كيف سيؤثر خفض فيتش لتصنيف أميركا الائتماني على الأسواق؟
17:25 - 02 أغسطس 2023وصف خبراء اقتصاد في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تأثير قرار وكالة فيتش التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من "إيه إيه إيه" إلى "إيه إيه +" على الاقتصاد الأميركي والأسواق العالمية بالمؤقت، مشيرين إلى أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تخفيض تصنيف أكبر اقتصاد في العالم ذلك أن وكالة "ستاندرد آند بورز" خفضت التصنيف الائتماني للولايات المتحدة منذ أكثر من 10 أعوام.
واعتبر الخبراء أن ما جاء في تقرير الوكالة حول معضلة الديون الأميركية والعجز القياسي التاريخي للموازنة الأميركية والحوكمة ليس جديداً على أميركا والأسواق عموماً، موضحين أن عجز الولايات المتحدة لو حدث سيكون كارثةً عالمية وليس فقط داخل أميركا.
وخفّضت وكالة فيتش أمس الثلاثاء التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من "إيه إيه إيه" إلى "إيه إيه +"، مشيرة إلى عوامل تشمل "تآكل الحوكمة" خلال العقدين الأخيرين بعدما شهدت البلاد بشكل متكرّر خلافات تتعلق برفع سقف الدين العام.
وجاء في بيان الوكالة: "إن خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يعكس التدهور المتوقع للمالية العامة خلال السنوات الثلاث المقبلة، والعبء المرتفع والمتزايد للدين العام الحكومي، وتآكل الحوكمة".
وجاء رد البيت الأبيض على القرار سريعاً برفضه وبشدة، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار: "إن خفض تصنيف البلاد في وقت حقّق الرئيس جو بايدن أقوى تعافٍ اقتصادي بين كل الاقتصادات الكبرى في العالم، هو أمر يُخالف الواقع".
كما اعتبرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، أن التغيير الذي أعلنته الوكالة كان "تعسفياً ويستند إلى بيانات قديمة"، مؤكدة أن "سندات الخزانة لا تزال الأصول الآمنة والسائلة الأبرز في العالم، وأن الاقتصاد الأميركي قوي في جوهره".
وفي ردة فعل الأسواق إثر قرار وكالة فيتش، ارتفعت أسعار الذهب الأربعاء بعد تراجع مؤشر الدولار الأميركي وعائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، حيث ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية 0.2 بالمئة إلى 1948.43 دولار للأونصة بحلول الساعة 0122 بتوقيت غرينتش، في حين ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأميركي 0.3 بالمئة إلى 1985.60 دولار، كما ضغط القرار على الأسواق المالية الأسيوية والأوروبية.
التداعيات على الاقتصاد الأميركي
قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن تخفيض التصنيف الائتماني السيادي للولايات المتحدة الأميركية من قبل وكالة فيتش AAA إلى AA+ مع نظرة مستقرة، يعود أساساً الى قناعة الوكالة بتراجع الحوكمة في إدارة الدين الأميركي الذي وصل الى مستويات قياسية، حيث يعادل تقريباً 118 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى أن وزارة الخزانة الأميركية توقعت أصلاً اقتراض تريليون دولار في الربع الثالث من هذا العام بزيادة تقارب 274 مليار دولار عن التقديرات السابقة".
وأوضح سلهب أن "هذا العجز التاريخي القياسي الذي يستمر بالتضخم لن يكون إيجابياً في المدى الطويل وبالتالي من يتذكر الأزمة المالية العالمية 2008 يعرف تماماً أنه سيأتي يوم قد تضطر فيه الأسواق إلى دفع الثمن، الحقيقة لا أحد يعرف متى بالضبط".
سندات الخزانة الأميركية
وقال سلهب، إن ردة فعل الأسواق اليوم قد لا تستمر حيث كانت قد تراجعت عوائد السندات الأميركية لعامين مع تراجع مؤشر الدولار والعقود الآجلة للأسهم الأميركية، ليس لأن اقتصاد الولايات المتحدة يؤدي بشكل جيد، بل لأن معضلة الديون الأميركية والعجز القياسي التاريخي ليس جديداً على أميركا والأسواق عموماً، كما أن عجز أميركا لو حدث سيكون كارثةً عالمية وليس أميركية داخلية فقط.
