الإمارات واليابان نحو علاقات اقتصادية أكثر شمولية
20:19 - 17 يوليو 2023تمتد العلاقات بين الإمارات واليابان إلى أكثر من 50 عاماً، بنى خلالها البلدان، شراكة استراتيجية في كثيرٍ من المجالات الرئيسية، الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والدبلوماسية، وانطلاقاً من دورهما المحوري في دفع مسارات التنمية المستدامة عبر العالم.
لذلك، تحظى زيارة رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، إلى الإمارات بأهمية خاصة، وفي ضوء حرص البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية والبناء على ما تم الاتفاق عليه أخيراً لجهة تعزيز وتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
زيارة كيشيدا للدولة هي الزيارة الرسمية الأولى له بعد إطلاق اتفاقية الشراكة الشاملة بين البلدين في شهر سبتمبر الماضي.
تعد الزيارة فرصة لتعزيز العلاقة الاقتصادية إلى مستوى أوسع وأكثر شمولية، خصوصاً وأن لدى البلدين مصلحة مشتركة في مواصلة توسيع التجارة والاستثمار بينهما.
تتركز مجالات التعاون بين البلدين على عديد من القطاعات الأساسية، ويسعى البلدان إلى تعزيزها وتنويعها على الصعيد الاقتصادي بشكل خاص، وبما يشمل قطاعات مثل الطيران والسياحة والفضاء والثقافة، والتعليم، والخدمات الطبية، والبيئة.
ويقول الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "العلاقة الاستراتيجية بين الإمارات واليابان راسخة ومتجذرة، وهما يضربان مثالاً رائعاً في كيفية توظيف الدبلوماسية الاقتصادية لصالح شعوبهما".
ويضيف الجروان، "تؤمن الإمارات إيماناً راسخاً بالشراكات الاستراتيجية مع القوى الاقتصادية العالمية، فاليابان ثالث اقتصاد في العالم، والإمارات تنفرد في النمو المتسارع بين الأسواق الناشئة في العالم ومؤثرة عالمياً، والبلدان الآن يدخلان مرحلة مهمة في التكامل والنمو الاقتصادي".
تدعيم المصالح المشتركة
من جانبه، يقول المستشار والخبير الاقتصادي، الدكتور كمال أمين الوصال، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "اليابان تسعى لتعزيز وجودها الاقتصادي فى المنطقة في ظل تعاظم المنافسة الدولية، ومع الحضور المتنامي لقوى اقتصادية عززت وجودها على الساحة الدولية والمنطقة مثل الصين والهند".
وفيما يشير الوصال، إلى أن طوكيو تسعى لإقامة علاقات اقتصادية استراتيجة مع دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات، فإنه يلفت في الوقت نفسه إلى أنه "على الجانب الآخر، فإن دولة الإمارات تسعى أيضاً إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع اليابان للاستفادة من الإمكانات التكنولوجية الهائلة لها، خاصة في ظل اهتمام الإمارات بالقطاعات الاقتصادية عالية التكنولوجيا، وفي إطار السعي إلى تعزيز عملية التنويع الاقتصادى وتقليل الاعتماد على النفط".
ومن هنا قد تكون الزيارة بداية جديدة لعلاقات اقتصادية أكثر رسوخاً وشمولاً من مجرد تعزيز التبادل التجارى بين الدوليتين.
العلاقات التجارية في أرقام
- خلال السنوات العشر الماضية، سجل إجمالي حجم التجارة المتبادلة (غير النفطية) بين البلدين، 142.7 مليار دولار.
- ارتفع حجم التبادلات التجارية غير النفطية بين البلدين بنسبة 10 بالمئة خلال العام الماضي 2022 إلى 14.7 مليار دولار.
- ارتفعت الواردات الإماراتية من اليابان بلغت 12 مليار دولار في عام 2022.
- الصادرات الإماراتية غير النفطية إلى اليابان 1.78 مليار دولار خلال 2022.
- كما ارتفعت عمليات إعادة التصدير من الإمارات إلى اليابان خلال العام الماضي 950 مليون دولار.
- ارتفع إجمالي التبادل التجاري عموماً (بما في ذلك النفطي) في 2022 بنسبة 57.5 بالمئة، ليصل إلى أكثر من 54.4 مليار دولار.
