كيف سيتأثر الاقتصاد الإسرائيلي في حالة "الاجتياح البري"؟
12:33 - 18 أكتوبر 2023يحبس العالم أنفاسه انتظاراً لسيناريوهات الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، منذ السابع من أكتوبر الجاري، وسط أنباء مختلفة حول احتمالات "الاجتياح البري" من جانب إسرائيل لقطاع غزة، والسيناريوهات التي قد تسفر عنها تلك العملية، في ظل تحذيرات واسعة من مغبة اتخاذ تلك الخطوة التي ستكون تأثيراتها شديدة الصعوبة.
على الجانب الآخر، تظل "الكلفة المادية" لهذا السيناريو محل تساؤل، لجهة مدى قدرة تحمل الاقتصاد الإسرائيلي الخسائر المحتملة جراء التصعيد، وتوقف النشاط الاقتصادي إلى حد كبير مع استدعاء الجنود الاحتياط علاوة على متطلبات الاجتياح، وما إذا كان الدعم الأميركي والغربي سيكون كفيلاً باستمرار الجانب الإسرائيلي في حرب طويلة من عدمه.
وتسبب التصعيد الحالي منذ بداية عملية "طوفان الأقصى" من جانب حماس وإطلاق سيل من الصواريخ على الجانب الإسرائيلي، عن خسائر بالجملة للاقتصاد الإسرائيلي، عبرت عنها مؤشرات الأسهم في بداية الأحداث وكذلك "الشيكل" الذي بلغ أدنى مستوى له منذ 2015 وغيرها من الشواهد.
سيناريوهات معقدة
من الولايات المتحدة، يقول الكاتب والمحلل حازم الغبرا، والذي كان مستشاراً سابقاً في وزارة الخارجية الأميركية، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأمر يبدو معقداً جداً بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، وطبيعة الحرب، ويرصد عدداً من العوامل الأساسية في هذا السياق، على النحو التالي:
- لقد شاهدنا رد فعل الأسواق الإسرائيلية والانخفاضات الحادة التي شهدتها بعد عملية السابع من أكتوبر التي قامت بها حماس.
- المشكلة الحقيقية ستكون في التعبئة العامة.. نحن نتحدث عن جيل كامل من الاحتياط من الشباب الإسرائيلي يعمل في مجالات مختلفة، التكنولوجيا والاتصالات وأسواق المال والاستثمار.. إلخ.
- عدد هائل من هؤلاء سيضطرون لترك وظائفهم والالتحاق بوحداتهم العسكرية، وهو ما سيؤدي لاضطراب كبير في الناتج المحلي لإسرائيل في المرحلة القريبة.. وبالتالي الجميع يتمنى ألا تكون هذه حرب طويلة الأمد.
- إسرائيل صغيرة من حيث المساحة وعدد السكان، فعندما نتحدث عن مئات الآلاف من الشباب الاحتياط الذين سيتركون وظائفهم اليوم فهذا عدد كبير جداً يؤثر على الاقتصاد.
ويشير إلى أن التبعات الاقتصادية المحتملة في ظل الوضع الراهن تشير إلى تأثيرات ملموسة على الأقل حتى الربع القادم، بينما لا يعتقد بأنه على الأمد الطويل ستكون هناك مشاكل بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي (..) إلا إذا كانت هنالك مضاعفات لهذه الحروب أو عواقب وتطورات غير متوقعة، من بينها -وهو أمر غير وارد ربما- حدوث خلافات مع واشنطن.
ويضيف الغبرا: "إذا نجحت إسرائيل بشكل ملموس على الأقل في تخفيض الخطر الآتي من حماس فستكون هنالك انفراجة كبيرة في الأسواق الإسرائيلية (..) بينما الاحتمال العكسي إذا ما تطورت الحرب ودخلت أطراف أخرى، مثل إيران، بشكل مباشر أو عبر أذرعها (..) هذا سيناريو صعب ومعقد واحتمالاته ليست كبيرة، وعواقبه خطيرة على الجميع"، مشيراً إلى أن هناك احتمالات كثيرة والكثير منها مجهول وربما يستحيل التنبؤ به.
