قصة سقوط آخر خطوط الدفاع عن درنة في معركة "دانيال"
10:17 - 22 سبتمبر 2023"ما حصل يُدمي القلب"، هكذا يستذكر أحد أفراد هيئة السلامة الوطنية في درنة تفاصيل يوم العاشر من سبتمبر الجاري، حينما ضربت العاصفة "دانيال" المدينة مُتسببةً في دمار واسع.
في السابعة مساء، بدأ هطول الأمطار بشكل خفيف إلى حد ما، وانطلقت دوريات هيئة السلامة تجوب الشوارع للاطمئنان على استقرار الأوضع، كما يروي عضو الهيئة، فتحي أمغيب الكريمي.
كانت الروح المعنوية مرتفعة لدى الكريمي وزملائه، الذين جابوا بسياراتهم مناطق وسط المدينة، ومروا بشوارعها الحيوية ومنها شارع مسجد الصحابة، واطمأنوا على استقرار الأوضاع.
بَدء تلقي الاستغاثات
لكن الهدوء لم يدم طويلا، فلم تمضِ سوى ساعات قليلة حتى بدأت الأمطار في الهطول بغزارة جراء تقدم الإعصار دانيال، وارتفع منسوب المياه بشكل مقلق، وأخذت الهيئة تتلقى استغاثات عديدة من أناس يناشدونهم التحرك لإنقاذهم.
بالفعل، تحرَّك الكريمي مع أفراد الهيئة الآخرين من أجل نجدة العالقين، واضطروا لاستخدام مركبات الإطفاء في عملية الإنقاذ نظرا لارتفاع منسوب المياه.
جنود الكتيبة 166
ثم تلقَّى الكريمي إشارة على جهاز اللاسكي بوجود جنود تابعين للكتيبة 166 بالجيش الليبي، عالقين في ميناء درنة، وبسرعة توجهوا إليهم ودعوهم من أجل المغادرة معهم، إلا أن الجنود تمسّكوا بالبقاء في موقعهم، وقالوا إنهم "سيعتلون سطح البناية في حال ما ارتفع منسوب المياه أكثر من ذلك".
عادت المجموعة بسيارة الإطفاء مرة أخرى إلى موقعهم، قبل أن يتلقوا بلاغا آخر للتعامل معه، وبالفعل تحركوا في الثانية بعد منتصف الليل لتلبية البلاغ.
فقدان السيطرة
إلا أن منسوب المياه وصل إلى درجة أنهم فقدوا السيطرة على سيارتهم، التي صارت مثل "الطوافة في الماء"، وكان بداخلها بالإضافة إلى الكريمي أربعة آخرين من العاملين بالهيئة.
هنا تلقّى الكريمي اتصالا من أحد أفراد الهيئة للاستفسار عن وضعهم، فأجابه بما حصل وأنهم أصبحوا في عداد "المقضي عليهم"، لأن السيل يدفع السيارة باتجاه البحر، فأخبرهم بأن يستخدموا "مانع الانزلاق" في سيارة الإطفاء لكبح حركتها، إلا أنهم كفرقة إنقاذ لم يكونوا على دراية بكيفية عمل السيارة بشكل دقيق.
"شهر الفيضانات" ينذر بالأسوأ, فهل تنجو تونس؟
تصرّف بطولي
يروي الكريمي كيف أن زميلهم أصر على التحرك لإنقاذهم، وتوجّه برفقة آخر إلى موقعهم، وشاءت الأقدار أن الإطار الخلفي لسيارة الإطفاء علق في الرصيف، الأمر الذي منع اندفاعها مع السيل نحو البحر.
وقفز زميلهم إلى داخل سيارة الإطفاء وتمكّن من إيقاف حركتها، إلا أن السيارة الأخرى التي قدم بها تعطلت وسط الشارع الذي "تحول إلى بحر".
لكن بعد جهود كبيرة، تمكّن أفراد الهيئة من إخراج السيارتين، وتوجهوا إلى المقر، ولم يعد هناك أي قدرة على تقديم مساعدات للعالقين في المدينة.
ودفعت السيول بعشرات السيارات للسقوط داخل حوض ميناء درنة، كما أن إجمالي عدد المباني المدمّرة في درنة وصل إلى نحو 900 مبنى، جلها في منطقة وسط المدينة، أما الضحايا فيُشير الناطق باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري، إلى تجاوزهم 3400 وفاة.