المد الصيني.. هل تخسر أوروبا مجدها في صناعة السيارات؟
12:27 - 06 سبتمبر 2023بعد هيمنة أوروبا لعقود عديدة على صناعة السيارات بفضل قدرتها الكبيرة والتنافسية في بناء محركات الاحتراق، تأتي التقنيات الرقمية لتغير مستقبل صناعة السيارات كلياً، باعتمادها على المحركات الكهربائية، ما عرضّ القارة العجوز لمنافسة شركات صناعة السيارات الصينية.
لكن يبقى السؤال الأهم، والذي بات يتردد في أسواق العالم هل أصبحت صناعة السيارات الأوروبية في خطر؟، أو بمعنى أدق هل تستطيع أوروبا اللحاق بالصين في مجال رقمنة السيارات أم أن "البطاريات" ستفقد أوروبا أمجادها في هذه الصناعة لصالح التنين الصيني؟
جانب من الإجابة على هذا التساؤل جاء من أكبر شركات تصنيع السيارات في أوروبا والتي أبدى رؤساؤها التنفيذيون في تصريحات صحفية أخيراً قلقاً عميقاً من التهديد التنافسي الذي تشكله الشركات الصينية الجديدة، مع تحرك صناعة السيارات نحو الكهرباء.
التهديد القادم من الشرق
وفيما يؤكد الرئيس التنفيذي لشركة "فاليو" لصناعة قطع غيار السيارات كريستوف بيريلات، أن "شركات صناعة السيارات الصينية تزدهر في ظل ثورة السيارات الكهربائية، وأن الميزة التنافسية التي تتمتع بها أوروبا أصبحت في خطر، مع نمو الطلب على السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات"، يعترف الرئيس التنفيذي لشركة "فولكس فاغن" أوليفر بلوم، بـ "التحدي القادم من الشرق"، في حين يقول الرئيس التنفيذي لشركة "رينو" لوكا دي ميو، "نحن مستعدون للمشاركة في القتال مع المنافسين الصينيين".
ويشير الرؤساء التنفيذيون في تصريحاتهم بأنه مع نمو الطلب على السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات، وتمكين الشركات الصينية المستفيدة من إعانات الدعم الحكومية من إنتاج خلايا البطاريات بتكلفة أقل، أصبحت الميزة التنافسية لمحركات الاحتراق أقل أهمية، مؤكدين أنهم يتجهون إلى تنمية أساطيلهم من العروض الكهربائية والهجينة دون ذات الدعم الذي تتلقاه الشركات الصينية من الإعانات الحكومية.
الصين تتصدر المشهد العالمي في صناعة السيارات الكهربائية
وبحسب تقرير أبحاث السوق الصادر عن شركة الأبحاث "كاناليس"، فإن الصين حرصت منذ أن أدركت وجود فرصة في بناء السيارات الكهربائية قبل 15 عاما من اليوم، على الاستثمار في جل مواردها للتصنيع وللتميز بالمنافسة في هذا القطاع، وكنتيجة لهذا الاستثمار، يشير التقرير إلى أن الصين قد باتت متصدرة المشهد العالمي ومتفوقة على إنتاج كل من الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين.. وليس ذلك وحسب، بل تعدى ذلك إلى قرب تصدرها المنافسة في كل ما يتعلق بهذه الصناعة أيضا من بطاريات، وقطع غيار، وتكنولوجيا، وغيرها.
مأزق أوروبا
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" يقول الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية هاشم عقل: "تواجه صناعة السيارات في أوروبا مأزقاً حقيقياً نتيجة الضربات المتلاحقة التي تشنها الصين على هذا القطاع عبر زيادة وتيرة التطوير والتصنيع والتصدير واقتحام الأسواق العالمية بقوة، إذ من المتوقع أن تكسر الصين حاجز الـ 1.3 مليون سيارة كهربائية في عام 2023 في مقابل 679,000 سيارة تم تصديرها في عام 2022، وذلك وفقا لتقرير من اتحاد مصنعي السيارات الصينية CAAM".
ويضيف عقل: "إن أوروبا غير قادرة على مجاراة الصين حالياً بموضوع رقمنة السيارات، فهي تحتكر صناعة البطاريات ولديها المواد الأولية لهذه الصناعة فضلاً عن أن تكلفة السيارات الكهربائية الأوروبية مرتفعة مقابل الصينية، كما التكنولوجيا المستعملة في السيارات الصينية متوفقة على الأوروبية، حتى أن شركة تسلا الأميركية نجحت بسبب تواجدها في الصين إذ أن نصف إنتاج تسلا يأتي من الصين، يضاف إلى ذلك كله أن السوق الصيني يعد أكبر أسواق السيارات في العالم".
