ناغورني كاراباخ.. صراع العرق والدين والتحالف
18:53 - 04 يوليو 2023في كل حدث تاريخي، صراع، حرب، استقلال، لابد أن تجد خليطا من عدة عوامل، التاريخ طبعا في المقدمة يلعب دوره المعتاد، الجغرافيا عادة ما تطل بوجهها هي الاخرى، العرق أحيانا، الدين أحيانا أخرى، ثم تأتي السياسة لتشعل طرف خيط هذا الخليط من البارود.
لكن بعض الصراعات تتداخل فيها العوامل السابقة كلها، فتؤدي إلى مشكلة قد تستمر قرونا. ومن نماذج هذه الصراعات، الصراع على ناغورني كاراباخ.
وإقليم قرة باغ أو ناغورنو كاراباخ كما ينطقه الآذريون، وأرتساخ كما يفضل الأرمن أن يطلقوا عليه، هو إقليم تبلغ مساحته أكثر من 4400 كيلومتر مربع، وعدد سكانه نحو مئة وخمسين ألف شخص.
صراع الإمبراطوريات
والإقليم يقع داخل أذربيجان ذات الأغلبية التركية المسلمة، وبالقرب من أرمينيا المسيحية المجاورة، لكن قبل وجود هذه الجمهوريات، كانت المنطقة كلها في خضم صراعات بين إمبراطوريات المنطقة كالروس، والعثمانيين، والفرس.
ففي وقت قوة الدولة العثمانية، سيطر عليه الأتراك، ثم لما ضعفت قبضة العثمانيين، أصبح خاضعا للإمبراطورية القيصرية الروسية في عام 1813.
ولما اندلعت الحرب العالمية الاولى تواجه الأتراك والروس، ونظر الأتراك بعين الشك للأرمن خاصة مع وجود عداء تاريخي بين الجانبين.
وبنهاية الحرب العالمية الاولى، كان المشهد كله يتغير، سقطت الدولة العثمانية في تركيا وسقط حكم القياصرة في روسيا، وأصبح هناك طرفان جديدان للنزاع هما الجمهوريتان المستقلتان حديثا: أرمينيا وأذربيجان وفي الوسط بينهما اقليم ناغورني كارباخ.
ولم ينتظر الطرفان كثيرا واندلعت حرب بينهما في عام 1918، ثم تجددت في عام 1920 وحتى عام 22 في حرب أقرب لحرب العصابات.
ديناميت صنعه السوفييت
ولما ظهر الاتحاد السوفيتي على الساحة هيمن على المنطقة كلها، وبدأ في اعتماد تقسيمات جغرافية وعرقية مختلفة عن ذي قبل.
وكان السوفييت يؤمنون بأنه من أجل السيطرة على هذه المساحة الشاسعة من الأراضي التي تتجاوز أثنين وعشرين مليون كيلومتر مربع، تجمع ملايين البشر من عرقيات وديانات وخلفيات مختلفة، فعليهم صهر كل هؤلاء بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الثقافية، بحيث لايكون هناك أي انتماء سوى الانتماء للأيدولوجية.
وكان من ضمن ذلك، أن أصبحت منطقة ناغورني كاراباخ منطقة حكم ذاتي تسكنها أغلبية أرمينية داخل حدود جمهورية أذربيجان السوفيتية.
لكن مع تراجع القبضة السوفيتية في أواخر الثمانينيات، تطورت الخلافات وتحولت إلى أعمال عنف.
عادت الخلافات في عام 1988، لما أعلن برلمان المنطقة رغبته بالانضمام لأرمينيا.
ثم تطورت الأمور بمواجهات مسلحة بين أذربيجان والأرمن في الإقليم مدعومين طبعا من جانب أرمينيا، أدى لمقتل ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف شخص ونزوح مئات الآلاف وحديث عن تطهير عرقي ومذابح بين الجانبين.
