التصعيد في غزة يعمق أزمة إسرائيل الاقتصادية
16:30 - 10 أكتوبر 2023خسائر باهظة تتكبدها إسرائيل بشكل يومي على جميع الأصعدة منذ اليوم الأول للتصعيد في غزة الذي بدأ السبت الماضي، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية حالة الحرب التي تؤثر بشكل مباشر على كل قطاعات الاقتصاد، في ظل وضع اقتصادي مضطرب وانقسام داخلي.
لايزال الصراع في أوجه، ولم تتضح كلفة الحرب حتى الآن، لكن رغم ذلك يظهر بشكل واضح توالي الخسائر وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي، ليستمر مسلسل الخسائر الاقتصادية بعد الأزمة التي تمر بها تل أبيب في الشهور الأخيرة على إثر التوترات الداخلية.
وفيما يلي نرصد التداعيات الأولية للحرب على الاقتصاد الإسرائيلي، والأسواق الداخلية التي عكست صورة الحرب وتأثيراتها:
- الشيكل سجل أدني مستوياته ليحاول البنك المركزي وقف النزيف ببيع العملات الأجنبية لأول مرة في تاريخه.
- هبط الشيكل إلى أدنى مستوى منذ 8 أعوام تقريبا مقابل الدولار الأميركي، الاثنين، مع تصاعد حدة الصراع، لأكثر من 3 بالمئة مقابل الدولار إلى 3.9581.
-البورصة سجلت انخفاضاً حاداً، وهبط مؤشرا بورصة تل أبيب الرئيسية (تي.إيه 125) و(تي.إيه 35) بما يصل إلى سبعة بالمئة، وانخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى ثلاثة بالمئة.
- أعلنت وزارة الطاقة الإسرائيلية، في بيان الاثنين، أن إسرائيل علقت الإنتاج مؤقتاً من حقل غاز "تمار" الذي يقع في البحر المتوسط، وستبحث عن مصادر وقود أخرى لتلبية احتياجاتها من الطاقة.
- من مظاهر الخسائر الأولية كذلك، فرار السائحين الأجانب إلى الخارج، هرباً من الضربات.
- ألغت عديد من شركات الطيران والشحن رحلاتها إلى إسرائيل، على رأسها شركة "اير فرانس".
- وفقا لصحية "هآرتس" فإن شركات الشحن ألغت هي الأخرى الرحلات البحرية إلى الموانئ الإسرائيلية.
كما توقع خبراء ومختصون خلال تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن يكون للتصعيد العسكري بين إسرائيل وحماس، خسائر اقتصادية باهظة.
خسائر غير مسبوقة
في هذا السياق، قال الكاتب الصحافي المصري، أشرف أبو الهول، في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العملية العسكرية التي نفذتها حماس أخيراً من المتوقع أن تكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على جميع الأنشطة الاقتصادية في إسرائيل، حيث تتكبد خسائر غير مسبوقة، موضحاً أن إسرائيل تعرضت لضربات موجعة جميعها ستؤدي إلى تراجع اقتصادها مستقبلًا. يدلل على ذلك من خلال بعض المعطيات التي قد تكون سببًا في تحقيق خسائر اقتصادية بالغة تستمر على المدى الطويل، ومن بينها:
- الإغلاق الكامل في بعض المستوطنات المحيطة بمنطقة غزة، ووضعها في حالة الطوارئ، لتغلق الشركات والمحال التجارية أبوابها في أوقات مبكرة من اليوم.
- تقليل وإلغاء رحلات الشركات العالمية إلى تل أبيب، والتي باتت تذهب إليها فقط لسحب رعاياها منها، ما يؤثر بالطبع على قطاع السياحة في إسرائيل، خاصة وأن السياحة حققت أخيرا أرباحاً كبيرة.
ووفقًا لوزارة السياحة الإسرائيلية، في يناير الماضي، فإن 2.67 مليون سائح دخلوا البلاد في عام 2022، مقارنة بـ 397 ألف سائح تم تسجيل دخولهم في عام 2021.
وحققت السياحة الوافدة في عام 2022، عائدات بنحو 13.5 مليار شيكل (أكثر من 3.4 مليار دولار).
- توقف العمالة الفلسطينية التي كانت تخرج من الضفة وغزة لإسرائيل وتقوم بتشغيل المصانع والمستوطنات والمزارع.
- وضع الدولة في حالة طوارئ وحشد القوات، ما يكلف الخزانة المليارات وبالتالي سيتأثر الاقتصاد بشكل كبير، حيث أن استدعاء 340 ألفًا من جنود الاحتياط في ظرف 48 ساعة يكلف الميزانية مليارات.
- إسرائيل تصمم على القيام بعملية عسكرية كبيرة للثأر مما حدث، وروجت إلى العالم فكرة أن من قتلوا وأصيبوا وخطفوا مدنيين كانوا في احتفال، وهو ما يبث الرعب لدى السياح من كل العالم بأن المدنيين في إسرائيل مستهدفين.
وأشار إلى أن إسرائيل تستطيع أن تتحمل الوضع لعدة أشهر، خاصة وأنه يتوافر لديها حجم ملائم من الاحتياطي النقدي وأسلحة مُخزنة، إضافة إلى تلقيها مُساندة أميركية.
أزمة طاحنة
أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور حامد فارس، قال في تصريحات خاصة لـ"اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن التعبئة الكبيرة للجيش الإسرائيلي واستمرار أمد الصراع إلى فترة طويلة، يؤثران بشكل مباشر على قدرة إسرائيل على التغلب على التحديات المتزايدة لاقتصادها المتدهور.