- حجم التبادل التجاري بين الإمارات واليابان ارتفع ليصل إلى 11.9 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري 2023 بنمو 10 بالمائة.
- ارتفعت صادرات الإمارات إلى اليابان، والتي تشمل الصادرات النفطية، خلال الفترة من يناير وحتى مارس 2023، بنسبة 8.2 بالمائة لتصل إلى 9.52 مليار دولار، بنمو 7.6 بالمئة.
- زادت واردات الإمارات من اليابان بنسبة 19.6 بالمائة لتصل إلى 2.45 مليار دولار، خلال الربع الأول من 2023.
- ارتفعت صادرت الإمارات إلى اليابان بنسبة 3.3 بالمائة إلى 3.46 مليار دولار خلال خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، كما ارتفعت واردات الإمارات من اليابان بنسبة 17.8 بالمائة إلى 870 مليون درهم، خلال ذات الفترة.
- استحوذت دولة الإمارات على 37.8 بالمائة من إجمالي تجارة اليابان مع منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة ما بين يناير وإبريل 2023، والتي بلغت نحو 42.2 مليار دولار.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي، وضاح الطه، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن النقطة الأساسية في تلك العلاقات الإماراتية اليابانية تنطلق من استراتيجية اقتصادية خاصة تتبناها الإمارات، من خلال تنويع العلاقات الاقتصادية الاستراتيجية مع دول تلعب دوراً أساسياً ومهماً في الاقتصاد العالمي، ومنها اليابان بما لها من ثقل وحضور على المستوى الدولي عموماً.
ويشير الطه إلى أن هذا التنوع أيضاً يرتبط بالدور الأساسي والمهم الذي تقوم به الإمارات في المنطقة كقوة ناعمة، ويبزغ كذلك من خلال علاقاتها الاستراتيجية مع عديد من الأطراف الأخرى من بينها روسيا والهند واليابان ودول أخرى، موضحاً أن هذا التنوع من شأنه أن يمنح الإمارات شعبية أكثر في العالم، ويعزز مكانتها كمكان مناسب للاستثمارات، بدليل أن الاستثمارات في الإمارات كانت الأعلى في العام 2022 مقارنة بدول المنطقة في العام 2022 بما يصل إلى 23 مليار دولار.
اتفاقية الشراكة
في سبتمبر الماضي، أطلقت الإمارات واليابان، اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتي تم الإعلان عنها في العام 2018، خلال زيارة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي إلى دولة الإمارات. وتهدف الاتفاقية إلى:
- تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، من خلال تشجيع المزيد من المشاركات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والتجارية وتشجيع الاستثمار في البلدين.
- تشمل المجالات الرئيسية للشراكة التعاون في المجال السياسي والدبلوماسي وتعزيز جهود تقديم المساعدات الإنمائية والإنسانية.
- إضافة إلى التعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والطاقة والصناعة عبر تعزيز بيئة الأعمال للتجارة والاستثمار في جميع القطاعات مثل الصناعة والتكنولوجيا، والبنية التحتية والذكاء الإصطناعي والرعاية الصحية، والشركات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من المجالات ذات الأولوية.
- كما تهدف أيضاً إلى التعاون في مجالات الزراعة والبيئة والتغير المناخي، والتعليم والعلوم والتكنولوجيا، والدفاع والأمن.
ويشير الطه، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الاستراتيجية التي تتبعها دولة الإمارات لجهة تنويع العلاقات الاقتصادية، من شأنها تعزيز التعاون الاستراتيجي مع اليابان، لا سيما من خلال التبادل التكنولوجي لصالح دولة الإمارات، ومن خلال التعاون في قطاع الطاقة، وتصدير النفط لليابان".
تعاون استراتيجي في تحول الطاقة
وفي سياق علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، يجمع البلدان تعاوناً استراتيجياً في تحول الطاقة، وتستند العلاقات الثنائية بينهما على شراكات طويلة الأمد في قطاع الطاقة عموماً، والعمل المشترك للاستفادة من الفرص الاقتصادية التي يتيحها التحوّل في القطاع وتعزيز التعاون الصناعي وتوسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين الصديقين.. ومن بين أوجه ذلك التعاون:
- يتعاون البلدان في عديد من المجالات والمبادرات المشتركة الحالية والتي تتضمن إنتاج الهيدروجين والأمونيا الزرقاء منخفضة الانبعاثات بما يلبي طموح دولة الإمارات واليابان للاستفادة من التقنيات الجديدة المجدية تجارياً للحد من الانبعاثات.
