كيف تتعامل دول المغرب العربي مع أزمة نقص المياه؟
14:01 - 27 يوليو 2023تحذيرات البنك الدولي من أن دول شمال أفريقيا، ستواجه نقصا حادا في المياه بحلول 2030، دفعت هذه الدول نحو تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي لضمان أمنها المائي وسدّ حاجات الزراعة.
فتونس تستعد الآن لافتتاح محطة جديدة لتحلية مياه البحر في الزارات بجنوب تونس، فعلى غرار باقي دول المغرب العربي، وجدت تونس في هذه التقنية حلّا لمجابهة ندرة المياه، الى جانب معالجة مياه الصرف الصحي لاستخدامها في الزراعة.
البنك الدولي كشف أن تساقطات الأمطار في دول شمال أفريقيا، تقلّصت حتى في فصل الشتاء، وتراجعت هذه البلدان إلى ما دون عتبة "الفقر المائي" (1000 متر مكعب في السنة لكل فرد)، وقد يتراجع هذا المعدل إلى ما دون 500 متر مكعب للفرد بحلول العام 2030.
ويقول المدير العام السابق للشركة الحكومية التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، مصباح الهلالي، لوكالة فرانس برس، إن اللجوء إلى تحلية المياه "هو الحلّ الوحيد اليوم" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتأمين موارد مائية جديدة.
ومرّت تونس بثماني سنوات متتالية من الجفاف "فيها سنة واحدة ممطرة"، بحسب الهلالي.
وتتعرّض تقنية تحلية المياه لانتقادات، كونها تستهلك الكثير من الطاقة، وبالتالي تؤثر سلبا على البيئة، كما انها ستزيد من الأحمال على موازنة الدولة، فعملية إنتاج متر مكعب واحد من المياه الصالحة للشرب في تونس، تستحوذ الطاقة على 40 بالمئة من تكلفة إنتاجه، وهو ما دفع السلطات لدراسة إمكانية الاعتماد على الطاقة الشمسية لتخفيض التكلفة.
ويؤكد الهلالي "أنها مشاريع تستهلك كثيرا من الطاقة، ولكن من خلال الطاقة الشمسية يمكن تقليص التكلفة إلى النصف من خلال تجهيز كل المحطات بالطاقة الشمسية".
أما في ما يتعلق بالمياه التي يتم إرجاعها للبحر بعد استخراج العذبة منها، فيقول المسؤول "نظام ضخ وإرجاع المياه ذات الملوحة العالية يخضع لقواعد علمية ولا خوف على الجانب البيئي".
ويتابع "مناطق إرجاع المياه في البحر محبذة من الصيادين لوفرة الأسماك فيها".
إلا أن الباحثة والخبيرة في مجال المياه، راضية السمين، تشدّد على أن "الملوحة العالية للمياه التي تعاد للبحر تضرّ بالأسماك. ومياه البحر الأبيض المتوسط لا تتجدد بسرعة كما هي الحال في المحيطات".
وانطلقت تونس في تشييد محطات لتحلية المياه المالحة المستخرجة من باطن الأرض منذ الثمانينات، وأنشأت محطة أولى لتحلية مياه البحر في العام 2018 في جزيرة جربة، وخصّصت لتزويد غالبية محافظات الجنوب بمياه الشرب.
وتساهم محطة جربة، بالإضافة إلى 15 محطة أخرى لاستخراج المياه المالحة من باطن الأرض وتحليتها بـ 6 بالمئة من مجموع المياه الصالحة للشرب في البلاد.
وتعمل السلطات على مخطط لزيادة هذه النسبة إلى 30 بالمئة بحلول العام 2030، وفقا للهلالي الذي يؤكد أن "ثلاث محطات جديدة لتحلية مياه البحر ستدخل الخدمة بنهاية 2024".
وتأتي بقية موارد البلاد من المياه الصالحة للشرب من 37 سدّا منتشرة في شمال غرب البلاد بشكل خاص.
واتخذت باقي دول المغرب خطوات لافتة في مجال البحث عن موارد مائية غير تقليدية.
وتبدو الجزائر الأفضل وضعا لكونها بلدا منتجا للطاقة.
وتستغلّ 23 محطة لتحلية المياه لإنتاج 840 مليون متر مكعب سنويا، وتعمل على إنشاء 14 أخرى إضافية لإنتاج ملياري متر مكعب في العام 2030، وفقا للباحث والخبير في التصرّف في الموارد المائية مصطفى كمال الميهوبي.
في العام 2022، تمكنت الجزائر من تزويد 18 بالمئة من السكان البالغ عددهم 44 مليونا بهذه المياه، وتعمل السلطات وفق برنامج لبلوغ نسبة 60 بالمئة من مجموع عدد السكان.
و لا تختلف الصورة كثيرا في المغرب الذي تضرّر بشدة العام الماضي من أسوأ موجة جفاف منذ عقود بتراجع كبير في هطول الأمطار، إذ بلغ معدّل ملء السدود 32,4 بالمئة، وفقًا للأرقام الرسمية.
وأنشأت المملكة 12 محطة تحلية بطاقة إجمالية تبلغ 179,3 مليون متر مكعب سنويا، تخصص 47 بالمئة منها للشرب و25 بالمئة للزراعة، و27 بالمئة للاستخدام الصناعي، بحسب بيانات وزارة التجهيز والمياه.
كما تخطّط السلطات لإنشاء سبع محطات جديدة بنهاية 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا، وتعمل "على المدى القصير" للوصول إلى طاقة إنتاجية إجمالية تتجاوز مليار متر مكعب سنويا، بحسب الوزارة.
في تونس، تعالج 125 محطة نحو 300 مليون متر مكعب سنويا من مياه الصرف الصحي في بلاد يقطنها 12 مليون شخص، لكن المناطق الزراعية لا تستفيد إلاّ بما بين 5 و7 بالمئة فقط من مجموع المياه المعالجة، وفقا للمسؤول في "الديوان الوطني للتطهير" ثامر الجوادي الذي يؤكد أنه "حلّ ضروري" لمساعدة قطاع الزراعة.
أما الجارة الجزائر فتشغّل 211 محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
ويتحدّث الميهوبي عن ضرورة "العمل على الوصول إلى نسبة 39 بالمئة منها في ري الزراعات"، لافتا إلى أن "30 بالمئة فقط من المنشآت متصلة بقنوات الصرف الصحي".
ويبدو أن وضع ليبيا الأصعب في المنطقة بين جيرانها منذ 2011.
وكان هذا البلد ذو المناخ الصحراوي رائدا في إنشاء مشروع "النهر الصناعي العظيم" منذ مطلع الثمانينات لضخّ المياه من 1300 بئر من جنوب البلاد إلى شمالها.
لكن غالبية مصانع التحلية خارج الخدمة اليوم.