هل يتدخل بنك اليابان مُجدداً للحد من تدهور "الين"؟
20:54 - 06 يوليو 2023تترقب الأسواق اتجاهات السياسات النقدية الخاصة ببنك اليابان، لا سيما في ظل ضعف "الين" ومستويات التراجع القياسية أمام الدولار، والتي تعزز توقعات تدخل البنك من جديد -على غرار تدخله العام الماضي- من أجل الحد من تدهور العملة.
يحوم الين بالقرب من مستوى 145 الرئيسي مقابل الدولار، وهو المستوى الذي استدعى تدخل السلطات اليابانية في سبتمبر الماضي.
وتعهد وزير المالية الياباني، شونيتشي سوزوكي، في وقت سابق، باتخاذ الخطوات المناسبة في مواجهة الضعف المفرط لـ "الين"، وهو ما اعتُبر بمثابة مؤشر على تدخل محتمل للسلطات اليابانية لدعم العملة.
يقول كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، مازن سلهب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن "الدولار الأميركي يتداول حالياً عند مستوى الـ 144 ين، وهو المستوى الأعلى منذ نوفمبر من العام 2022".
ويشير سلهب، إلى أن هناك أربعة عوامل رئيسية في الوقت الحالي تُحدد مسار الين مقابل الدولار بشكل أو بآخر في المرحلة المقبلة؛ أول تلك العوامل ما يتعلق بـ "نمو مستويات الأجور في اليابان"؛ على اعتبار أن زيادة الأجور تغذي ارتفاع معدلات التضخم.
- يشار هنا إلى أن الشركات اليابانية الكبرى، كانت قد وافقت في وقت سابق من العام الجاري على أكبر زيادات في الأجور منذ ربع قرن.
- اتحاد النقابات العمالية اليابانية "رينجو"، ذكر أن الشركات الكبرى في اليابان وافقت خلال محادثاتها العمالية السنوية على متوسط زيادة في الأجور بنسبة 3.8 بالمئة في السنة المالية الجديدة.
أما ثاني العوامل التي يشير إليها سلهب، من بين العوامل الرئيسية المؤثرة في مسار العملة اليابانية، هو ما يتعلق بمعدلات التضخم التي هي عند 3.2 بالمئة، وهو المستوى الأعلى منذ أكثر من ثلاثة عقود، بينما يعمل المركزي الياباني على إعادة التضخم إلى مستوياته المستهدفة عند 2 بالمئة.
- أظهرت أحدث البيانات الحكومية، أن أسعار المستهلكين الأساسية في العاصمة اليابانية ارتفعت 3.2 بالمئة في يونيو على أساس سنوي، متجاوزة المستوى الذي يستهدفه بنك اليابان (المركزي) عند 2 بالمئة للشهر الـ 13 على التوالي في مؤشر على اتساع نطاق الضغوط التضخمية.
- جاءت الزيادة الأخيرة بعد زيادة نسبتها 3.1 بالمئة في مايو. وكان متوسط توقعات السوق أن تبلغ الزيادة 3.3 بالمئة.
- أظهرت بيانات منفصلة تراجع إنتاج المصانع أكثر من المتوقع في مايو.
- يسلط ذلك الضوء على المخاطر التي يواجهها الاقتصاد المعتمد على التصدير مع تأثر آفاق الطلب العالمي بدورة تشديد نقدي قوية في الولايات المتحدة وضعف النمو في الصين.
سياسات بنك اليابان
العامل الثالث في تقدير كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، هو ما يتعلق بالقرارات المرتقبة لبنك اليابان، موضحاً أنه "من الصعب على بنك اليابان أن يقرر تغيير السياسة النقدية قبل أن يصدر الفيدرالي الأميركي قراره بعد قرابة أسبوعين من الآن".
وكان بنك اليابان قد أعلن منتصف الشهر الماضي، المحافظة على سياساته النقدية طويلة الأمد والمتساهلة جدا وسط مساعيه لتعزيز النمو الاقتصادي. بينما تترقب الأسواق الاجتماع الجديد هذا الشهر.
أما العامل الرابع الذي يتوقف عليه مسار الين الياباني، هو ما يتعلق بإمكانية تدخل بنك اليابان. وذلك في الوقت الذي يعتقد فيه محللون بأنه من المرجح أن تبقي أرقام التضخم في طوكيو على التوقعات بأن يتخلى بنك اليابان تدريجياً عن إجراءات التحفيز واسعة النطاق هذا العام. وتعتبر أرقام التضخم في طوكيو مؤشرا أوليا على الاتجاهات في باقي أنحاء الدولة.
لكن سلهب يقول إن تدخل بنك اليابان مرتبط بشكل أو بآخر بهذه العوامل، موضحاً أن البنك هو من يسيطر ويتحكم في منح عائدات السندات التي ترتبط بقوة أو ضعف الين. وتستقر تلك العوائد عند 0.4 بالمئة على سندات الـ 10 سنوات، ولا يسمح البنك لهذه الودائع بالارتفاع.
وتبعاً لذلك، فإنه "إذا ما استمر الين في التراجع، وإذا ظل التضخم في ارتفاع، سيكون بنك اليابان مجبراً على أن يتدخل لرفع سقف العائد على سندات الحكومة اليابانية، وبالتالي إعطاء المجال للين من أجل أن يرتفع قليلاً في المرحلة المقبلة".
وكانت السلطات اليابانية قد تدخلت للمرة الأولى منذ العام 1998 لدعم الين، في سبتمبر 2022، عندما انخفض الين إلى 145 مقابل الدولار. وضخت وزارة المالية حوالي 68 مليار دولار لدعم الين في ثلاث جلسات تداول مختلفة.
ولا يعتقد كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss، بأن بنك اليابان سوف يتدخل إلا عندما يصل الين إلى ذلك المستوى مرة أخرى، وبعد قرار الفيدرالي الأميركي المنتظر، مشيراً إلى أن التدخل الآن مستبعد.
يتسق ذلك مع تقديرات سابقة لـ HSBC، تضمنت الإشارة إلى أن البنك الياباني سوف يتدخل عندما يصل الين إلى مستويات 145 مقابل الدولار.
ويتابع: "لن يغامر بنك اليابان بجر البلاد إلى الركود ورفع الفائدة.. ربما من مصلحة اليابان حالياً الإبقاء على الين الضعيف بدون مبالغة، والإبقاء على السياسة النقدية متكيفة ومتساهلة".
وخالف البنك المركزي الياباني النهج السائد، في وقت تعمل البنوك المركزية العالمية على رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، مما أدى إلى انخفاض قيمة الين مقابل الدولار.
ومن بين العوامل التي يسوقها سلهب لدعم وجهة نظره بخصوص مصلحة اليابان الإبقاء حالياً على الين الضعيف ما لم يتسبب في اضطرابات اقتصادية داخلية، هو ما يتعلق بمسألة "التبادل التجاي مع الصين". ويوضح في ذلك السياق، أنه "بالنسبة للاقتصاد الياباني الذي يعتمد على الصادرات، كلما ارتفع الين في الأسواق العالمية كلما أصبحت المنتجات اليابانية أغلى مقابل المنتجات الواردة من الصين، التي تجاوزت اليابان في صناعة السيارات التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد طوكيو".
مستقبل "الملاذ الآمن"!
وبينما كان الين قد اكتسب لقب الملاذ الآمن بين العملات التي يلجأ إليها المستثمرون للحفاظ على قيمة مدخراتهم بدعم من حالة الاستقرار التي شهدها لسنوات طويلة، يعتقد سلهب بأنه: "في المرحلة الحالية يجب أن نكون منطقيين في تقديرنا لقوة الين.. لا أعتقد بأن العملة اليابانية سوف تكتسب زخماً قوياً إلا في حالة بدأت مؤشرات الأسهم القوية في التراجع وبدأ الاقتصاد العالمي يعطي إشارات ركود قاسية.. عند ذلك سوف نرى قوة الين".
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن الين يعد من عملات الاحتياطي الدولي، فهو من العملات المهمة على مستوى العالم وله ثقله، ويعتبر من الملاذات الآمنة "لكنه تأثر بشكل واضح خلال الفترة الماضية بعديد من العوامل التي أدت لانخفاض قيمته على نحو واسع".
أهم تلك العوامل -في تقدير الإدريسي- هو ما يتعلق بعدم اتخاذ بنك اليابان إجراءات رفع سعر الفائدة، وعدم مواكبته اتجاهات معظم البنوك المركزية بالاقتصادات الكبرى، وعلى رأسها الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي وبنك انجلترا، الأمر الذي دفع المستثمرين -محليين وأجانب- إلى سحب استثماراتهم بحثاً عن أسعار الفائدة المرتفعة في أسواق أخرى، وهروب الأموال الساخنة، ما أثر على سعر صرف الين وتراجعه أمام العملات الأخرى.
من بين العوامل التي يشير إليها الخبير الاقتصادي كذلك في هذا السياق، ما يتعلق باتجاه عديد من الدول إلى الذهب كملاذ آمن لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة عالمياً. ويضيف إلى تلك العوامل كذلك "الصدمات المستمرة على المستوى العالمي، وفي ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، ومن قبلها تداعيات كورونا، وتأثر التجارة الدولية بالنسبة لليابان نتيجة الصدمات التي يواجهها الاقتصاد العالمي".
تدخل محتمل
وأمام تلك المعطيات، يعتقد الإدريسي بأن "بنك اليابان يُنتظر أن يتدخل لدعم العملة بشكل واضح (..) على اعتبار أن تراجع الين إلى تلك المستويات ليس في صالح الاقتصاد الياباني على الإطلاق"، موضحاً أن بنك اليابان في تقديراته لعدم رفع الفائدة كان يراهن على مناخ الاستثمار الذي تتمتع به طوكيو، وكان يستهدف الحفاظ على مستويات مقبولة من الفائدة لتحفيز الاستثمار وتخفيف التكاليف والأعباء من على كاهل المستثمرين، بينما الاضطرابات الاقتصادية وحالة عدم اليقين الاقتصادي على المستوى العالمي، أثرت على تلك الرؤية التي كان يراهن عليها بنك اليابان.
ويستطرد: "قد تكون السياسات النقدية لبنك اليابان قد فشلت، إلا أن الاقتصاد الياباني اقتصاد قوي ولديه من المقومات ما يمكنه من خلالها العودة لواجهة العالم، وبالتالي فإن المبالغة بتصوير انهيار العملة اليابانية والاقتصاد الياباني أمر غير منطقي.. صحيح أن سعر صرف الين تراجع بشكل كبير، لكن على الجانب الآخر لا تزال معدلات التضخم في مستويات مقبولة إلى حد ما في ظل الظروف العالمية الحالية، فضلاً عن حفاظ البنك على مستويات معيشة مناسبة لليابانيين".