ويضغط التصعيد بين إسرائيل وحماس على الأسواق مع زيادة المخاطر الجيوسياسية، وسط حالة ترقب واسعة في صفوف المستثمرين، انتظاراً لمآلات الوضع، وفي ضوء حالة عدم اليقين التي تفرض نفسها على المشهد، والسيناريوهات المختلفة المحتملة بما في ذلك سيناريو الاجتياح البري.
فيما أجلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، الأحد، الإعلان عن التصنيف الائتماني الجديد لإسرائيل، وذلك بسبب استمرار العمليات العسكرية. وكانت الوكالة قد ذكرت الأسبوع الماضي، إن التصعيد الحالي في غزة، ستختبر مرونة الاقتصاد الإسرائيلي.
وضعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تصنيف الديون السيادية لإسرائيل "A+" تحت المراقبة السلبية الثلاثاء، وعزت قرارها إلى تزايد خطر اتساع نطاق الصراع.
وذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أن المخطَّط الأوّلي للهجوم البري على غزة كان في نهاية الأسبوع، بينما قال ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار، لم تذكُر أسماءهم، إن هذا سيتأجَّل لأيام؛ لأن "تراكم الغيوم يصعّب مهمة الطيران الحربي والطائرات المسيّرة في توفير الغطاء الجوي للقوات الأرضية".
لكن محللين واستراتيجيين أرجعوا ذلك إلى "الكلفة الباهظة" التي قد تتكبدها إسرائيل جراء الاجتياح البري، وهو ما أشار إليه الخبير الاستراتيجي المصري المدير السابق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، اللواء سمير فرج، والذي ذكر في تصريحات إعلامية له أنه "لو قامت إسرائيل بهجوم بري على غزة ستكون التكلفة والخسائر مرتفعة وتل أبيب ستفكر ألف مرة قبل القيام بهذه الخطوة".
الدعم الأميركي
يتحدث المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، في معرض تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن الدعم الأميركي إلى إسرائيل، مشيراً إلى تصريحات وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، التي أكدت بشكل واضح وصريح جداً أن الولايات المتحدة مستعدة وتستطيع أن تمول الحرب في أوكرانيا وأيضاً أية مساعدة تحتاجها إسرائيل في حربها ضد حماس.
- وزيرة الخزانة الأميركية، قالت مطلع الأسبوع، إنه من السابق لأوانه التكهن بالتداعيات الاقتصادية للتصعيد في غزة، مضيفة أن أثر هذا الصراع سيعتمد على ما إذا كان سيتسع نطاقه في المنطقة.
- الوزيرة الأميركية أضافت: "أعتقد بأن الأهم يعتمد على إذا ما كانت الأعمال القتالية ستمتد لأبعد من إسرائيل وغزة، وهذه بالتأكيد نتيجة نود تجنبها".
ويتابع الغبرا: "الموضوع واضح من الجهة الاقتصادية، لا توجد عوائق من ناحية الدعم المالي.. ربما هناك بعض الصعوبات في تأمين السلاح، لا سيما وأن السلاح الذي تحتاجه أوكرانيا مقارب لما تحتاجه إسرائيل (..)". - ذكر محافظ بنك إسرائيل، أن الحرب ستكون لها تداعيات مباشرة على الميزانية العامة، لكنه توقع في الوقت نفسه أن تتم السيطرة على هذه الضغوط بسبب الظروف المالية القوية للاقتصاد الإسرائيلي.
- نقلت تقارير إعلامية أميركية عن مصادر -لم تسمها- قولهم إن السلطات الإسرائيلية طالبت بدعم أميركي طارئ قيمته 10 مليارات دولار.
- على صعيد آخر، يخوض البيت الأبيض محادثات مكثفة مع الكونغرس هذا الأسبوع لانتزاع الموافقة على حزمة أسلحة جديدة لإسرائيل وأوكرانيا تتجاوز قيمتها الملياري دولار.
