"الممر الاقتصادي".. كيف سيغير شكل التجارة العالمية؟
14:02 - 11 سبتمبر 2023يتيح مشروع الممر الاقتصادي، الذي أعلنه قادة عالميون، السبت، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، والهادف للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، عديداً من الفرص الواعدة للدول المشاركة، عبر خلق طريق تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وبما يعزز مرونة سلاسل التوريد، الأمر الذي ينعكس بدوره على عديد من دول العالم، بخلاف الدول التي يشملها الممر.
الاتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه "سوف يغير قواعد اللعبة"، يضم عدة دول، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين، وكابلات نقل البيانات.
تم التوقيع على الاتفاق المبدئي الخاص بالمشروع، السبت، في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفقا لبيان نشره البيت الأبيض. ويُعد الممر المرتقب دفعة جديدة على طريق التنمية العالمية.
- يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع.
- كما يهدف الممر الجديد إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.
- المشروع يهدف أيضاً، إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية، فإن المشروع يتألف من ممرين منفصلين هما " الممر الشرقي " الذي يربط الهند مع الخليج العربي و"الممر الشمالي" الذي يربط الخليج بأوروبا، مضيفة أن الممرات تشمل سكة حديد ستشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.
فيما ذكرت تقارير صحافية غربية، أن المشروع الجديد -المدعوم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي وصفه بالاتفاق التاريخي- يمثل بالنسبة لواشنطن مواجهة لنفوذ بكين المتصاعد في المنطقة، في ضوء المساعي الغربية في تقليل الاعتماد على الإمدادات من بكين.
ومن شأن الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط IMEC أن يعزز المنافسة ويتيح فرصاً وطرقاً أوسع، وبما يعزز من ديناميكية الاقتصاد العالمي.
أهمية الممر الاقتصادي
من الولايات المتحدة الأميركية، يقول الاستاذ بجامعتي كاليفورنيا وبافالو، نالان سواريش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- إن الممر الاقتصادي الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) سيربط بين دول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا. وسيكون له مساران: الممر الشرقي (الهند – الخليج العربي) والممر الشمالي (الخليج العربي – أوروبا).
- ستكون هنالك شبكة عبور وطرق الشحن منوعة ما بين السفن والسكك الحديدية، علاوة على شبكات الطرق الموجودة بالفعل. ولكن سيكون هناك توسع كبير في القدرات، ويتم التخطيط لتطبيقات التكنولوجيا الرقمية الحديثة في جميع القطاعات الحالية.
- نأمل أن توفر IMEC طريقاً تجارية موثوقة وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وتزود العالم بطريق تجاري منافس آخر وممر اقتصادي يضيف إلى شبكة مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي تصورها الصينيون.
- من المفترض أن تساعد إضافة طريق التجارة IMEC في سلاسل التوريد الأكثر مرونة والتي سوف تفيد عديداً من الدول على مستوى العالم (بما في ذلك تلك التي هي خارج الهند وأوروبا).
وسوف يعوض ذلك الاعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة التي تسيطر عليها الصين. وفي وقت سابق من هذا العام.
ويلفت الأستاذ الجامعي المتخصص في إدارة العمليات والاستراتيجيات، إلى مساعي أوروبا إلى تقليل الاعتماد على الإمدادات الصينية، قائلاً: "لقد تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية، السيدة أورسولا فون دير لاين، عن إزالة المخاطر التي تواجه أوروبا من الاعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة.. والآن تعيد إيطاليا النظر في أفكارها بشأن مبادرة الحزام والطريق، بعد أن شهدت علاقة تجارية غير متكافئة مع الصين. وبالمثل، بالنسبة لعديد من البلدان الأخرى".
وتبعاً لذلك، فإن "هذا الممر الاقتصادي الجديد والطريق التجارية من شأنه أن يوفر مزيداً من المرونة في سلاسل التوريد الخاصة بها".
سيقوم الممر أيضاً بإدخال المنافسة مع مبادرة الحزام والطريق في القطاعات المتأثرة. لكن في هذه المرحلة، وفق سواريش، الذي يقول إن الصينيين يتمتعون بميزة كبيرة في قدرات البنية التحتية، ولا تزال لديهم ميزة امتلاك عديد من مصادر توريد التصنيع، والوصول إلى المواد الخام والمعادن النادرة، وما إلى ذلك.
لذا، على المدى القصير (حتى 4 أو 5 سنوات) ليس لديهم الكثير مما يدعو للقلق من IMEC وبدلاً من ذلك، فإنهم يواجهون مشاكل ملحة أخرى الآن فيما يتعلق باقتصادهم.
مبادرة واعدة تحظى بدعم أميركي
ويضيف: "يبدو أن مبادرة IMEC واعدة للغاية؛ لأنها تحظى بمباركة والتزامات الولايات المتحدة، وهي (واشنطن) حريصة على تقليل الاعتماد على الصين".
كما يتوافق IMEC بشكل جيد مع أهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فقد صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأنه يطمح إلى تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وبالتالي فإن IMEC سوف تتمتع بدعم قوي من السعودية والإمارات، بما لهما من ثقل في منطقة الشرق الأوسط.
على نحو مماثل، تطمح الهند إلى التحول إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل الهند، في الحصول على حصة من الإنتاج العالمي من السلع. فيما سيتعين عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي لديها الآن موانئ ذات مستوى عالمي، مثل موانئ موندرا وJNPT على ساحلها الغربي، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع.
وكان رئيس وزراء الهند المضيفة لقمة العشرين التي انعقدت الأسبوع الماضي، ناريندرا مودي، قد علق على المشروع قائلاً: "اليوم، بينما نشرع في مبادرة الربط الكبيرة هذه، فإننا نضع بذوراً تجعل أحلام الأجيال المقبلة أكبر".
