"التصعيد في غزة".. هل يهدد العالم بموجة تضخم جديدة؟
22:01 - 10 أكتوبر 2023في الوقت الذي لايزال العالم يعاني من تداعيات جائحة كورونا جراء إغلاق الحدود بين الدول بين عامي 2020 و2021، والحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ 24 فبراير 2022، وما أحدثته من تضخم لم تشهده معظم اقتصادات العالم منذ عقود جراء الارتفاع القياسي في أسعار الوقود، يتخوف مراقبون وخبراء أن يهدد التصعيد في غزة بموجة تضخمية تمثل عبئاً جديداً على المستهلكين والبنوك المركزية واقتصادات العالم ككل.
ولكن خبراء اقتصاد أكدوا في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن حدوث موجة تضخمية جديدة لن يكون سريعاً، بل سيكون مرتبطاً بمدى استمرار الأزمة الحالية واحتمالية انتشارها، وبما سيحدث لأسعار النفط، لكنهم في المقابل أوضحوا أنه يتعين على صناع السياسات الاقتصادية أن يشعروا بالقلق إزاء التهديد المتمثل في حدوث ركود عالمي في حالة التصعيد والمزيد من الاضطرابات.
وفي هذا السياق، قال رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، في تصريحات لرويترز، الثلاثاء، إن الصراع بين إسرائيل وغزة "مأساة إنسانية وصدمة اقتصادية لا نريدها" وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة إذا انتشر
وأضاف بانجا أن البنوك المركزية كانت قد "بدأت تشعر ببعض الثقة بوجود فرصة لتحقيق خفض ناعم للتضخم، وهذا (الصراع) سيجعل الأمر أكثر صعوبة".
وفي السياق ذاته، تستبعد مؤسسة iCapital أن يكون للصراع الحالي تداعيات سلبية واسعة النطاق على الأسواق المالية، طالما أن دائرة الحرب محصورة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو ما تتفق معه مؤسسة Yardeni Research، التي ترى تأثير التصعيد الحالي على تحركات أسواق الأسهم العالمية، سيعتمد على ما إذا كان قصير الأمد، أم أن الأمور ستتطور إلى حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران، وحينها قد يترك الأمر تداعيات واسعة النطاق على مختلف فئات الأصول.
وكان التضخم السنوي في الولايات المتحدة قد ارتفع إلى أعلى المستويات في أكثر من 40 سنة إلى 9.1 بالمئة في يونيو 2022، وفي بريطانيا بلغ 11.1 بالمئة في أكتوبر 2022 وهو أعلى مستوى في 41 عاماً، وفي منطقة اليورو وصل معدل التضخم إلى 10.6 بالمئة في أكتوبر 2022 مسجلاً أعلى مستوى تاريخياً.
هل نشهد دورة جديدة من السياسات النقدية المتشددة؟
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": "أثبتت الأحداث والأرقام أن التضخم يبقى عنيداً ليس فقط في الولايات المتحدة بل عالمياً، إذ لا يزال أعلى من 3.5 بالمئة في أميركا، وأكثر من 6.5 بالمئة في بريطانيا وكذلك 4.3 بالمئة في منطقة اليورو، وقد تبدو الحرب الدائرة في الشرق الأوسط بأبعاد سياسية وعسكرية، ولكن لابد أن تبعاتها الاقتصادية قد تكون أعمق مما يبدو. وهنا نتكلم عن النفط أولاً وتأثير ارتفاعه، ليس لأن الشرق الأوسط مسؤول لوحده عن قرابة ثلث المعروض العالمي، بل لأن ارتفاع التضخم في حال حدوثه سيدخل الاقتصاد العالمي مجدداً في دورة جديدة من السياسات النقدية المتشددة وإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لوقت أطول من السابق وهذا قد يقود إلى ركود قريب".
"أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت 15 بالمئة في أسبوع، والغاز البريطاني مرتفع 25 بالمئة في أسبوع، لكن بالمقابل لاتزال أسعار النفط عالمياً متراجعة 4 بالمئة في أسبوع في خام غرب تكساس الخفيف و3.5 بالمئة في خام برنت، هذه الأرقام تقودنا إلى نتيجة مهمة وهي أن ارتفاع التضخم سيكون مرتبطاً بالوقت واستمرار التصعيد في غزة وليس ارتفاع النفط بحد ذاته" وفقاً لما قاله سلهب.
موجة التضخم غير مستبعدة لكنها ليست سريعة
ويوضح سلهب أن تكلفة النقل تشكل 18 بالمئة تقريباً في مؤشر التضخم، وتكلفة الطعام والشراب 15 بالمئة ما يعني أن تأثير ارتفاع النفط لن يكون مستبعداً لكنه لن يكون سريعاً وسيكون مرتبطاً بمدى القدرة على استمرار هذه الأزمة الحالية ومدى انتشارها، مشيراً إلى أن الأزمة الحالية لا تشكل تهديداً للدول الأهم في تصدير النفط، كما أن مسارات تصدير النفط العالمية ليست قريبة من بؤرة الصراع الحالي وهذا قد يقود الأسعار إلى الاستقرار تدريجياً إلا في حال حدوث تصعيد واتساع نطاق الصراع.
ويؤكد كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أن البنوك المركزية لا تبني سياساتها النقدية على معيار واحد أو بتأثير من صراع جيوسياسي قد ينتهي، لكن بقاء أسعار النفط مرتفعة في حال حدوثه سيجعل من تبعات الفائدة المرتفعة أكثر استمرارية وهذا لن يكون جيداً على السندات (ارتفاع العوائد) وكذلك الأسهم لكنه سيبقي على الدولار الأميركي في موقف جيد.
الأسواق أمام جرعة جديدة من عدم اليقين الجيوسياسي
بدوره يقول علي حمودي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons": "تواجه الأسواق المالية العالمية، التي هزتها بالفعل أسعار الفائدة المرتفعة، جرعة جديدة من عدم اليقين الجيوسياسي في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل، ونتيجة لذلك، قد يواجه العالم موجة ثالثة من التضخم تلوح في الأفق مع ارتفاع أسعار النفط إذ قد تؤدي التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط إلى نقص الإمدادات، ويتعين على صناع السياسات الاقتصادية أيضاً أن يشعروا بالقلق إزاء التهديد المتمثل في حدوث ركود عالمي في حالة التصعيد والمزيد من الاضطرابات".
ومما زاد من حالة عدم اليقين، ارتفاع أسعار الغاز الأوروبية بنسبة تصل إلى 17 بالمئة أمس الإثنين، وهو أكبر ارتفاع منذ أغسطس الماضي بعد أن أمرت إسرائيل شركة شيفرون بتعليق الإنتاج في حقل تمار في البلاد وسط مخاوف تتعلق بالسلامة، بحسب حمودي.
ويرى رئيس الاستثمار في "ATA Global Horizons" أنه "مع اقتراب سعر برنت من 90 دولاراً مرة أخرى، فإن العالم يخاطر بموجة ثالثة من التضخم (بعد كورونا وحرب أوكرانيا)، وقد يؤدي هذا إلى تضخم طويل الأمد، أو ارتفاع أسعار الفائدة أو بقائها أعلى لفترة أطول مما كان متوقعاً وبالتالي تقلص فرص النمو الاقتصادي، وهذا هو آخر شيء يحتاجه الاقتصاد العالمي الآن".
"انطلاق موجة ثالثة من التضخم، قد يحدث إذا وصلت أسعار النفط إلى حوالي 95 دولاراً للبرميل وأن تبقى عند هذا المستوى لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين وتكاليف الإنتاج الصناعي ويؤدي إلى أزمة طاقة ثانية في نصف الكرة الشمالي"، وفقاً لحمودي.