حزمة تحفيزية للاقتصاد الصيني.. هل تحقق النمو المستهدف؟
18:05 - 13 أكتوبر 2023تحاول الصين تعزيز وإنعاش اقتصادها عبر إطلاق حزمة تحفيزية جديدة، تستهدف الحكومة من خلالها تحقيق هدف النمو الذي تسعى للوصول إليه نهاية العام الجاري والبالغ 5 بالمئة.
وكشفت وكالة بلومبرغ أن صناع السياسة الاقتصادية في الصين يدرسون إصدار سندات خزانة إضافية بقيمة تريليون يوان (137 مليار دولار) لإنفاقها على مشروعات البنية التحتية، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع عجز الميزانية إلى أكثر من 3 بالمئة، وهو الحد الأقصى الذي وضعته السلطات الصينية في مارس الماضي.
ويعكس القرار المرتقب، الذي يُتوقع إعلانه خلال الشهر الجاري، حالة القلق التي تنتاب الحكومة الصينية من تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما تزامن مع خفض صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني لعامي 2023 و2024 على خلفية تباطؤ تغذيه أزمة قطاع العقارات، وذلك بحسب تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وسيسجل ثاني أكبر اقتصاد عالمي نمواً في الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 5 بالمئة خلال 2023 و4.2 بالمئة العام المقبل، بحسب ما أظهرته توقعات صندوق النقد الدولي الفصلية، أي بتراجع نسبته 0.2 بالمئة و0.3 بالمئة على التوالي مقارنة بتوقعات يوليو.
وأظهرت البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاءات في الصين، أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سجل نمواً بنسبة 5.5 بالمئة على أساس سنوي خلال النصف الأول من العام 2023، ليصل إلى 59.3 تريليون يوان (حوالي 8.3 تريليون دولار)، فيما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 6.3 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني.
وكان إجمالي الناتج المحلي الصيني قد سجل نموا نسبته 3 بالمئة في 2022 رغم القيود الصحية الصارمة المفروضة لمكافحة كوفيد-19. وكان ذلك أسوأ نمو لها منذ أكثر من أربعة عقود باستثناء مرحلة الجائحة.
محاولات متكررة
الخبير في الشؤون الصينية، نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، أوضح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الصين لإطلاق حزمة تحفيزية عبر زيادة الإنفاق على البنية التحتية، مشيرًا إلى أنها عندما وقعت الأزمة المالية الآسيوية في العام 1997 لجأت لذات الإجراء، وعندما وقعت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 أصدرت الصين في العام التالي حزمة تحفيزية قيمتها أربعة تريليونات يوان لتحفيز الاقتصاد الصيني.
وقال إن الغرض من هذه الحزم التحفيزية هو الإنفاق على البنية التحتية، بهدف تقديم تيسيرات على القروض لأبناء المناطق الريفية بشكل خاص، وذلك بهدف تحفيز الطلب المحلي، وهو ما يعني توفير المزيد من فرص العمل والقيام بعمليات تشغيل أوسع.
وأشار إلى أن الصين مثلها مثل عديد من دول العالم تواجه مشكلة في تعطل أو تباطؤ سلاسل الإمداد وضعف الطلب الخارجي، إضافة إلى عديد من المشكلات الجيوسياسية على المستوى العالمي، وهو ما يؤثر على الاقتصاد الصيني كما يؤثر على اقتصادات جميع البلدان.
وأوضح أن الصين لديها ميزة أنها سوق كبيرة، وبالتالي هذه السوق تعوضها كثيرا عن ضعف الطلب الخارجي، مؤكدًا أن من شأن هذه الحزمة التحفيزية المرتقبة أن توسع الطلب المحلي، وبالتالي تعوض إلى حد كبير ضعف الطلب الخارجي، وتخلق فرص عمل وتحقق معدلات النمو التي تنشدها الصين في نهاية هذه السنة المالية.
وذكر أن نمو الاقتصاد الصيني يسهم بطبيعة الحال في نمو الاقتصاد العالمي، خاصة وأنها أكبر مساهم حاليا فيه، وبالتالي حال زيادة معدل نمو الاقتصاد الصيني سوف ينعكس على الاقتصاد العالمي بشكل أو بآخر، كما أن الصين أكبر دولة مُصدرة للسلع في العالم وهي من كبار المستوردين في العالم.
وأشار إسماعيل في السياق نفسه إلى أن إنفاق الصين على البنية التحتية يعني أنها ستحتاج إلى كثير من المواد الخام سواء فيما يتعلق بالوقود أو المواد الخام الأخرى، أو المزيد من الواردات من الدول المختلفة وبخاصة الدول المُنتجة للمواد الخام مثل الدول الأفريقية والدول المنتجة للطاقة.
ووفقًا للجنة المركزية للشؤون المالية والاقتصادية بالصين، فإن حصة بكين في الاقتصاد العالمي مثلت أكثر من 18 بالمئة خلال 2021، ارتفاعا من 11.4 بالمئة في 2012.
وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يشكل النمو الصيني 30 بالمئة من نمو الاقتصاد العالمي الذي قد يصل إلى 2.7 بالمئة خلال 2023.
أفضل استثمار
من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، في تصريح خاص لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الصين على دراية كاملة بأن أفضل استثمار في الوقت الراهن هو الاستثمار في البنية التحتية والثروة البشرية.
وأوضح أن بكين انفتحت على هذا النوع من الاستثمارات في الوقت الذي تحاول فيه الانطلاق بمشروعها الكبير "الحزام والطريق"، في محاولة منها للفوز في السباق مع الولايات المتحدة الأميركية وطرحها الجديد من خلال قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في الهند عندما اقترحت مشروعا منافسا لمشروع "الحزام والطريق"، مشيرًا إلى أن من هنا انطلقت الصين في الاستثمار في البنى التحتية لما تحمله من مردودات استراتيجية واقتصادية طويلة الأمد.
وقال إنه مما لا شك فيه أن الاقتصاد العالمي يعاني من انكماش في المرحلة الراهنة، نتيجة للتوترات الحادثة في العالم وعلى رأسها تداعيات الحرب في أوكرانيا، موضحًا أن الاقتصاد الصيني مرتبط ارتباطا وثيقاً بما يدور من تداعيات عالمية، وأنه يتأثر من جانبين الأول حجم الصادرات من السلع الصينية والثاني حجم الاستيرادات من المواد الأولية من الدول الأخرى.
ومن خلال هذه المعطيات تبزغ أهمية الحزم التحفيزية الرامية إلى إنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم والذي يواجه تباطؤا في التعافي من تبعات جائحة كورونا رغم رفع القيود.
استمرار للأزمة
على الجانب الآخر، رأى الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، خلال حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن سياسة الصين تجاه ديونها ودعم البنية التحتية والاستثمار فيها، أمور أدت لمشكلة التباطؤ الاقتصادي الذي باتت عليه خلال الفترة الأخيرة.
وأكد أن الصين ليست في حاجة إلى الدعم الزائد للاستثمار في قطاع البنية التحتية، وأنها تمر بأزمة عقارية مرجعًا السبب الرئيسي فيها إلى السياسة الصينية نحو دعم القطاع العقاري والقطاع الاستثماري في البنية التحتية، وهو ما يسمى بدعم كفاءة تخصيص الموارد المالية.
واستبعد أن يؤدي إطلاق حزمة تحفيزية جديدة إلى حل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها الصين، متوقعًا أن تؤدي إلى الاستمرار فيها بشكل أكبر ولفترة أطول خاصة وأن تلك الاستثمارات تعتمد على الديون.