كيف يعزز تراجع الين نمو الناتج المحلي في اليابان؟
14:23 - 29 سبتمبر 2023مع حالة "عدم اليقين" التي تفرض نفسها على المشهد الاقتصادي العالمي، يحتفظ صناع السياسات في بنك اليابان، بموقفهم إزاء إبقاء السياسة النقدية "متساهلة للغاية" أو ما يعرف بسياسة التيسير النقدي التي يخالف من خلالها بنك اليابان اتجاهات معظم البنوك المركزية التي تتبع سياسة التشديد النقدي من أجل كبح جماح معدلات الفائدة منذ العام الماضي.
ويسعى صناع السياسات النقدية في اليابان إلى دفع معدلات التضخم إلى المستوى المستهدف عند 2 بالمئة، بينما المعدلات حالياً لا تزال بعيدة نسبياً عن هذا المستوى عند 3.1 بالمئة، في مؤشر على ضغوط الأسعار الراهنة.
وسجل الاقتصاد الياباني نمواً في الربع الثاني من العام الجاري مدفوعاً بانخفاض سعر صرف الين (ذلك أن انخفاض الين ساعد المصدرين على زيادة أرباحهم لانخفاض قيمة البضائع في مقابل الأسعار العالمية).
وفي آخر اجتماعاته، أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة "منخفضة للغاية"، كما تعهد في الوقت نفسه بمواصلة دعم الاقتصاد، حتى وصول التضخم بشكل مستدام إلى الهدف الأساسي عند 2 بالمئة.
وتشير اتجاهات البنك إلى أنه "ليس في عجلة من أمره للتخلص التدريجي من برنامج التحفيز الضخم"، ومع الإبقاء على سعر الفائدة قصير الأجل عند - 0.1 بالمئة، وعائد السندات الحكومية لمدة 10 سنوات حول 0 بالمئة.
كما ترك دون تغيير نطاقًا مرجعيًا يسمح لعائد السندات لأجل 10 سنوات بالتحرك بمقدار 50 نقطة أساس صعودًا وهبوطًا حول الهدف 0 بالمئة، والحد الأقصى الثابت بنسبة 1.0 بالمئة المحدد في يوليو.
وفي أغسطس الماضي، سجل التضخم الأساسي في البلاد نسبة 3.1 بالمئة، ليظل بعيداً عن الهدف المستهدف للشهر السابع عشر على التوالي.
وتشير تقديرات بنك اليابان إلى أنه من المرجح استمرار الاقتصاد اليابان في التعافي "بصورة معتدلة نسبياً"، في وقت أظهرت فيه معدلات التضخم علامات متجددة على الارتفاع، في إشارة إلى اتساع ضغوط الأسعار في ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
من جانبه، يقول كبير استراتيجي الأسواق في BDSwiss MENA، مازن سلهب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن اليابان "لا تزال هي الاقتصاد المتقدم الوحيد في العالم الذي يبقي على أسعار فائدة سلبية دون الصفر -0.10% منذ العام 2016، وحتى قبل ذلك لم تتجاوز أسعار الفائدة مستوى الصفر منذ 2011 -2012".
ويشير في هذا السياق إلى ثلاثة عوامل رئيسية هي من تحدد مسار السياسة النقدية في اليابان، على النحو التالي:
أولاً: التضخم:
- التضخم الياباني وصل 3.1 بالمئة، وبينما أنه مازال مرتفعاً بأعلى من 2 بالمئة (وهو هدف البنك المركزي) لكنه يتراجع.
- كانت اليابان بلداً يصارع من أجل رفع التضخم الذي استقر لسنوات طويلة تحت 2 بالمئة. وكانت اليابان أول من بدأ سياسات نقدية تسهيلية منذ أكثر من عقدين وليس الفيدرالي الأميركي كما يتوقع الكثيرون.
ويعتقد بأنه " طالما أن التضخم يتراجع لن يكون بنك اليابان مستعجلاً في رفع الفائدة أو تغيير سياسته الحالية وهذا قد يبقي على الأسهم اليابانية مفضلة بين الاقتصادات المتقدمة".
ثانياً: الصادرات:
- تعتمد اليابان على الصادرات التي تشكل عصب الاقتصاد (رابع أكبر مصدّر في العالم) وليس الخدمات أو الاستهلاك الداخلي.
- بالتالي فإن بقاء الين ضعيفاً هو سياسة مفضلة لدى بنك اليابان، خاصةً في ظل المنافسة القاسية في آسيا مع الصين.
ويلفت سهلب إلى أن الين متراجع 3.3 بالمئة مقابل الدولار في عام، وفي الشهر الأخير تراجع الين -2.3بالمئة مقابل الدولار، بينما تراجع اليوان فقط -0.41بالمئة.
ثالثاً: الديموغرافيا:
- الديموغرافيا اليابانية صعبة؛ لأنها أسرع بلد في العالم يشيخ ولديها أعلى نسبة في العالم من كبار السن الذي يشكلون ثلث عدد السكان تقريباً (فوق 65 عاماً).
- هذا يشكل تحدياً كبيراً للاستهلاك الداخلي، والدين الداخلي، وبالتالي لن يكون بنك اليابان بحاجة الى رفع الفائدة وحتى لو رفعها ستعود الى الصفر مجدداً.
