هل ينجح رفع الفائدة في وقف تدهور الروبل الروسي؟
12:11 - 16 أغسطس 2023فيما تحاول الحكومة الروسية وقف الانخفاض السريع لقيمة الروبل والحد من المخاطر على استقرار الأسعار من خلال رفع الفائدة، يرى خبراء اقتصاد أن عودة الروبل للارتفاع قليلاً أمام الدولار بعد رفع الفائدة قد يكون قصير الأجل، بسبب أن المشكلة الأساسية تكمن في الحرب المستمرة في أوكرانيا والإنفاق الباهظ عليها يوميًا، والعقوبات الغربية، وتقييد التجارة الدولية مع موسكو.
ورفع البنك المركزي الروسي، الثلاثاء، أسعار الفائدة بمقدار 350 نقطة أساس إلى 12 بالمئة، في اجتماع استثنائي، في محاولة لوقف الانخفاض السريع لقيمة الروبل الذي اقترب خلال جلسة الإثنين الماضي من مستوى 102 روبل للدولار، وهو أدنى مستوى له منذ مارس 2022.
ووفقاً للبنك المركزي، فإن رفع الفائدة يهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسعار، إذ ارتفع التضخم السنوي إلى 4.4 بالمئة اعتبارا من 7 أغسطس الجاري، في ظل نمو الطلب المحلي الذي يتجاوز قدرة الاقتصاد على توسيع الإنتاج.
وتعافى الروبل في تعاملات الثلاثاء مقترباً من مستوى 96 روبل مقابل الدولار، لكنه رغم ذلك لا يزال منخفضا بأكثر من 20 بالمئة هذا العام، ما يضعه من بين أسوأ العملات أداء في العالم.
وكانت المرة الأخيرة التي رفع فيها المركزي أسعار الفائدة بشكل استثنائي أيضاَ في أواخر فبراير 2022 عندما زادها إلى 20 بالمئة بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية مباشرة، ثم خفض البنك بشكل مطرد تكلفة الاقتراض إلى 7.5 بالمئة مع تراجع ضغوط التضخم في النصف الثاني من 2022.
ويعاني الاقتصادي الروسي من وضع غير مستقر نتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي انطلقت في 24 فبراير 2022، وما نتج عنها من آلاف العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها الدول الغربية في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والبنكية والعسكرية والعلمية، فضلاً عن فرض حد أقصى لسعر برميل النفط الخام الروسي المنقول بحراً عند 60 دولاراً، وكذلك فرض سقف سعر على المشتقات النفطية الروسية بواقع 100 دولار للبرميل للمنتجات الأعلى سعراً مثل وقود الديزل والبنزين في حين تحددت قيمة المنتجات الأقل جودة عند 45 دولاراً للبرميل.
وتراجعت العائدات المرتبطة بالغاز والنفط، وهي عائدات رئيسة للميزانية الروسية، بنسبة 41.4 بالمئة بين يناير ويوليو 2023، تحت تأثير هذه العقوبات، وفقًا لبيانات وزارة المال الروسية.
وكانت وكالة الإحصاءات الروسية (روستات) قد أعلنت أخيراً أن إجمالي الناتج المحلي الروسي قد ارتفع بنسبة 4.9 بالمئة في الربع الثاني من عام 2023، وهذه هي أول زيادة يتم تسجيلها منذ الربع الأول من عام 2022.
ردة فعل تقليدية ومتوقعة
مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" يقول في تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن رفع الفائدة من قبل البنك المركزي الروسي إلى مستوى 12 بالمئة يعتبر ردة فعل تقليدية ومتوقعة نتيجة التراجع القاسي للروبل، والذي خسر حتى الآن 39 بالمئة من قيمته في 2023.
وتراجع الروبل بنسبة 25 بالمئة تقريباً في ثلاثة أشهر ووصل إلى أكثر من 100 روبل للدولار الواحد يوم الاثنين، وهو أدنى مستوى منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية.
ويضيف سلهب أن الفائدة قد بلغت أعلى مستوى منذ أبريل 2022 بعد الزيادة الأخيرة.
وقد يكون الهدف المعلن هو تحقيق الاستقرار في سعر صرف الروبل، ولكن الأكثر دقة كما يعتقد سلهب أن الهدف هو إيقاف التراجع المتوقع في قيمة الروبل الذي سيجعل من التضخم الروسي مرتفعاً، علماً أن التضخم في روسيا قد بلغ حالياً 4.3 بالمئة وهو الأعلى في خمسة أشهر، ما يعني أن تأثير ارتفاع النفط الروسي الإيجالي قد يتراجع على المواطن الروسي.
ويرى كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" أن الزيادة في قوة الروبل المباشرة بعد قرار رفع الفائدة قد تكون قصيرة الأجل.