- وقعت "أدنوك" وشركة "ميتسوي وشركاه المحدودة" مذكرة تعاون تنضم بموجبها "ميتسوي" شريكاً إلى جانب "فيرتيجلوب" و"جي إس إنرجي" في تطوير المنشأة عالمية المستوى لإنتاج الأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون ضمن "منطقة تعزيز للصناعات الكيماوية" المشروع المشترك بين "أدنوك" و"القابضة ADQ" في الرويس بأبوظبي.
- يسهم هذا المشروع في ترسيخ ريادة دولة الإمارات في مجال الوقود منخفض الكربون من خلال الاستفادة من الطلب العالمي على الأمونيا الزرقاء بوصفه وقودا حاملا للهيدروجين النظيف. ومن المتوقع أن يبدأ مشروع إنتاج الأمونيا الزرقاء عالمي المستوى عمليات الإنتاج في عام 2025 بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي مليون طن سنوياً.
- كما وقعت "أدنوك" مذكرة تفاهم مع كل من "إينيوس" و"ميتسوي" لإجراء دراسة جدوى مشتركة لاستكشاف فرص إنشاء سلسلة لتوريد الهيدروجين بين دولة الإمارات واليابان.
- أبرمت "أدنوك" اتفاقية دراسة مشتركة مع ثلاث شركات يابانية هي إنبكس كوربوريشن "إنبكس" و"جيرا"، و"المؤسسة الوطنية اليابانية للنفط والغاز والمعادن" لاستكشاف الإمكانات التجارية لإنتاج الأمونيا الزرقاء في دولة الإمارات.
- وقّعت شركة "مصدر" مذكرة تفاهم مع شركة "سوميتومو" بشأن تطوير مشاريع لتحويل النفايات إلى طاقة وفتح آفاق التعاون بين الشركتين في مجموعة من المشاريع تشمل منشأة لمعالجة 390 ألف طن من النفايات سنوياً وتوليد 25 ميجاواط من الطاقة.
ويشير الخبير الاقتصادي، وضاح الطه، إلى أن طوكيو تعتمد على الإمارات في تأمين مخزونها الاستراتيجية، بالمصافي والخزانات والمستودعات الموجودة في اليابان.
ويضيف الطه: "هذه الثقة الكبيرة في السياسات الإماراتية تجعلها في مرتبة مختلفة قياساً بالدول الأخرى. وأعتقد بأن تلك الثقة تشكل عاملاً أساسياً في تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الإمارات واليابان على ذلك النحو".
تعاون استراتيجي
وفي مقال له عبر وكالة الأنباء الإماراتية، بعث رئيس وزراء اليابان بعددٍ من الرسائل المهمة فيما يخص علاقات بلاده الاقتصادية مع دولة الإمارات، من بينها:
- الإمارات شريك استراتيجي لليابان.. وعازمون على تعزيز علاقاتنا معها خلال الـ 50 عاماً المقبلة.
- دعمت الإمدادات الثابتة للنفط والغاز من الإمارات النمو الاقتصادي لليابان لسنوات عديدة.
- تحتضن الإمارات أكبر عدد من المغتربين اليابانيين في المنطقة، وحوالي 340 شركة يابانية.
- يمكننا معاً تحويل المنطقة لمركز عالمي لسلسلة توريد الجيل الجديد من مصادر الوقود والموارد المعدنية.
- الإمارات تعمل بمسؤولية كبيرة لضمان أمن الطاقة العالمي، وتبذل جهوداً استباقية لمعالجة قضايا تغير المناخ.
- ستعمل اليابان بشكل وثيق مع الإمارات من أجل نجاح COP 28 .
- الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط أعلنت سعيها لتحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول العام 2050.
- أسهمت اليابان في جهود الإمارات لاستشكاف الفضاء لسنوات عديدة.
