أي مستقبل ينتظر تكتل "بريكس" بعد التوسع؟
12:23 - 27 أغسطس 2023نجحت مجموعة "بريكس" في أن تخلق حالة من الزخم الإيجابي على الصعيد الدولي، وبما يشكل نواة حقيقية لإحداث التوازن بالمشهد الاقتصادي العالمي وبما يعيد رسم خرائط القوى المُهمينة، لا سيما مع توسع المجموعة والإعلان، يوم الخميس الماضي، عن دعوة ست دول للانضمام إلى التكتل المنافس لمجموعة السبع والهادف إلى مواجهة هيمنة الدولار على المعاملات الدولية.
يفتح توسع المجموعة بإضافة ست دول (مصر والسعودية والإمارات وإيران وأثيوبيا والأرجنتين) الباب واسعاً أمام مجموعة من المتغيرات التي تعزز بدورها مكانة وتأثير التكتل على نحو واسع، وبما ينعكس على المشهد الاقتصادي العالمي برمته، في وقت يعول فيه على "بريكس" في إحداث تغيرات ملموسة وعملية على أرض الواقع فيما يخص إحداث ذلك التوازن المنشود وتنويع الشراكات والعلاقات الاقتصادية.
تتيح المجموعة الموسعة مزيداً من الفرص في هذا السياق، بينما تقدم رؤى مختلفة وأدوات جديدة لكتابة "فصل جديد للاقتصادات النامية من أجل التنمية المشتركة"، طبقاً لما ذكره الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في كلمته الخميس خلال ختام أعمال قمة المجموعة. تشير تلك الفرصة إلى الآفاق المستقبلية الإيجابية التي تنتظر المجموعة، ومع الخطط الرامية إلى تطوير التبادل بالعملات المحلية، وإطلاق عملة مشتركة.
وبموازاة تلك الفرص، فإن ثمة مجموعة من التحديات أيضاً تفرض نفسها على التكتل، سواء تلك الداخلية المتعلقة بمدى التوافق بين الدول الأعضاء داخل المجموعة وطبيعة تعاملهم من الملفات والقضايا الرئيسية، وحتى العلاقات الثنائية بين الدول المختلفة داخلها، وكذلك التحديات الخارجية المرتبطة بالتطورات التي يشهدها العالم وجملة المتغيرات الواسعة الحالية أو القادمة.
توسع المجموعة
يقول المستشار والخبير الاقتصادي كمال أمين الوصال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": أعتقد بأن الكثير من الدول سوف تسعى للانضمام إلى مجموعة بريكس لكثير من الأسباب الاقتصادية والسياسية؛ أبرزها العمل على الفكاك من الهيمنة الأميركية التي تستخدم الآليات الاقتصادية لتحقيق مصالحها السياسية، وهو أمر طبيعى ولكن هناك الكثير من الدول التى ترى أن الولايات المتحدة والدول الغربية تفعل ذلك دون الأخذ فى الاعتبار مصالح الدول "الحليفة".
ويشير إلى أنه لا شك أيضاً أن انضمام المزيد من الدول سوف يعزز قوة هذه المجموعة التي بدأت قوية، وهذا ما يميزها عن كثير من التجمعات الدولية والإقليمية التي لم تحقق نجاحاً ملموساً.
ويضيف: "نحن نتحدث عن ثانى قوة عسكرية في العالم، وهي روسيا، علاوة على أنها قوة اقتصادية لا يستهان بمواردها.. ونتحدث عن العملاق الاقتصادي في القرن الـ 21 الصين بالثقل الاقتصادي والعسكري والبشري، ومعهما الهند.. وبالتالي ثلاث دول تتمتع بثقل اقتصادي وسياسي وعسكري دولي تسعى جميعها للقيام بدور أكبر على الساحة الدولية ويبدو جلياً أنهم يعلمون -بل وتستفيدون- من الأخطاء الأميركية من خلال القيام بشراكات مختلفة عما تقوم به الولايات المتحدة.
ولكل هذه المعطيات وفى ضوء التجاذب السياسي العسكري أحياناً بين هذه القوى الاقتصادية العملاقة وبين أميركا والدول الغربية، فإن هيمنة الدولار سوف تتراجع بمرور الوقت وتنتهى فى نهاية المطاف، ولكن هذا سيستغرق بعض الوقت؛ لأن هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي تغذيها عوامل سياسية وعسكرية بأكثر ما هي اقتصادية، وعلاقات متجذرة بين الولايات المتحدة وكثير من دول العالم ليس من السهل أن تتبدل بين عشية وضحاها، بحسب الوصال.
