أزمة السجائر في مصر.. ما الأسباب؟ ومتي تنتهي؟
21:19 - 22 أغسطس 2023في أحد الشوارع الجانبية بمنطقة "وسط البلد" بالعاصمة المصرية، يصطف جمعٌ من الرجال أمام أحد المحال الصغيرة، يبيع السجائر بسعرها الرسمي أو بعض الأصناف التي تشهد نقصاً في السوق، ويتزاحم الناس من حوله للحصول على "علبة" بسعرٍ أرخص من أسعار البيع المتباينة في عديد من المتاجر والمحال.
مشهدٌ مُتكرر في بعض المناطق، يكشف عن جانبٍ من جوانب أزمة السجائر التي تعاني منها السوق المصرية في الفترة الحالية، وتتصاعد بصورة تثير مزيداً من القلق بين المُدخنين، سواء لجهة ارتفاع الأسعار بشكل واسع وكذلك الحال بالنسبة لشح بعض الأصناف، وبما خلق سوقاً موازية للسجائر.. فما هي أسباب الأزمة؟ ومن المسؤول عن تصاعدها؟ وإلى أي مدى يُمكن أن تستمر؟
ارتفع سعر علبة السجائر المحلية والمستوردة بنسبة تتخطى الـ 100 بالمئة، فتباع علبة السجائر محلية الصنع بأسعار تتراوح بين 55 جنيهاً و60 جنيهاً، ذلك على الرغم من أن السعر الرسمي يبلغ 24 جنيهاً (الدولار يعادل 30.90 جنيه بحسب السعر الرسمي).
وكانت آخر الزيادات الرسمية المسجلة بالنسبة لأسعار السجائر في شهر مارس الماضي، وذلك من خلال الشركة الشرقية للدخان، والتي أعلنت عن رفع أسعار عدد من الأصناف بزيادات متفاوتة من جنيه إلى ثلاثة جنيهات للعبوة الواحدة بالنسبة للسجائر المحلية.
بينما كانت آخر زيادة بالنسبة للسجائر الأجنبية في شهر أبريل الماضي.
وفي أحدث تصريحات تلفزيونية له، حول تطورات الأزمة قال الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة الشرقية للدخان، المهندس هاني أمان، إن:
- الشركة ضخت كميات إضافية من السجائر في السوق، بالاتفاق مع الأجهزة الرقابية، ومباحث التموين.
- الشركة رفعت نسبة الكميات الموزعة على السوق المصرية، بين 25 مليون سيجارة وحتى 30 مليوناً، ليصل الإجمالي إلى مستوى قريب من الـ 150 مليون سيجارة يومياً.
- أسعار السجائر بدأت تنخفض بشدة، وتقترب للسعر الرسمي.
- الأزمة الحالية مفتعلة، من خلال تجار يتحكمون في السوق لغرض محدد.
- من الصعب تحديد موعد لانتهاء الأزمة؛ لأن ذلك يعتمد على مشاركة المستهلكين، وأن يتوقفوا عن الشراء الزائد عن الحاجة تخوفاً من نقصها.
حدود مسؤولية "التجار"
من جانبه، علل رئيس الشعبة العامة للدخان في مصر، إبراهيم إمبابي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، تصاعد أزمة السجائر وعدم حلها حتى هذه اللحظة رغم مرور أشهر على اندلاعها، باستمرار "جشع التجار"، ممن يقومون بتخزين كميات منها، إضافة إلى تباطؤ الحكومة في اتخاذ خطوات حل فعلية، على حد قوله.
وقال إن أزمة السجائر متكررة على فترات، لكنها في هذه المرة مختلفة كثيراً؛ خاصة أنها استمرت لفترة طويلة، فعادة ما كانت تُحل خلال فترة وجيزة، مردفاً: "الحكومة لم تستمع إلى مقترحات الشعبة العامة للدخان، والتي من الممكن أن تقضي على الأزمة خلال 48 ساعة فقط، وهي كالتالي":
- قلب هرم توزيع السجائر المعمول به من قبل الشركة الشرقية للدخان "ايسترن كومباني"، من خلال توزيع السجائر على صغار التجار وفي الأكشاك، وعدم توريد السجائر إلى كبار الموزعين.