الاجتياح البري
من القاهرة، يشير الكاتب الصحافي المتخصص في الشأن الفلسطيني، أشرف أبو الهول، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن الاجتياح البري هو جزء من العمليات العسكرية لأي جيش، تسبقه عادة مرحلة تمهيد وضمان عدم حدوث خسائر كبيرة، موضحاً أنه "إذا فشل الاجتياح البري سيكون كابوساً مفزعاً لإسرائيل، لأنه سيعني استمرار قواتها لفترة لا تستطيع تحقيق الانتصار أو الخروج من غزة".
ويضيف: "هناك خسائر مادية واسعة، لكن إسرائيل لديها مخزون ضخم من الأسلحة واحتياطات ملائمة، فضلاً عن الدعم الأميركي والغربي المقدم إليها، وهو ما يجعلها تتحمل الخسائر المحتملة لشهور مقبلة، وبالتالي فإن ما يقلقها هو حجم الخسائر البشرية ووقوع قتلى ومصابين وأسرى".
وتراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي، الاثنين، إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ 2015، إذ وصل سعر الدولار الواحد إلى 4 شيكل وسط قلق المستثمرين بشأن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد "حماس" في قطاع غزة.
ويلفت إلى أن "غزة" أرض رملية بها شبكة أنفاق ضخمة قد تصل إلى 500 كيلو، ومناطق سكنية مكتظة بالسكان، وبالتالي يُمكن أن يفاجأ الإسرائيليون بمقاومة شديدة.. وبالتالي ما تقوم به إسرائيل حالياً محاولات لإنهاك القطاع (..)".
أعلنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الأحد، أن نحو مليون شخص نزحوا في قطاع غزة خلال الأسبوع الأول من التصعيد بين إسرائيل وحركة حماس.
ويشير إلى الكلفة الاقتصادية التي لا تزال إسرائيل تتكبدها منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي، خاصة مع سيل الصواريخ الذي تم إطلاقه من عديد من الاتجاهات، والذي كما تسبب في خسائر بشرية فقد تسبب في خسائر مادية باهظة، لا سيما مع وقف حركة الطيران والسياحة وخلافه، لافتاً في الوقت نفسه إلى تبعات استدعاء مئات الآلاف من الجنود الاحتياط للجيش، بما لذلك من كلفة واسعة، على اعتبار أن هذا يشكل تعطيلاً للاقتصاد".
لكن أبو الهول يؤكد على رهان إسرائيل واعتمادها لتعويض الخسائر على الدول الصديقة لها، الولايات المتحدة والغرب، بينما التخوف الأساسي بالنسبة لها هي الكلفة البشرية.
وبدأ التصعيد في غزة بعد أن شنت حركة حماس في السابع من أكتوبر هجوما مباغتا برا وبحرا وجوا، أدى إلى مقتل أكثر من 1300 شخص في إسرائيل.
المعضلة الإسرائيلية
وإلى ذلك، يقول الباحث في مؤسسة "أميركا الجديدة"، باراك بارفي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- إن المعضلة الأولى هي سقوط ضحايا من المدنيين.
- القتال في المناطق المبنية الكثيفة أمر صعب للغاية بالنسبة للجيوش، لجهة فقدان مزاياهم التكنولوجية.
- الخسائر البشرية ستؤثر على الرأي العام (..) ولن يكون أمام إسرائيل سوى الكثير من الوقت للقتال قبل أن يدعو المجتمع الدولي إلى وقف العمليات العسكرية.
- إسرائيل تريد تدمير القدرة العسكرية لحماس. وهذا سوف يستغرق وقتاً أطول.
- يتعين على الإسرائيليين أن ينظروا إلى جوارهم.. حماس لديها أنفاق في كل مكان ويعرفون التضاريس أفضل من الإسرائيليين، وبالتالي سيكونون قادرين على إيقاع عدد كبير من الضحايا لم يسبق له مثيل منذ حرب العام 1973.
- سقوط ضحايا من الجانب الإسرائيلي سيكون مؤلما للغاية بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي.