هل يفاجئ المركزي المصري الأسواق في اجتماعه المقبل؟
16:23 - 19 سبتمبر 2023يتجه البنك المركزي المصري، في اجتماع لجنة السياسات النقدية، الخميس المقبل، إلى الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، رغم ارتفاع معدلات التضخم، طبقاً لما تُظهره تقديرات الأسواق وكبرى البنوك الاستثمارية بشأن المخرجات المتوقعة للاجتماع السادس للجنة هذا العام، وبعد رفع الفائدة بمعدل 1100 نقطة أساس منذ بداية دورة التشديد النقدي في مارس 2022.
تأتي تلك التوقعات مدفوعة باحتمالية أن يمنح المركزي بعض الوقت لقياس أثر الزيادات الأخيرة ومردودها على الأسواق، قبل إقرار زيادات جديدة محتملة. كما تأتي في وقت قد يشهد فيه سعر العملة المحلية انخفاضاً جديداً أمام الدولار -طبقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن فيتش سوليوشنز- ومن ثم قد ينتظر المركزي خفض قيمة العملة قبل استئناف دورة رفع الفائدة.
ومنذ بداية العام الجاري 2023، وعلى مدار خمسة اجتماعات سابقة، رفع المركزي أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس، ليصل إجمالي معدل الرفع منذ العام الماضي وحتى الآن إلى 1100 نقطة (بعد إضافة 800 نقطة في 2022) وذلك ضمن جهود للحد من الضغوط التضخمية.
وفي الاجتماع الأخير، رفعت لجنة السياسة النقدية الفائدة على الإيداع والإقراض لليلة واحدة بمقدار 100 نقطة أساس إلى 19.25 بالمئة و20.25 بالمئة على التوالي.
وتوقعت شركة "إتش سي" للأوراق المالية، تثبيت لجنة السياسات النقدية أسعار الفائدة في الاجتماع المرتقب، متفقة في ذلك مع تقديرات بنوك استثمارية أخرى مثل الأهلي فاروس ونعيم الماليو زيلا كابيتال.
توقعات صعبة
يقول رئيس قسم البحوث بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، عمرو الألفي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "التوقعات صعبة في هذا السياق.. لكن معظم السوق يتوقع الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير".
لكن على الرغم من ذلك، يعتقد الألفي بأنه "باعتبار أن التضخم ما زال في ارتفاع، يُمكن أن يكون هناك احتمال -ولو ضعيف- برفع الفائدة 1 بالمئة في هذا الاجتماع".
وشدد الألفي على أنه "إن سار المركزي على نفس النهج المتبع المرتبط بالسياسة النقدية التقليدية، فيما يخص أدوات تحديد سعر الفائدة، فإنه يُمكن أن يرفع الفائدة بهذه النسبة، لا سيما مع استمرار معدلات التضخم، خاصة فيما يتعلق بأسعار الغذاء".
ويوضح أن المركزي المصري ينظر إلى معدلات التضخم المتوقعة وليست السائدة فقط، في وقت ترتفع فيه المعدلات السائدة من وقت لآخر (..) كما ينظر المركزي لسعر الدولار الأميركي في السوق المصرية، وكذلك المؤشرات المرتبطة بارتفاع الأسعار بصورة أكبر في الفترة المقبلة، خصوصاً أنه من الوارد رفع أسعار الوقود، بعد تجاوز النفط الـ 90 دولاراً للبرميل، فضلاً عن اتجاه الحكومة لزيادة أسعار الكهرباء العام المقبل، وبالتالي يعكس ذلك استمرار ارتفاع معدلات التضخم.
- في أغسطس الماضي، قفز معدل التضخم السنوي بأعلى من المتوقع، إلى مستوى غير مسبوق بلغ 37.4 بالمئة، مقابل 36.5 بالمئة في يوليو.
- جاء ذلك مدفوعاً بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمئة على أساس سنوي، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
- ارتفعت الأسعار 1.6 بالمئة في أغسطس على أساس شهري، انخفاضاً من 1.9 بالمئة في يوليو و2.08 بالمئة في يونيو، وفق بيانات الجهاز.
- أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن أسعار الطعام والمشروبات، ارتفعت على أساس سنوي، بنسبة 71.9 بالمئة، مع زيادة أسعار اللحوم والدواجن 97 بالمئة، والخضروات 98.4 بالمئة والأسماك والمأكولات البحرية 86 بالمئة. كما ارتفعت أسعار الدخان 57.6 بالمئة.
- طبقاً للبنك المركزي، فإن التضخم الأساسي، الذي يستثني سلعاً أسعارها متقلبة مثل الغذاء والوقود، تراجع قليلا إلى 40.4 بالمئة من 40.7 بالمئة في يوليو و41 بالمئة في يونيو.
أزمة العملة
تتفق الخبيرة المصرفية، الدكتورة سهر الدماطي، مع توقعات الأسواق بشأن اتجاه المركزي لتثبيت سعر الفائدة، وتشير في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تأثير "نقص العملة الأجنبية" في ارتفاع معدلات التضخم.
وتضيف: "معدلات التضخم ترتفع في وقت تتحرك فيه السوق الموازية للدولار، وبالتالي فإن المنتجين يُسعرون (المنتجات والخدمات) على أساس السعر بالسوق الموازية، بينما تعاني الأسواق من نقص من العملة.. وتبعاً لذلك فإن زيادة الفائدة لن تأت بثمارها في ظل ذلك الوضع في ظل مشكلة وفرة العملة، مع غياب الدورة الاقتصادية الطبيعية التي يمكن خلالها استخدام سعر الفائدة للتأثير على القوى الشرائية".
وتلفت في الوقت نفسه إلى تقديرات المركزي المصري حول وصول معدلات التضخم إلى ذروتها بنهاية العام الجاري 2023، وبالتالي "فمن الأفضل أن ينتظر -قبل اتخاذ قرار بالزيادة- حتى الوصول للذروة"، مشيرة في الوقت نفسه إلى القفزة التي سجلتها أسعار النفط في الأسواق العالمية، مع اختراق حاجز الـ 90 دولاراً للبرميل، فضلاً عن ارتفاع أسعار الحبوب، وبالتالي "هو تضخم مستورد تعاني منه الأسواق المصرية".
وكانت وكالة "فيتش سوليوشنز"، قد توقعت، قبيل أيام، تراجع سعر صرف الجنيه المصري بنحو 18.6 بالمئة مقابل الدولار الأميركي بنهاية العام الجاري 2023 (ليقترب بذلك السعر الرسمي بالبنوك من الأسعار في السوق الموازية). وترى الوكالة أن العملة المصرية مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية بنسبة 12 بالمئة.
واتبعت مصر سعر صرف مرن منذ مارس 2022، لتتراجع العملة المحلية مقابل الدولار بنحو 96 بالمئة خلال عام (قفز الدولار من 15.7 جنيه، إلى قرابة الـ 31 جنيهاً حالياً).
وتتبنى الحكومة المصرية عدة إجراءات للتغلب على أزمة نقص العملة، من بينها "برنامج الطروحات" المتعلق ببيع أصول الدولة. وفي شهر يوليو 2023، أعلنت الحكومة عن بيع أصول بقيمة 1.9 مليار دولار من حصص مملوكة للدولة في بعض الشركات، ضمن ذلك البرنامج.
كما أعلنت أخيراً عن بيع 30 بالمئة من أسهم الشركة الشرقية للدخان بقيمة 625 مليون دولار.
توقعات صعبة
من جانبه، يشير الخبير المصرفي، الدكتور رمزي الجرم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه من المتوقع أن يتبنى المركزي المصري في اجتماعه السادس هذا العام، نهاية الأسبوع الجاري، تثبيت أسعار الفائدة، وذلك بعد أن رفع سعر الفائدة بنحو 100 نقطة أساس (1 بالمئة) إلى 19.25 بالمئة خلال أغسطس الماضي.
ويرجع ذلك إلى عددٍ من العوامل، من بينها تأجيل المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولي لبرنامج مصر للإصلاح الاقتصادي إلى الربع الأول من العام المقبل 2024 طبقاً للأنباء المتداولة.
وكانت تقارير إعلامية قد نقلت عن وكيل لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب ياسر عمر، قوله إنه تم إرجاء المراجعة للمرة الثانية. لكن تقاير أخرى نقلت نفياً صادراً عنه، أكد خلاله أن هذا الأمر مرتبط بالحكومة المصرية وصندوق النقد.
ويوضح الجرم أن المركزي ينظر إلى الآثار المترتبة أيضاً على ارتفاع الأسعار الفائدة، لا سيما وأن ارتفاع الفائدة يعني زيادة كلفة الائتمان، وبالتالي تتضائل قدرة المؤسسات على لطب الائتمان، وبما ينعكس على الأعمال، ومن ثم زيادة التكاليف والأسعار تبعاً لذلك. لكنه لا يستبعد إمكانية سيناريو رفع الفائدة بمقدار 1 بالمئة، لكنه يظل سيناريو بعيد في تقديره، بينما الأقرب هو التثبيت.