ويواجه الاقتصاد الإسرائيلي أساسا جملة من التحديات. وتتوقع وكالة موديز نموا في إسرائيل قدره 3 بالمئة في عامي 2023 و2024، لكن توقعاتها "لا تتضمن تأثيرا سلبيا جراء بقاء التوترات الاجتماعية والسياسية لفترة طويلة".
وكانت "موديز" قد خفضت في أبريل، نظرتها المستقبلية لإسرائيل من "إيجابي" إلى "مستقر"، لكنها أبقت على تصنيفها الائتماني عند A1.
وأشار فارس إلى أن حجم التعبئة يصل إلى حوالي 18 بالمئة من الشباب الإسرائيلي الذين لديهم وظائف يقومون بها، وبالتالي انتقال هؤلاء الشباب إلى الخدمة العسكرية سيؤدي إلى وقف مجالات كثيرة عن العمل والإنتاج في كل المجالات، ما سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد.
وقال إن هذه العملية تؤثر بشكل كبير على مجمل الأوضاع في إسرائيل على اعتبار أنها كانت حتى قبل هذا التصعيد الجديد تمر بأزمة اقتصادية طاحنة، ترجع إلى التأخر لوقت طويل في تمرير الموازنة العامة الإسرائيلية، بالإضافة إلى وجود الخريجين الذين يمثلون ضغطًا اقتصاديًا على إسرائيل لأنهم يعيشون دون الحصول على وظائف أو يكون لديهم دخل، وتتكفل المعاهد والدولة بالصرف عليهم، وهم يمثلون 17 بالمئة من قوام المجتمع الإسرائيلي.
وأضاف أن الحرب الحالية ستؤثر بشكل مباشر على قطاع السياحة على اعتبار أن هناك دولاً ألغت رحلاتها الجوية سواء كندا أو الولايات المتحدة الأميركية وغيرهما، خاصة وأن الفلسطينيين استهدفوا عدة مطارات من أهمها مطار بن غوريون الذي يمثل العصب الاقتصادي الجوي لإسرائيل، وبالتالي هذا الاستهداف سيجعل هناك توقف شبه تام لحركة الطيران سواء الخارجة من إسرائيل أو الداخلة إليها.
الحرب عمقت الأزمة
وأكد أستاذ الدراسات العبرية، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أحمد فؤاد أنور، لدى حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن العملية العسكرية التي أطلقتها حركة حماس عمقت من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل ليصفها بـ"لطمة" للاقتصاد الإسرائيلي الذي بات مشلولًا، مؤكدًا أن تل أبيب تواجه كثيرا من التحديات الاقتصادية، لاسيما وأن حالة الحرب أعقبت احتجاجات داخلية.
وأوضح أن الجانب الإسرائيلي يعاني أزمة اقتصادية عبرت عنها زيادة معدلات التضخم، وتكرار قرارات الزيادة في أسعار الوقود والكهرباء والسلع الأساسية، أضيف لها أخيراً تخفيضات على سعر الشيكل، وانخفاضات في أسهم البورصة، ما دفع إلى تدخل البنك المركزي بضخ 30 مليار دولار لوقف انهيار الشيكل، وتخصيصه 15 مليار أخرى كدفعة ثانية في هذا الإطار.
وأضاف أستاذ الدراسات العبرية، أن إسرائيل تكبدت أيضا خسائر كبيرة بسبب الاستخدام المتكرر للقية الحديدية من أجل صد آلاف الصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية.
وأشار إلى أت الاقتصاد الإسرائيلي تضرر أيضا بسبب الإعلان الرسمي عن الحرب، والتعويضات التي سيتم دفعها للعمال والمتضررين ماديا، إضافة إلى تكاليف إجلاء السكان من شمال إسرائيل ومحيط غزة، هذا بالإضافة إلى التأثير السلبي على الاستثمار في إسرائيل.
تقدير مبدئي
من جانبه، قدر المفكر والباحث الاقتصادي، أبوبكر الديب، أن تترك التطورات العسكرية الأخيرة آثاراً سلبية هائلة على الاقتصاد الإسرائيلي كما تهدد بهجرة سبعة آلاف شركة ناشئة من تل أبيب وتحويل أموالها والعاملين بها وحتى مقارها إلى خارج إسرائيل أو تسريح العاملين الإسرائيليين، علاوة على خسائر هائلة بقطاعات السياحة والطيران والنقل والبنية التحتية، متوقعاً أن تصل الخسائر إلى 100 مليار دولار.
وأضاف الديب، أن التصعيد الأخير في غزة سيضعف قيمة الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار الأميركي وتهوي بالأسهم والبورصة وتؤدي لتراجع التصنيف الائتماني لاقتصاد إسرائيل.
وذكر أبوبكر الديب أن الحرب تأتي في وقت يقع فيه الاقتصاد الإسرائيلي تحت تأثير تداعيات الإضرابات التي رافقت تعديلات قضائية أقرها الكنيست أخيراً، كما تأتي في ظل وضع اقتصادي يعاني عددا من الصعوبات، فالاستثمارات الأجنبية سجلت انخفاضاً كبيراً في الربع الأول من 2023 بلغ 60 بالمئة، مقارنة بالمتوسط في كل من الربعين الأولين لعامي 2020 و2022 فيما توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يتباطأ الاقتصاد الإسرائيلي إلى 2.9 بالمئة في 2023 من نسبة 3 بالمئة التي كانت متوقعة، وإلى 3.3 بالمئة في 2024 من 3.4 بالمئة سابقا.