الدعم الحكومي الصيني يضعف منافسة الشركات الأوروبية
ويرجع عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية تفوق الصين بهذا القطاع إلى الدعم الحكومي الهائل لصناعة السيارات الكهربائية، في حين أن هذا الدعم غير متوفر من قبل الحكومات الأوروبية، مضيفاً أن "الشركات صناعة السيارات الأوروبية تحتاج إلى أموال ضخمة وهي تنتظر بيع السيارات التقليدية لاستثمار هذا المال في هذه الصناعة، لكن المشكلة أن الاتحاد الأوروبي وأكبر اقتصاداته (ألمانيا) تعاني من شبح الركود والتضخم ما يعيق الاستثمار بشكل أوسع في السيارات الكهربائية، وها يعني أن الصين تصنع وتصدر بغياب المنافسة الأوروبية وحتى الأميركية.
ويوضح عقل بلغة الأرقام أن:
- حصة الشركات المصنعة الصينية في سوق السيارات الكهربائية في أوروبا قد ترتفع إلى 15 بالمئة في عام 2025 من حوالي 5 بالمئة حالياً.
- 80 بالمئة من السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في الصين يتم إنتاجها محلياً.
- في الربع الأول من عام 2023، حلت الصين محل اليابان كبطل عالمي في صادرات السيارات - في عام 2020 كانت الصين لا تزال في المركز السادس في هذا الترتيب. ومكانة الصين آخذة في الارتفاع كسوق مبيعات ومصدر وموقع إنتاج.
- يوجد في الصين 85 بالمئة من مصانع البطاريات الكهربائية في العالم.
- هناك 7 شركات صينية ضمن أكبر 10 شركات لتصنيع البطاريات في العالم.
- ارتفاع حجم إنتاج السيارات الكهربائية في الصين إلى 3.79 مليون وحدة تقريباً خلال الـ6 أشهر الأولى من العام الجاري، بنسبة نمو 42.4 بالمئة على أساس سنوي، في حين صدرت الصين ما يقارب 534 ألف وحدة من السيارات الكهربائية خلال النصف الأول، بزيادة 160 بالمئة على أساس سنوي، حسب بيانات صادرة عن الجمعية الصينية لصانعي السيارات.
ولذلك نرى الهيمنة الصينية سواء في تصنيع البطاريات والسيارات الكهربائية فضلاً عن تصنيفها كأكبر مصدر للسيارات في العالم، بحسب عقل.
تحديات متزايدة في أوروبا
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي حسين القمزي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تشهد صناعة السيارات في أوروبا تحولات، ليس فقط بسبب الصين فحسب، فصناعة السيارات الأوروبية تواجه تحديات محلية متزايدة بسبب التشريعات البيئية التي تفرض ضغوطاً متزايدة للتحول إلى تقنيات أكثر نظافة، في هذا الإطار، يعمل الاتحاد الأوروبي على فرض معايير أكثر صرامة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون".
هذا التحدي يجبر الشركات المصنعة على تطوير تقنيات جديدة واستثمارات ضخمة لتلبية المتطلبات، ما يطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل محركات السيارات وقدرة أوروبا على مجاراة الصين في هذا المجال، هل تواجه محركات السيارات الأوروبية خطراً حقيقيًا؟ وهل تستطيع أوروبا تعزيز مكانتها في صناعة السيارات؟ وما دور التقنيات الرقمية في هذا السياق؟، طبقاً لما قاله القمزي الذي أكد أنه في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا تحدياتها، تظهر الصين كمنافس قوي، مع انتشار شركات صينية تصنع سيارات كهربائية، وتسعى لتوسيع وجودها في السوق الأوروبية ن خلال تقنياتها وأسعارها التنافسية.
ويشرح القمزي أن التقنيات الرقمية، التي تلعب دوراً مهماً في مستقبل صناعة السيارات، تسهم في تحسين تجربة القيادة وزيادة السلامة إذ تعد الصين متقدمة وفي هذا السياق بفضل اعتمادها على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والاستثمار الضخم.
فرص متاحة هل تستغلها أوروبا؟
ويستطرد الخبير الاقتصادي القمزي قائلاً: "لم تكن الصين ناجحة في ضبط محرك الاختراق ولم تستطع مجاراة المحرك الأوروبي، ولكن السيارات الكهربائية الأسهل صنعاً أعطتها دفعة قوية، في حين تبقى مشكلة الصين في الابتكار والتجديد بسبب مركزية الاقتصاد والقرار".
ويرى أن "الفرص ما زالت قائمة أمام أوروبا إذ يمكن للتجديد والابتكار والاستثمار في التقنيات الرقمية مدعومة بحرية السوق الكاملة أن تساعد القارة العجوز على اللحاق بالصين وتحقيق نجاح جديد في صناعة السيارات".