ويشير الأكاديمي المتخصص في الاستراتيجيات والتخطيط، في ختام حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن العلاقة الشخصية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ومسؤولي الاتحاد الأوروبي مثل السيدة أورسولا فون دير لاين أصبحت قوية جداً الآن، كما كانت في السابق. يعكس ذلك الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين في نيودلهي.
ويعتقد بأن مشروع IMEC سيؤدي أيضاً إلى نشاط شحن تجاري أكثر حيوية في بحر العرب في السنوات المقبلة، كما ستستفيد الدول الأفريقية أيضاً من هذه المبادرة.
لذلك، بشكل عام، ليس لدى مبادرة الحزام والطريق الصينية الكثير مما يدعو للقلق على المدى القريب، ولكن إذا انطلقت IMEC، وبعد ذلك، فإنها ستحقق بالتأكيد تأثيراً كبيراً على التصنيع في الصين، والوصول إلى المواد الخام وطرق التجارة الخاصة بمبادرة الحزام والطريق.
منافسة الصين
ومن شأن الممر أن يعزز المنافسة في الاقتصاد العالمي بين ممرات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيداً من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن "المشروع الذي تم الاتفاق عليه على هامش مجموعة العشرين من شأنه أن يواجه النفوذ الصيني المتزايد في الدول العربية".
وتجرى المحادثات حول مثل هذا المشروع، الذي سيشمل أيضاً كابلاً بحرياً جديداً وبنية تحتية لنقل الطاقة، خلف الكواليس بين الدول المعنية منذ أشهر، لكنها ستستمر الآن على أساس أكثر رسمية. ولم يتم تقديم أي التزامات مالية ملزمة، لكن الأطراف اتفقت على التوصل إلى "خطة عمل" خلال الستين يوماً المقبلة.
- قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الممر سيوفر "فرصاً لا نهاية لها" للدول المعنية، "مما يجعل التجارة وتصدير الطاقة النظيفة أسهل بكثير"، و"مد الكابلات التي تربط المجتمعات". وقال إن ذلك "سيسهم في جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارا وازدهارا".
- وقال البيت الأبيض في وثيقة نشرتها إدارة بايدن بشأن إعلان "الممر" الكبير بين الهند وأوروبا: "نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا".
- كما علقت رئيسة المفوضية الأوروبية :"هذه خطوة تاريخية.. سيكون هذا الرابط الأكثر مباشرة حتى الآن بين الهند والخليج العربي وأوروبا.. إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات (..) خط السكك الحديدية سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 بالمئة".
- قال جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، للصحفيين في وقت سابق، إن تطوير الممر يتماشى مع مساعي إدارة بايدن "لخفض درجة الحرارة" و"تهدئة الصراعات" في المنطقة، مع زيادة "الاتصال".
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإنه "بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن يكون المشروع بمثابة مواجهة لنفوذ بكين المتزايد في المنطقة، في وقت يعمل فيه شركاء واشنطن العرب التقليديون على تعميق العلاقات مع الصين والهند والقوى الآسيوية الأخرى".
يتفق مع ذلك، الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي، والذي يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الولايات المتحدة دأبت على العمل لمحاصرة الصين اقتصادياً من خلال وضع العراقيل أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية بشتى الطرق، مشيراً إلى أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، كانت قد طرحت من ذي قبل مبادرة طريق منافس لمبادرة الحزام والطريق.
كما يمكن أن يدعم الممر المخطط له عبر الأردن وإسرائيل أيضاً جهود إدارة بايدن للبناء على التطبيع الأخير للعلاقات بين إسرائيل وعديد من الدول العربية، طبقاً لمصدر مطلع على المناقشات.
وخصص الاتحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع البوابة العالمية، الذي تم إطلاقه جزئياً لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية في الشركاء التجاريين الرئيسيين.
وتسعى كل من المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات العربية المتحدة، المركز المالي المهيمن في الشرق الأوسط، إلى إبراز نفسيهما كمراكز لوجستية وتجارية رئيسية بين الشرق والغرب.
كيف ينظر صندوق النقد الدولي لـ "الممر الاقتصادي"؟
ومن جانبها، ذكرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أنه "لا ينبغي للممر الاقتصادي أن يكون إقصائياً، بل ينبغي أن ينخرط في روح الاقتصاد العالمي المتكامل".
ونقلت شبكة CNBC عن غورغييفا، قولها: "إذا أردنا أن تكون التجارة محركاً للنمو، فعلينا أن نخلق ممرات وفرصاً (..) المهم هو أن نفعل ذلك لصالح الجميع، وليس لإقصاء الآخرين.. وبهذا المعنى، أود أن أشجع جميع البلدان التي تعمل بشكل تعاوني مع بعضها البعض على القيام بذلك بروح الاقتصاد المتكامل".
وبحسب التقرير، فإن هذه الصفقة (خطة تطوير شبكة من السكك الحديدية والطرق البحرية التي ستربط الهند والاتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط) لا تؤكد على الشراكة المزدهرة بين الهند والولايات المتحدة فحسب، بل تؤكد أيضاً على إلحاحهما وتصميمهما على إقناع العالم بأنهما يمثلان اقتراحاً استراتيجياً أكثر قابلية للتطبيق في تسهيل الاحتياجات التنموية للجنوب العالمي".
ومن شأن هذا الممر الاقتصادي المدعوم من بايدن أن يضيف إلى الاستثمار الحالي في البنية التحتية للمناطق المعنية. وسوف تجتمع البلدان المعنية في غضون الشهرين المقبلين لوضع خطة عمل ذات جداول زمنية ذات صلة والالتزام بها، وهي جميعها غير متوفرة في هذه المرحلة.