ومع انهيار الاتحاد السوفيتي، اندلعت حرب بين أذربيجان وأرمينيا، ونجحت أرمينيا في الحاق هزيمة كبيرة بأذربيجان استحوذت خلالها ليس فقط على ناغورني كاراباخ وإنما على سبع مناطق مجاورة له، لتخسر أذربيجان عشرين في المئة تقريبا من مساحتها في تلك الحرب، التي انتهت باتفاقية لوقف إطلاق النار في عام 1994.
لكن الاتفاقية جمدت الصراع فقط ولم تنهيه، خاصة بالنسبة للأذريين الذين شعروا أنهم تلقوا هزيمة مريرة، ولذلك عاد الصراع يتجدد في عام 2018، حين شنت أذربيجان هجوما استمر ستة اسابيع انتهى باستعادة خمسة أقاليم من التي سيطرت عليها أرمينيا في حرب عام 94، ثم بمفاوضات تحت رعاية روسية انسحب الأرمن من محافظتين آخريين كانتا تحت سيطرتهم.
ناغورني كاراباخ.. عداء العرق والدين بين أرمينيا وأذربيجان
صراع دولي
ومع أن وقفا لإطلاق النار تم التوصل إليه بين الجانبين، تتكرر المواجهات ويسقط قتلى في اشتباكات تجري بين الحين والآخر.
يعني باختصار يخرج الاقليم من حرب ليدخل في أخرى، يختلف فقط الفارق الزمني بين كل حرب واختها، مدعومة باهتمام دولي على المنطقة.
روسيا
فأولى الدول التي تهتم بالمنطقة هي روسيا -وريث الاتحاد السوفيتي – التي تعتبر تلك المنطقة فنائها الخلفي، وهي برغم تعاطفها مع أرمينيا، لم تبد حماسا في دعمها في الحرب الأخيرة نتيجة لتحدي رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين
كما أن روسيا لم ترغب في إغضاب تركيا حليفة أذربيجان صراحة، لوجود مصالح مشتركة بين الروس والأتراك.
تركيا
أما الأتراك فيدعمون أذربيجان لعدة أسباب، منها العداء التاريخي بين الأتراك والأرمن، كما أن الأتراك يعتبرون الأذريين جزءا منهم حتى إن الأتراك والأذريين يصفون أنفسهم بانهم بلدان وشعب واحد.
بالاضافة الى علاقات اقتصادية قوية جدا بين تركيا وأذربيجان، حيث يخرج النفط الآذري الى العالم عبر الاراضي التركية.
إيران
تجاور إيران كلا من أذربيجان وأرمينيا، وخلال الحرب بينهما، سقطت صواريخ داخل الأراضي الإيرانية، كما أن إيران يوجد بها نحو خمسة عشر مليون إيراني من أصل آذري.
ورسميا تدعم إيران حق أذربيجان في استرجاع ناغورني كارابخ، لكن أيضا هناك مصالح روسية إيرانية لدرجة أن أذربيجان اتهمت إيران بتسهيل نقل أسلحة روسية لأرمينيا.
إسرائيل
تسعى إسرائيل لتطويق ايران، ولذلك سعت لتعزيز تحالفها مع أذربيجان ذات الغالبية الشيعية، فقدمت دعما عسكريا لأذربيجان، اعترف به الرئيس الاذري نفسه، حين أعلن أن بلاده اشترت من تل ابيب أسلحة بقيمة خمسة مليارات دولار.
الولايات المتحدة
تسعى الولايات المتحدة للتواجد بنفوذها في المنطقة للتطويق روسيا والاستفادة من الفرص الاقتصادية في المنطقة.
التعقيد الشديد في حالة اقليم ناغورني كارباخ ماهو الا نموذج من نماذج كثيرة كانت هيمنة الدول العظمى فيها على منطقة ما سببا رئيسا في خلق او تأزيم صراع قد يمتد لسنوات او عقود.