ويضيف: "صحيح أن مستشار الرئيس الروسي ألقى اللوم على صنّاع السياسة النقدية الذي تسببوا حسب رأيه بتراجع الروبل وارتفاع التضخم بسبب السياسة المتساهلة، لكن الجميع يعلم أن القرارات المالية الكبرى في روسيا لا تتم إلا بالاتفاق مع الكرملين في معظم الحالات".
وينوه سلهب أن "الروس قد يعودون مجدداً إلى تخفيض الفائدة إذا استقر الروبل لكن هذا الاستقرار يلزمه أكثر من مجرد إجراء بنك مركزي، لأن المعضلة الحقيقية هي الحرب والإنفاق الباهظ عليها يومياً، والعقوبات الغربية وتقييد التجارة الدولية مع روسيا، فهنا تكمن المشكلة الحقيقية، إذا افترضنا أصلاً أن النفط سيحافظ على مكاسبه الحالية فوق 80 دولاراً للبرميل".
3 عوامل تؤثر على تقلبات الروبل
ويشرح كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" العوامل المؤثرة على تقلبات الروبل وهي:
- التدفقات المالية المباشرة التي تراجعت بسبب العقوبات، وهذه ضرورية للغاية في تحقيق النمو والمساعدة في دعم الروبل.
- أداء الصين الاقتصادي المتواضع، وهذا مؤثر بقوة لأن الصين هي الوحيدة القادرة على الشراء والتبادل التجاري مع روسيا دون الخوف الكبير من تبعات العقوبات وتأثيرها.
- اقتصادياً، لا تزال روسيا تتمتع بمستويات ديون متدنية للغاية (17بالمئة من الناتج المحلي، مقارنةً بـ 129 بالمئة لأميركا و77 بالمئة للصين و66 لألمانيا و100 بالمئة لبريطانيا) وفائض في الميزان التجاري بنسبة 10 بالمئة من الناتج المحلي في 2022، وهذا يدفعنا للاعتقاد أن الروس لا يزالون مستعدين لحرب اقتصادية طويلة الأجل مع امتلاكهم 600 مليار دولار تقريباً من الاحتياطات الأجنبية، علماً أنها كانت عند 635 ملياراً تقريباً مع بداية الحرب وهذا تراجع لا يعتبر كبيراً، وبالتالي لا نميل إلى فرضية الانهيار كما ذكرت بعض المصادر الصحفية الغربية.
ويوضح سلهب أن خام الأورال الروسي قد ارتفع بأكثر من خامي برنت وخام غرب تكساس في عام كامل، حيث حقق ارتفاعاً بنسبة 6.6 بالمئة ووصل حالياً إلى 72.6 دولار للبرميل، بينما لا يزال خام برنت متراجعاً 7 بالمئة في عام ومعه خام غرب تكساس الخفيف -5.1 بالمئة، في الوقت الذي وضعت فيه دول الاتحاد الأوروبي حداً للخام الروسي عند 60 دولار للبرميل.
وستُبقي هذه الأرقام المضاربات قوية في الروبل، بحسب سلهب، والذي لا يستبعد حدوث عمليات تقييد لرأس المال والتحويلات الداخلية والخارجية من قبل السلطات النقدية الروسية، كما أن تكلفة الديون الروسية قد ترتفع في المدى القصير مع ارتفاع مستويات المخاطر حالياً.
انخفاض الروبل لا يعني أزمة اقتصادية أساسية
من جانبه، يقول علي حمودي الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في " ATA Global Horizons": "رفع البنك المركزي الروسي للفائدة بشكل كبير يعد خطوة طارئة تهدف إلى مكافحة التضخم وتعزيز الروبل بعد أن وصلت عملة البلاد إلى أدنى مستوى لها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية".
ومع زيادة موسكو للإنفاق العسكري وتأثير العقوبات الغربية على دخلها من بيع شحنات الطاقة، فقد الروبل أكثر من ثلث قيمته منذ بداية العام، بحسب حمودي، الذي أكد أن الانخفاض الكبير للروبل لا يعني أن الاقتصاد الروسي في حالة انهيار حالياً، على الرغم مما يواجهه من تحديات تتعلق بارتفاع تكلفة المعيشة للأسر الروسية والشركات.
ويضيف حمودي: "إن أحد الأسباب الرئيسية وراء انخفاض قيمة الروبل هو تقلص فائض الحساب الجاري لروسيا، والذي انخفض بنسبة 85 بالمئة على أساس سنوي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2022.، وأعتقد أنه بمرور الوقت ستؤدي العقوبات إلى تآكل النمو الاقتصادي طويل الأجل في روسيا، لكن بالعموم فإن ضعف الروبل أخيراً لا يعني وجود أزمة اقتصادية أساسية ولا يشير إلى أن روسيا على وشك الانهيار".