وأضاف كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" : "لو كانت الأسواق تركز على هذه الأساسيات لما كانت وصلت أصلاً إلى هذه المستويات القياسية والمكاسب القوية في 2023، لكن مع ذلك قد نرى تأثيراً أكبر في عوائد السندات المتوسطة الأجل ( 5 و 10 سنوات ) مما هي في عامين أو عام واحد حيث نتوقع مزيداً من التراجع في عوائد هذه السندات لعوامل عديدة ومنها مخاطر الديون وتراجع أسعار الفائدة تدريجياً".
بدوره قال الخبير الاقتصادي ووزير اقتصاد سابق، الدكتور نضال الشعار في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "هذه ليست المرة الأولى التي يُخفّض فيها تصنيف الولايات المتحدة، فقبل قرار وكالة فيتش خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيف الولايات المتحدة منذ عدة سنوات، وهنا يجب أن نلاحظ تخفيض التصنيف من "إيه إيه إيه" إلى "إيه إيه +" لا يعد قفزة عنيفة بل يعد تصنيفاً تشغيلياً أكثر منه اقتصادياً".
وأضاف أن "ما ذكره تقرير وكالة فيتش المتعلق بالقرار من قضايا الديون والعجز في الموازنة الذي تعاني منه الولايات المتحدة والحوكمة ليست جديدة عليها بل تعاني منها منذ عشرات السنين، وكذلك فيما يتعلق برفع أسعار الفائدة التي جاء ذكرها أيضاً في البيان تعد عملية تشغيلية وليست اقتصادية، وفي العموم لا أرى مغزى اقتصادياً واضحاً من خفض التصنيف".
الأسواق المالية
وقلل الدكتور الشعار من تأثير القرار على الأسواق المالية بقوله: "بالتأكيد سيكون هناك تأثير لقرار وكالة فيتش على الأسواق المالية العالمية، حيث لاحظنا كيف ضغط القرار على أسواق آسيا صباح اليوم نتيجة تأثر شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وكذلك استهلت الأسهم الأوروبية تعاملات اليوم بموجة من التراجعات الجماعية كما ستتأثر أسواق الولايات المتحدة إذ أن المستقبليات أغلبها في انخفاض، لكن هذا التأثير مؤقت ولن يكون دائماً حيث سيتم نسيان قرار وكالة فيتش كما تم نسيان قرار وكالة "ستاندرد آند بورز سابقاً".
وفيما يتعلق بسوق السندات الأميركية أضاف الخبير الاقتصادي الشعار: "من الناحية الاعتبارية لم تعد الولايات المتحدة بذات التصنيف السابق "إيه إيه إيه" وهذا شي سيتغير مع الوقت ولن يؤثر على مكانة سوق السندات الأميركية بل سوف تظل هذه السندات تشكل احتياطي أغلب البنوك المركزية في العالم".
أسواق الذهب والنفط
وحول تأثير قرار وكالة فيتش على أسواق الذهب والنفط قال عامر الشوبكي مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي: "على الرغم من اختلاف المؤثرات التي تتحكم بأسعار الذهب والنفط ، لكن يوجد ارتباط نوعاً ما بينهما من خلال سعر الدولار، إذ كلما ارتفع سعر الدولار انخفض سعر الذهب والنفط والعكس صحيح، والآن نلاحظ وجود انخفاض بسيط في سعر الدولار مقابل سلة العملات الرئيسية نتيجة الصفعة التي وجهتها وكالة فيتش إلى الإدارة الأميركية بتخفيض تصنيف الولايات المتحدة الائتماني، وهذا الانخفاض أثّر ارتفاعاً على سعر النفط والذهب".
وإلى جانب التأثيرات الأخرى مثل ضعف النظام المالي والمخاوف على النظام المالي الأميركي تحديداً ومع الانخفاض الذي نشهده في سوق الأسهم يلجأ المستثمرون إلى الشراء في ملاذات أكثر أماناً مثل الذهب ما يعني أن الذهب سيكون مزاحماً لسوقي السندات والأسهم مع بدء ارتفاع الطلب عليه، ولكن وهذا التأثير سيكون على المدى القصير بينما التأثير على المدى الطويل سيكون هامشياً على سوق الذهب والنفط وذلك تبعاً لإجراءات قد تلحق هذا القرار مثل التصنيفات الائتمانية للوكات العالمية الأخرى المعتمدة الأخرى مثل موديز وستاندرد آند بورز، طبقاً لما قاله الشوبكي.
أسعار الفائدة
لكن مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي الشوبكي أوضح في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه في حال ترافق قرار تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مع استمرار الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار مصارف أخرى في الولايات المتحدة بالإضافة إلى المزيد من الارتفاع في أسعار الذهب والنفط.