- إصدار تشريع ضريبي بتعديل الشريحة الضريبية على السجائر.
- طرح مضبوطات السجائر في محطات بنزين وطنية.
وأشار إلى أن حجم مضبوطات السجائر التي تم ضبطها من قبل مباحث التموين خلال الفترة الأخيرة، قد يتخطى إنتاج الشركة الشرقية لشهر كامل ثلاث مرات، ويمثل قيمة 100 بالمئة من قيمة التخزين، مؤكداً أن هناك كميات مهولة تم ضبطها.
وشدد على أن استمرار الأزمة يأتي في صالح التجار الذين تحصلوا على مكاسب تقدر بمئات المليارات- حسب تقديره- موضحاً أن السعر الرسمي لعلبة السجائر هو 24 جنيهاً في المتوسط وتباع بالسوق بسعر تخطى الـ 55 جنيهاً.
وكانت تقارير محلية قد ذكرت أنه خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي (من يوليو 2022 حتى نهاية مارس 2023) بلغ إنفاق المصريين على السجائر والدخان قرابة 55 مليار جنيه.
وأنفق المصريون، على تدخين السجائر، 51.4 مليار جنيه، خلال العام المالي الماضي 2021-2022، حسبما كشفت وثيقة رسمية للشركة الشرقية للدخان.
وطبقاً لأحدث البيانات المتوفرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حول التدخين، فإن:
- 8 بالمئة من إجمالي السكان (من 15 سنة فأكثر) مدخنون.
- حوالي 18 مليون نسمة يدخنون، غالبيتهم من الذكور، وفق مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك 2021-2022.
- الفئة العمرية من 35 إلى 44 سنة، هي أعلى نسبة مدخنين في مصر.
دور الرقابة
وإلى ذلك، حذر الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، من تطور الأزمة من مجرد كونها أزمة متعلقة بارتفاع أسعار إحدى السلع إلى أن تتحول لتكون سبباً في حدوث غليان واسع بالشارع نظراً إلى أن عدد مستهلكي السجائر كبير بالشارع المصري، وبالنسبة لهم السجائر سلعة أساسية وضرورية.
ورأى الخبير الاقتصادي أن استمرار الأزمة لأشهر طويلة على ذلك النحو دون الوصول إلى حل يدل على أنها مُفتعلة بهدف تدمير الشركة الشرقية للدخان (..)، على حد قوله.
ولفت إلى أن أزمة السجائر تعكس غياب الرقابة أو إحكام السيطرة على السوق، وغياب دور جهاز حماية المستهلك ومديريات التموين والجهات الرقابية، منبهاً إلى أن ما يحدث من ارتفاع بالأسعار من شأنه أن ينعكس على السلع الأخرى ليرفع أسعارها هي الأخرى وبما قد يقود إلى فقدان السيطرة على السوق.
وقال إن الحكومة قامت بدورها من خلال قراراتها بتوريد المواد الخام، وزيادة إنتاج السجائر لاستقرار السوق وضبط الأسعار، لكن هناك فجوة عملية تتضح من خلال تفاقم الأزمة.
واستبعد فكرة ارتفاع سعر السجائر نظراً لارتفاع سعر الدولار، موضحاً أن سعر الدولار ثابت منذ فترة ولم يتحرك، ومن الطبيعي أن يتحرك سعر السجائر عند تحرك سعر الصرف وارتفاع الدولار رسمياً، منوهاً بأن ما يحدث يسمى بـ "تسعير عشوائي" يشكل خطراً على السوق نظراً للتعامل بأسعار السوق السوداء للدولار.
وتابع: "هناك استغلال وتسريع في وتيرة الأسعار بشكل مخيف في مصر، ففي كل لحظة الأسعار تزيد بالأسواق، بحجة ما يشهده العالم من توترات وأزمات اقتصادية، ما يمثل أعباءً إضافية على المواطن وعدم السيطرة على السوق".
