"خسائر فادحة".. خدمة الديون تعصف بالعملات الأفريقية!
16:04 - 05 يوليو 2023تراجعت خلال النصف الأول من 2023 قيم العملات المحلية في أفريقيا بنسب تراوحت بين 20 إلى 70 بالمئة؛ لأسباب داخلية وخارجية أبرزها تراجع الاحتياطيات المحلية من النقد الأجنبي بفعل ارتفاع تكاليف خدمة الديون البالغة 100 مليار دولار سنويا، وزيادة أسعار الفائدة الأميركية الأمر الذي أدى إلى ضغوط تضخمية عالية في تلك البلدان.
وفي مايو رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة إلى 5.25 بالمئة وهو أعلى مستو له منذ 16 عاما.
وبالنسبة للعديد من المحللين فإن تضخم ديون البلدان الأفريقية البالغة حاليا نحو 1.1 تريليون دولار هو العامل المشترك في الأزمة الهيكلية التي تعاني منها اقتصادات تلك الدول.
أزمة الديون
تتركز 66 بالمئة من ديون القارة الأفريقية في 9 بلدان تتصدرها جنوب أفريقيا بحصة 15 بالمئة؛ لكن وفقا لصندوق النقد الدولي فإن 22 دولة أفريقية تعاني بالفعل من أعباء الديون أو غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين.
وخلال العقدين الماضيين أفرطت البلدان الأفريقية في الإقراض دون استخدام تلك القروض في تحريك عجلة الإنتاج؛ الأمر الذي شكل ضربة مزدوجة للاقتصادات الأفريقية؛ حيث تضغط أقساط خدمة الديون على ميزانيات العديد من البلدان وتستقطع أكثر من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ مما أدى إلى إضعاف العملات المحلية.
وتعود الأسباب الرئيسية لتراجع قيمة العملات الوطنية في أفريقيا إلى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية، إذ أن معظم العملات الأفريقية مقومة بالدولار؛ إضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول للحد من آثار تراكم الديون مثل نيجيريا التي لجأت إلى معالجة الأزمة من خلال إعادة هيكلة الدين المحلي البالغ نحو 45 مليار دولار عبر طرح سندات طويلة الأجل للمستثمرين المحليين والدوليين مما أدى إلى زيادة معدلات التضخم؛ كما عملت جنوب أفريقيا إلى تخفيض قيمة علمتها "الراند" ورفع عوائد السندات والودائع من أجل استعادة زخم الاستثمار الأجنبي.
ووفقا لمحللين، تحدثوا لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، فإن تلك الإجراءات عكست المخاطر التي تمر بها اقتصادات العديد من البلدان الأفريقية.
ويشير إريك أسيبي؛ أستاذ الاقتصاد في جامعة غانا؛ إلى الضغوط الكبيرة الناجمة عن الارتفاع الكبير في نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ويوضح أن إعادة هيكلة الديون كجزء من تدابير إعادة الاقتصاد إلى مساره هو الخيار الوحيد المتاح الآن أمام البلدان الأفريقية المثقلة بالديون مثل غانا وغيرها. ويوضح "إعادة الهيكلة عملية مؤلمة لكنها ضرورية إذا تمت بشكل جيد".
ضغوط كبيرة
تضغط خدمة الدين الخارجي بشكل كبير على المالية العامة في البلدان ذات الاستدانة العالية مثل جنوب أفريقيا وأنغولا والسودان ونيجيريا وغانا وزامبيا.
وعلى الرغم من تمتع معظم تلك البلدان بموارد طبيعية ضخمة؛ إلا أن ذلك لا يخفف من ضغط الديون على الاقتصادات الأفريقية وذلك لأسباب عديدة تتمثل في عدم القدرة على الاستغلال الامثل لتلك الموارد إضافة إلى الوضع المتردي للاقتصاد العالمي وتشديد السياسات النقدية في الدول الغربية وارتفاع تكاليف خدمة الديون والتضخم وأسعار الفائدة والزيادة الكبيرة في تكلفة المخاطر؛ وفقدان معظم العملات الأفريقية قيمتها مقابل العملات الرئيسية.
معضلة الاستيراد
تستورد القارة الأفريقية ما قيمته 700 مليار دولار سنويا من السلع. وفي ظل اعتماد البلدان الأفريقية على الأسواق الخارجية لتلبية نحو 60 بالمئة من احتياجات الطاقة والغذاء؛ يرى محللون أن انخفاض قيم العملات المحلية يشكل ضغطا كبيرا على المالية العامة ويؤدي إلى زيادة تكاليف المعيشة في قارة يعيش أكثر من ربع سكانها البالغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة تحت خط الفقر.
ووفقا للمحللين، فإن العملات الأكثر انخفاضا مثل "الشلن" الكيني و"السدي" الغاني و"النيرة" النيجيرية والتي فاقت نسبة هبوطها 45 بالمئة خلال الأشهر الست الماضية ستعاني كثيرا في كبح معدلات التضخم التي تراوحت بين 30 و 70 في المئة؛ مما يجعل من الصعب على صناع السياسات الموازنة بين إبقاء التضخم تحت السيطرة وتحقيق الانتعاش الذي لا يزال هشًا.
وتكمن المعضلة الكبرى في صعوبة جذب الاستثمارات الخارجية؛ حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة إلى دفع المستثمرين بعيدًا عن دول المنطقة والاتجاه نحو سندات الخزانة الأميركية الأكثر أمانًا والأعلى عائدا.
وفي الجانب الآخر، انخفض الطلب على صادرات المنطقة خلال النصف الاول من 2023 بنحو 12 بالمئة بسبب تباطؤ الاستهلاك والطلب في الاقتصادات العالمية الرئيسية؛ وتفاقم الأمر أكثر في ظل ارتفاع أسعار النفط والغذاء بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا وارتفاع تكاليف الاستيراد.
وأدت كل تلك العوامل إلى رفع معدلات العجز في معظم موازنات دول المنطقة بنسب تراوحت بين 4 إلى 15 بالمئة؛ وهو ما انعكس سلبا على أسعار الصرف التي ترفع بدورها قيم الدين الخارجي - المتضخمة أصلا - بنسب تصل إلى الضعف في بعض البلدان عند تقويمها بالناتج المحلي المحسوب بالعملات الوطنية.
وبسبب النقص الكبير في الاحتياطات النقدية الناجم عن تغطية خدمة الديون؛ فقدت الكثير من البلدان الأفريقية القدرة على التدخل في سوق الصرف الذي يسيطر السوق الموازي على أكثر من 60 في المئة من تداولاته اليومية؛ وقلص ذلك بالتالي من قدرة الحكومات والبنوك المركزية على توفير النقد الأجنبي للمستوردين.