توازن في العلاقات
الخبير الاقتصادي المتخصص في الاستشارات الاقتصادية والإدارية، رضا مسلم، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تبني الإمارات استراتيجية متفردة في سياق تنويع العلاقات، وبناء علاقات قوية جداً والمحافظة عليها مع كل دول العالم، مشدداً على أن الإمارات تعمل على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية ومصلحتها العليا، وعادة ما تكون وسيطاً بين الدول التي تتبنى وجهات نظر مختلفة.
ويشير إلى أن اليابان واحدة من تلك المحاور التي تحرص الإمارات على تعزيز العلاقات الاستراتيجية معها، والبناء على ما تم خلال تاريخ العلاقات الممتدة على مدار أكثر من خمسة عقود، في وقت وصل فيه حجم التبادل التجاري بين البلدين في 2022 إلى ما يقرب من 200 مليار درهم (54.4 مليار دولار)، وبزيادة نسبتها 58.7 بالمئة عن معدلات العام 2021، وبما يكشف عن تطور العلاقات بين البلدين في إطار الشراكة القائمة بينهما، وهدف البلدين لتعزيز تلك العلاقات والبناء عليها.
ويوضح مسلم، أن اليابان دولة عريقة ولها باع طويل في العلاقات مع دولة الإمارات، وهناك حرص واسع على تعزيز وتطوير تلك العلاقات في المرحلة المقبلة على مختلف القطاعات والأصعدة.
وتعتبر اليابان من أوائل الدول التي اعترفت بدولة الإمارات، بصفتها دولة مستقلة في 03 ديسمبر 1971، حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 6 مايو 1972، وافتتحت الإمارات، سفارتها في طوكيو بتاريخ 20 ديسمبر 1973، بينما افتتحت اليابان سفارتها في أبوظبي بتاريخ 7 أبريل 1974.
ويضيف الخبير الاقتصادي في هذا السياق، "تعتبر الإمارات من الأسواق المهمة بالنسبة للسلع والمنتجات اليابانية في ظل تلك العلاقات، وهناك تعمل نحو 340 شركة يابانية في الإمارات.. كذلك فإن الإمارات من أهم موارد الطاقة (النفط والغاز) لليابان وهو ما أسهم في دعم نمو اليابان الاقتصادي.
وتعدّ الإمارات ثاني أكبر الدول الموردة للنفط إلى اليابان ومصدراً مهما لتزويدها بالغاز الطبيعي والألومنيوم، كما أنها مصدراً آمناً ومستقراً وموثوقاً لتزويدها بمصادر الطاقة، وتلعب دور الشريك الاستراتيجي والمتعاون في المجالات المختلفة.
ويشدد مسلم على أن الزيارة الحالية التي يجريها رئيس الوزراء الياباني للإمارات، تبحث في عديد من الملفات المهمة، وتعكس الحرص على بناء تحالفات في مجالات وقطاعات اقتصادية مختلفة لتعزيز العلاقات بين البلدين، موضحاً أن ما يميز العلاقات بين البلدين هو الهدوء والاستقرار والاستدامة على مدى العقود الماضية، دون وجود توترات أو خلافه.
العلاقات اليابانية الخليجية
يأتي ذلك في وقت يسعى فيه مجلس التعاون الخليجي إلى فتح آفاق أوسع للتعاون مع اليابان، وقد وقع الطرفان أخيراً بياناً مشتركاً يستهدف استئناف المفاوضات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة، والتي كانت قد توقفت في العام 2009، وفق بيان صادر عن الأمانة العامة للمجلس.
وطبقاً للأمين العام لمجلس التعاون، جاسم محمد البديوي، فإن استئناف المفاوضات، يأتي تنفيذاً لتوجيهات المجلس الوزاري لإبرام اتفاقيات تجارة حرة مع شركاء دول المجلس التجاريين، في دورته المنعقدة في يونيو 2022. وشدد على أن اليابان تُعتبر أحد أولويات مجلس التعاون التي يسعى من خلالها لتعزيز علاقاتهما الاستراتيجية والاقتصادية والتنموية والاستثمارية.
ومن شأن تلك الاتفاقية -بحسب البديوي- ترسيخ العلاقات التجارية والاستثمارية بين الجانبين، وتعزز حقبة جديدة من الشراكة الهادفة إلى توفير العديد من فرص النمو المشترك لمجتمعي الأعمال.