كيف تتم السيطرة على الأزمة؟
وحدد الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، عدداً من العوامل التي من شأنها أن تساعد على حل أزمة السجائر خلال فترة زمنية قصيرة، ومنها:
- تشديد الرقابة بأن تعمل المباحث التموينية على أرض الواقع وتحكم سيطرتها على أباطرة السوق، وكذلك جهاز حماية المستهلك.
- تغيرات بنظام توزيع الحصص من جانب الشرقية للدخان، على أن تبدأ التوزيع من جديد من خلال موزعين جُدد أو توزيعها بشكل مختلف عن ما هي عليه الآن.
- إحكام السيطرة على السوق لإحداث توازن بالأسعار حتى لا ترتفع بشكل أكبر مما هي عليه الآن.
وكانت الحكومة المصرية قد أقرت زيادة أوامر التوريد للمواد الخام لشركة الشرقية "إيسترن كومباني"، والتي تستحوذ على قرابة 75 بالمئة من حجم السوق المحلية في مصر، كما تصدر جزءاً من إنتاجها، وذلك لسرعة إنهاء أزمة السجائر فى مصر من خلال زيادة حجم الإنتاج اليومي، وإتاحة المزيد من المعروض سعيا لاستقرار السوق وضبط الأسعار.
زيادة مصحوبة بارتفاع التكلفة الخارجية
من جهته، أشار الخبير الاقتصادي، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن السجائر سلعة تعتمد على استيراد خاماتها ومكوناتها بشكل أساسي من الخارج، لذا يسري عليها أحكام السلع المستوردة، موضحاً أن حجم الجمارك المفروضة عليها تختلف عن السلع الأساسية كالقمح والأرز على سبيل المثال.
وأضاف أن زيادة سعر السجائر تعد زيادة مصحوبة بزيادة التكلفة الخارجية، خاصة مع تضخم أسعار التكلفة الإنتاجية للسلعة، إلى جانب ارتفاع تكلفة النقل (..) وغيرها من العوامل ذات الصلة (..).
وتابع أن هناك نقصاً في المعروض العالمي من مادة التبغ، الذي يتم استيراده بالدولار ويتعرض سعره محلياً إلى تقلبات، خاصة في ظل عدم وجود تنسيق بين سعر الدولار الذي تعلن عنه الحكومة المصرية والسعر المباع به (في السوق الموازية)، كما أن هناك أكثر من سعر للدولار، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع خاصة التي بها مكون خارجي يتم استيراده من الخارج.
ورأى الخبير الاقتصادي أن الحكومة المصرية لا تستطيع التحكم في سعر السجائر، لأنه حدث خارج عن إرادتها متأثرا بارتفاع أسعار وتكلفة عالمية، كما أنها لا تستطيع دعمها لأنها سلعة غير أساسية، وهي تمول السلع الضرورية فقط، لكنها تحاول من خلال الضريبة الخاصة بها السيطرة على السوق.
ورأى أن ممارسة الحكومة لدورها الرقابي من شأنه أن يقضي على احتكار السلعة، وقفز الأسعار بنسب قد تتخطى المئة بالمئة، متوقعاً حال ذلك أن تسيطر على الأسعار خلال شهرين ليحدث استقرار نسبي في سعر السلعة.
ووفقاً لأحدث نشرات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء بمصر، فإن حجم واردات التبغ "ورق الدخان" تراجع بقيمة 17.556 مليون دولار فى الفترة من يناير إلى مايو الماضيين لتصل إلى 20.656 مليون دولار مقابل 38.212 مليون دولار في الفترة المقابلة من العام الماضى.
كما بلغت واردات مصر من التبغ المفروم والمكبوس خلال مايو الماضى انخفضت إلى 14.5 مليون دولار مقارنة مع نحو 19.7 مليون دولار للشهر المقابل من 2022 بتراجع قدره 5.169 مليون دولار.