وأشار كبير استراتيجي الأسواق في BDSwissMENA، في هذا السياق إلى أنه مع هذه العوامل ومع تحكم بنك اليابان بمنحى عائد السندات اليابانية الحكومية التي ارتفعت ووصلت 0.77 بالمئة على سندات العشر سنوات "يمكن القول بأن الين قد يبدأ يكسب مزيداً من الزخم تدريجياً مستفيداً من توقعات تراجع النمو عموماً في العالم في 2024 ونهاية دورة رفع الفائدة الأميركية وكذلك الاستقرار في التضخم الياباني".
والتحكم في منحنى العائد هو سياسة طويلة الأجل، ترى أن البنك المركزي يستهدف سعر فائدة، ثم يشتري ويبيع السندات حسب الضرورة لتحقيق هذا الهدف. وتستهدف حالياً عائداً بنسبة 0 بالمئة على السندات الحكومية ذات العشر سنوات، بهدف تحفيز الاقتصاد الياباني، الذي كافح لسنوات عديدة مع تراجع التضخم.
لكن عموماً -وفق سهلب- لا نتوقع مكاسب قياسية أو سريعة حيث يبقى فرق العائد والفائدة لصالح الدولار الأميركي واليورو والباوند مقابل الين.
ويضيف: "باعتقادنا أن الزخم في مؤشر نيكي 225 قد يبدأ بالتراجع تدريجياً (حقق مكاسب بنسبة 20.5 بالمئة في عام كامل، و22 بالمئة في 2023) بتأثير من الارتفاع التدريجي في الين وتراجع النمو عالمياً في 2024).
وكانت البيانات المعدلة عن الربع الثاني من العام الجاري، قد أظهرت تراجع تراجع الإنفاق الرأسمالي والاستهلاك الخاص في الفترة من أبريل إلى يونيو، مما يسلط الضوء على الحالة الهشة للاقتصاد الياباني، الذي يواجه بالفعل رياحا معاكسة من ضعف النمو الاقتصادي في أميركا والصين.
ويختتم كبير استراتيجي الأسواق في BDSwissMENA حديثه بالإشارة إلى أن مستويات الإنفاق الداخلي قد تشهد تراجعاً في 2024 خاصةً إذا بدأنا نرى رفعاً للفائدة أو تغييراً التوقعات الى أكثر سلبية من العام الجاري، موضحاً أن رفع الفائدة سيجعل من أسهم القطاع المالي مستهدفة مجدداً وأسهم القطاعات الدفاعية.
وكان استطلاع للرأي أجرته "رويترز" الشهر الجاري، قد خلص إلى توقعات معظم الاقتصاديين بنهاية أسعار الفائدة السلبية في العام 2024.
المؤشرات الدولية
من جانبه، يشير استاذ الاقتصاد الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "اليابان تراهن على اتجاه الفيدرالي الأميركي لإنهاء دورة التشديد النقدي العام المقبل، من خلال تثبيت الفائدة ثم اللجوء بعد ذلك في وقت لاحق إلى خفضها، وبالتالي فإن هذا التثبيت سيكون أمراً إيجابياً بالنسبة لها بينما تصر على سياساتها التيسيرية".
ويوضح أن "الاقتصاد الياباني هو اقتصاد قوي قادر على تحمل الصدمات، وهو ما يسهل من تبعات تلك السياسات، بعكس الاقتصاد التركي على سبيل المثال واتباعه في وقت سابق سياسة خفض الفائدة (..)".
ويوضح أن التقديرات تشير إلى تحسن تدريجي بداية من العام المقبل في الاقتصاد العالمي خلال النصف الثاني، وأن تستقر معدلات التضخم، للوصول إلى تحسن بشكل كبير في العام 2025 بعد ذلك"، وجمعيها أمور ينظر إليها البنك الياباني بعين الاعتبار.
ويشدد الإدريسي على أن مشكلة اليابان ليست مرتبطة فقط بالسياسات النقدية، بل إنها تواجه ضغوطات مختلفة متعلقة بمشكلات الاستثمارات غير المباشرة وموجة التضخم، وحتى الضغوطات المرتبطة بالصادرات، وبالإشارة على سبيل المثال إلى قيام روسيا بحظر استيراد المأكولات البحرية اليابانية (على ضوء توتر سياسي بين البلدين) وفي وقت تميل فيه اليابان بصورة أو بأخرى للغرب على حساب روسيا والصين، وهي الاتجاهات السياسية التي تضفي مشكلات من جانب آخر.
- أظهرت البيانات المعدلة أن الاقتصاد الياباني نما بنسبة 4.8 بالمئة على أساس سنوي في الفترة من أبريل إلى يونيو، بانخفاض عن القراءة الأولى البالغة 6 بالمئة.
- ظلت الصادرات قوية في الفترة من أبريل إلى يونيو، حيث ساهم صافي الطلب الخارجي بنسبة 1.8 بالمئة في نمو الناتج المحلي الإجمالي، دون تغيير عن القراءة الأولية.
- كما تظهر بيانات الناتج المحلي الإجمالي المعدلة، تراجع الإنفاق الرأسمالي والاستهلاك الخاص في الفترة من أبريل إلى يونيو، مما يسلط الضوء على الحالة الهشة للاقتصاد الياباني، الذي يواجه بالفعل رياحا معاكسة من ضعف النمو الاقتصادي في أميركا والصين.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى مخاوف المستثمرين بشكل كبير تجاه الأوضاع في اليابان واستمرار المؤشرات بهذا الشكل.