هل تشهد بريطانيا انفراجة بتكاليف "الرهن العقاري"؟
20:45 - 26 سبتمبر 2023يتزايد التفاؤل في المملكة المتحدة بأن تكاليف القروض السكنية قد بلغت ذروتها، وذلك بعد أن أبقى بنك إنجلترا أخيراً على أسعار الفائدة دون تغيير في آخر اجتماعاته، وبما يفتح الباب أمام المقرضين بالبلاد إلى "جولة أخرى" من تخفيضات تكاليف الرهن العقاري.
وأوجد قرار تثبيت سعر الفائدة والتخفيضات في القطاع العقاري، صدى إيجابياً لدى مشتري المنازل المحتملين وحاملي الرهن العقاري، ذلك أن الإبقاء على الفائدة كما هي يعزز الاتجاه الذي بزغ في الشهر الثاني من النصف الثاني من العام الجاري، والمرتبط باتجاه المقرضين لخفض الأسعار.
بينما تهدد مجموعة من العوامل الأخرى هذا التفاؤل، من بينها أثر ارتفاع أسعار النفط والمستويات المحتمل أن تصل إليها الأسعار قبل نهاية العام الجاري 2023، بعد أن كسر سعر البرميل حاجز الـ 90 دولاراً أخيراً.
وذكر تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، أن تكاليف الرهن العقاري كانت في ارتفاع منذ أشهر، ولكن منذ النصف الثاني من شهر يوليو الماضي، قامت البنوك وجمعيات البناء بتخفيض أسعار الفائدة على الصفقات الجديدة. فيما يقول عديد من السماسرة إن حرب أسعار "الرهن العقاري" واسعة النطاق جارية، حيث يتدافع المقرضون لجذب العملاء.
تفاؤل
يتفق مع ذلك خبير العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند، والذي يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه من المؤكد أن الأمر يثير تفاؤلاً هنا بعد قرار عدم زيادة أسعار الفائدة. ويشدد على أنه "من المأمول أن يسهم ذلك في تعزيز التنافسية (بين المقرضين) وستنخفض أسعار الإقراض الفعلية".
وقبل أيام، فاجأ بنك إنجلترا الأسواق بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، وذلك عن مستوى 5.25 بالمئة، بعد التراجع المفاجئ في معدلات التضخم خلال أغسطس الماضي.
وتعد هذه المرة هي الأولى التي يثبت فيها البنك أسعار الفائدة منذ بدء سياسة التشديد النقدي في شهر ديسمبر من العام 2021، وبعد أن رفع البنك الفائدة 14 مرّة منذ ذلك التاريخ، لتسجل أعلى مستوياتها في 15 عاماً، بهدف كبح جماح معدلات التضخم بالبلاد.
فيما كانت توقعات أغلب المحللين أن يواصل بنك إنجلترا زيادة الفائدة في اجتماعه الأخير بمقدار 25 نقطة أساس.
أسعار الوقود
وفيما ينعكس ذلك القرار بشكل إيجابي على القطاع العقاري، ويثير حالة من التفاؤل بالأسواق، لكن جوناثان ينبه في الوقت نفسه إلى أزمة قد تلوح في الأفق -في اتجاه مختلف عن حالة التفاؤل التي تسود الأسواق حالياً والمتعاملين- والمرتبطة بتكلفة الوقود (البنزين والديزل)، ذلك أن الأسعار "آخذة في الارتفاع".
يُهدد ذلك -بحسب رولاند- بزيادة أرقام (معدلات) التضخم في المستقبل القريب في المملكة المتحدة، الأمر الذي يزيد من احتمالية حدوث زيادات أخرى في الأسعار.
وكسرت أسعار النفط حاجز الـ 90 دولاراً للبرميل، وسط تقديرات باقترابها من مستوى الـ 100 دولار قبل نهاية العام الجاري 2023.
وتُظهر الأرقام الرسمية في بريطانيا، أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في بريطانيا انخفض إلى 6.7 بالمئة في أغسطس، وهو الأدنى في 18 شهرا، وذلك مقابل 6.8 بالمئة في يوليو، فيما كانت التوقعات أن يرتفع إلى 7 بالمئة.
وفيما يترقب البريطانيون الآثار المحتملة لتلك الزيادات المتوقعة، يشير الخبير البريطاني في قطاع العقارات، خلال تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أنه "في الوقت الحالي هناك شعور بأن الأسوأ قد أصبح وراءنا" أي أن الفترة الأسوأ قد مرت بالفعل.
وأدت الزيادة الحادة في تكاليف الاقتراض منذ أواخر عام 2021 إلى انخفاض أسعار المنازل وزيادات قياسية في إيجارات الوحدات السكنية. وارتفعت الإيجارات الخاصة بنسبة 5.5 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس، وفقا لبيانات رسمية نشرت قبل أيام، وهي أكبر زيادة سنوية منذ بدء التسجيل قبل سبع سنوات.
ونقل تقرير الغارديان المشار إليه، عن نيك مينديز، من شركة الوساطة جون تشاركول، إن شركة Nationwide، التي خفضت يوم الجمعة بعض المنتجات ذات السعر الثابت بنسبة تصل إلى 0.31 نقطة مئوية كانت "الشركة الكبيرة" في هذا السياق، لكنه توقع أيضاً حركة من بنك HSBC وكوفنتري (وهؤلاء هم المقرضون الرئيسيون الذين يسعون إلى أن يكونوا قادة السوق ويعيدون تسعير المنتجات باستمرار نحو الانخفاض).
وفي الأيام الأخيرة، عُرضت القروض العقارية ذات الفائدة الثابتة بسعر أقل من 5 بالمئة للبيع لأول مرة منذ يونيو. وكانت شركات NatWest وYorkshire Building Society وVirgin Money من بين الشركات التي أطلقت صفقات مدتها خمس سنوات بفائدة 4.99 بالمئة أو ما يقرب من ذلك.
ماذا يحمل المستقبل؟
وإلى ذلك، يشير الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن بنك إنجلترا أوقف رفع الفائدة من جديد بسبب هشاشة السوق العقارية في بريطانية والارتفاعات في نسبة الفائدة بالنسبة للرهن العقاري، موضحاً أن القطاع العقاري مهم جداً بالنسبة للاقتصاد البريطاني، والارتفاعات التاريخية التي رأيناها من جانب بنك إنجلترا كان لابد بعدها من أخذ فترة راحة لقياس تأثيرها على الاقتصاد.
ويضيف: "وفي نفس الوقت نسب التضخم في بريطانيا بدأت في الانخفاض مع بداية العام (وفي ضوء قرارات رفع الفائدة) لكنها في الوقت نفسه لا تزال مرتفعة تاريخياً (..) وبالتالي فإن بنك إنجلترا لم يتوقف عن رفع الفائدة، ولكنه حصل على فترة راحة".
ويشير الرفاعي في سياق متصل، إلى "الارتفاعات الحالية في أسعار النفط"، وأثرها على معدلات التضخم، ذلك أن أسعار النفط من أكبر الدوافع لتحديد التضخم في الاقتصاد، ومع هذه الارتفاعات "سنرى العودة للضغوط التضخمية حول العالم، وقد رأينا ارتفاعاً في الولايات المتحدة في أغسطس، وكذلك في بعض البلدان الأوروبية".
وأظهرت بيانات وزارة العمل الأميركية، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، خلال أغسطس، بأكبر وتيرة في 14 شهرا، مسجلا 3.7 بالمئة على أساس سنوي، مقابل 3.2 بالمئة في يوليو.
ويستطرد الرفاعي: "تبعاً لذلك، أتوقع أن نرى ارتفاعاً لمعدلات التضخم، لكن ما إذا كنا سنرى ارتفاعات على نفس مستوى العام الماضي، فإن هذا أمر عليه علامات استفهام والصورة غير واضحة.. لكن في جميع الأحوال فإن الارتفاع نسبياً سوف يضغط على جميع البنوك المركزية وبنك إنجلترا من أجل رفع الفائدة، وهذا معناه أننا سنرى تباطؤاً في الاقتصادات حول العالم، وكذلك تأثيرات سلبية محتملة على القطاع العقاري".
الرهن العقاري
وفي السياق، نقل تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن المدير المساعد في شركة L&C Mortgages للوساطة المالية، ديفيد هولينجورث، قوله: "لقد كانت أفضل أسعار الفائدة على الرهن العقاري تتراجع ببطء، ولكن أرقام التضخم الإيجابية والاحتفاظ بالسعر الأساسي من شأنه أن يضيف زخماً إلى هذا الاتجاه". وأضاف: "يمكننا أن نرى المزيد من التخفيضات تتدفق إلى السوق بسرعة، الأمر الذي سيكون بمثابة دفعة للمقترضين، ويمنحهم الثقة بأننا الآن عند الذروة أو قريبون جدًا منها".
ووفق التقرير، يقدم المقرضون عموماً أفضل العروض للمقترضين الذين يشترون منزلًا، حيث يتنافسون على العملاء في سوق الإسكان.
وسيصل حوالي 800 ألف مقترض إلى نهاية صفقات الفائدة الثابتة في النصف الثاني من هذا العام، وفقاً للأرقام الصادرة عن هيئة التمويل البريطانية UK Finance، وتنتهي 1.6 مليون صفقة ثابتة أخرى في العام 2024، مما يزيد من المخاوف بشأن الموارد المالية للأسر وتكاليف المعيشة.