ويختتم المحلل الاقتصادي حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بقوله: "المسألة الأخرى المهمة هي قدرة مجموعة بريكس على المضي قدماً نحو علاقات اقتصادية بين دول المجموعة أكثر تنظيماً وأكثر عدالة وأكثر رسوخاً".
وبعد أن كان حجم اقتصاد مجموعة "بريكس" حوالي 26 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 25.6 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي في 2022، سيصبح بعد انضمام الدول الست الجديدة حوالي 29 تريليون دولار، بما يمثل حوالي 29 بالمئة من حجم الاقتصاد العالمي.
ومع ارتفاع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة سيصبح عدد سكان دول المجموعة أكثر من ثلاثة مليارات و670 مليون نسمة أي مايقارب نصف سكان العالم، فيما كانت هذه النسبة عند نحو 40 بالمئة قبل انضمام هذه الدول.
العملات المحلية
وإلى ذلك، يشير المحلل المالي والاقتصادي، وضاح الطه، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه بانضمام كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى تكتل "بريكس" فإنه بذلك تتوافر قوى نفطية في هذه المجموعة لديها طاقة إنتاجية عالية، بالنظر إلى حجم الإنتاج اليومي في حدود الـ 10 ملايين برميل من النفط لكل من روسيا والسعودية، وحوالي ثلاثة ملايين برميل بالنسبة للإمارات، وفي وجود الصين ضمن التكتل وباعتبارها أكبر مستورد على مستوى العالم.
ويلفت إلى الفرص المرتبطة بالتبادل بالعملات المحلية في هذا السياق، مشيراً إلى الثقة التي يحظى بها الريال السعودي والدرهم الإماراتي باعتبارهما من العملات المستقرة واقتصاد البلدين هو اقتصاد مستقر، وبالتالي ستكونا أيضاً ضمن العملات المرتبطة بالتجارة البينية بين الدول.
تعزز ذلك اتفاقات التعاون بالعملات المحلية الموقعة -قبل انضمام البلدين إلى بريكس- ومن بينها الاتفاق بين الإمارات والهند على سبيل المثال. ويعتقد الطه بأن "زيادة التبادل التجاري هو هدف أساسي ومع استخدام العملات المحلية وتقليص تكاليف التحويل إلى عملات أخرى، الأمر الذي يعزز علاقات التعاون الثنائي بين أعضاء المجموعة".
لكن في نفس الوقت لا يخلو المشهد من مجموعة من التحديات فيما يخص "بريكس"، والتي يشرحها الطه في معرض تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بداية من التحديات المرتبطة بالاتفاق على صيغ اقتصادية جماعية مستقبلية، فضلاً عن بعض الأفكار (والملفات) التي قد لا تلتقي بين الصين والهند على سبيل المثال، علاوة على صعوبة التوصل إلى عملة موحدة تنافس الدولار في المستقبل القريب أو البعيد.
ويعتقد بأنه "من المبكر أن يتم الاتفاق على عملة موحدة، لكن الطموح حالياً يتعلق بالتبادلات بالعملات المحلية، وبما يقلل من الاعتماد على الدولار وتكاليف المعاملات، ويخلق حالة من الحرية في التبادلات التجارية دون الاعتماد على العملة الأميركية (..)".
ووصلت نسبة مساهمة مجموعة "بريكس" إلى 31.5 بالمئة في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 بالمئة للقوى السبع الصناعية. وتسعى المجموعة إلى أن ينعكس ذلك التفوق عملياً من خلال توسعة نشاطاتها الاقتصادية الرامية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي.
وبلغ حجم اقتصادات دول بريكس حتى نهاية العام 2022، وقبل توسع المجموعة، 25.9 تريليون دولار، كما أنها تسيطر على 20 بالمئة من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية. علاوة على ذلك تسيطر دول المجموعة الحالية (روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا) على 27 بالمئة من مساحة اليابسة في العالم، بمساحة إجمالية 40 مليون كيلومتر مربع.