ولكن استمرار العمل بالنهج الحالي البطيء في عمليات الترسية والحفر والنتائج السلبية التي تظهر، ستؤدي حتماً إلى تراجع حظوظ لبنان في التحول إلى بلد نفطي.
وأشارت هايتايان الى أن السياسيين اللبنانيين كانوا يأملون ويعولون، على تحقيق إيرادات ضخمة من الاكتشافات النفطية المتوقعة، ما يتيح لهم تفادي الشروط القاسية التي وضعها صندوق النقد الدولي، لإنقاذ الاقتصاد المنهار للبنان، داعية الحكومة إلى العودة للإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي، لضمان حصول لبنان على قروض، تساعده في القيام بمشاريع ذات جدوى اقتصادية، وترفد الاقتصاد وتدعمه بإيرادات تمكن الدولة من النهوض من أزمتها، التي استنزفت طاقة الشعب اللبناني.
رحلة السنوات الأربع في البحث عن النفط
وترى هايتايان أن السلطات في لبنان ومنذ بداية الأزمة الإقتصادية في عام 2019، هربت إلى الأمام مراهنة على النفط والغاز، ولكن ما حصل اليوم يجب أن يعيدنا إلى الأساس المتمثل بصندوق النقد الدولي، بعد أن خسرنا نحو 4 سنوات من الوقت، كاشفة أن توتال الفرنسية ومعها إيني الإيطالية وقطر للطاقة، تقدمنَ لجولة التراخيص المتعلقة بعمليات الحفر الإستكشافية في البلوكين 8 و10، وذلك بانتظار ما ستقرره الدولة اللبنانية بهذا الشأن، وما إذا كانت ستوافق على العرض الذي تقدم به هذا الكونسورتيوم، أم أنها ستطالب بإدخال تعديلات.
أحلام بعشرات مليارات الدولارات
من جهتها تقول الكاتبة المختصة بشؤون الاقتصاد، محاسن مرسل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه للمرة الثانية على التوالي، يكون هناك إفراط بالتفاؤل من الجانب اللبناني، بشأن مكامن الغاز والنفط الموجودة في "البلوك رقم 9"، وقد ذهب البعض بتقدير قيمتها بعشرات مليارات الدولارت، ليتبين الآن عدم صحة كافة هذه التوقعات.
وأشارت إلى أن المعلومات السابقة التي تم تناقلها عن الثروة النفطية في "البلوك رقم 9"، كانت مجرد معلومات عامة، مبنية على توقعات واعدة، في حين تم إغفال الرأي الآخر في الموضوع، الذي يقول إنه خلال عمليات الحفر الاستكشافية، جميع الاحتمالات واردة، ولا يجب المبالغة بالتفاؤل، قبل التأكد بشكل حسي، أن هناك بالفعل كميات من الغاز والنفط تصلح للاستخراج التجاري.
وتضيف مرسل إن ما حصل منذ لحظة توقيع لبنان لإتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل في نهاية عام 2022، أعطى انطباعاً للناس بأن لبنان أصبح بلداً نفطياً، بفضل "البلوك رقم 9" الذي يشمله الاتفاق، وهذا خطأ كبير إذ كان يجب عدم الإنفراد بإظهار الرأي الإيجابي فقط، معتبرة أن النتيجة التي توصلت لها توتال، كانت بمثابة صدمة لعدد كبير من الناس، ولذلك يجب على السلطات اللبنانية أن تتعظ من تجربتها، وأن تتعلم كيف تدير التوقعات في ملفات استخراج النفط والغاز، وكيف تعرضها على المواطنين الذين اعتبروا أن الثروة النفطية الموجودة في البحر، ستكون بمثابة طوق نجاة من أزمتهم الاقتصادية.
طوق النجاة
وبحسب مرسل فإن الخطوة المقبلة للدولة اللبنانية يجب أن تكون التعاون مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ الاصلاحات المطلوبة منها، كي تتمكن من النهوض بالاقتصاد، وذلك قبل الذهاب إلى عمليات التنقيب الاستكشافية في البلوكين 8 و10، إذ يجب عدم المراهنة فقط على الغاز والنفط، كحل للأزمة المالية في لبنان، وذلك بعد تجربتين محبطتين، حيث يبدو أن الاتفاق مع صندوق النقد، سيكون طوق النجاة الوحيد المتوفر لانتشال اللبنانيين من أزمتهم، وهو ما قد يفتح الباب أمام باقي الدول لمساعدة لبنان.