اقتصاد تونس.. ضربات متكررة تهدده بالإفلاس!
17:36 - 29 يونيو 2023تواجه تونس أزمة شاملة في المالية العامة يمكن أن تزعزع استقرار البلاد مع آثار غير مباشرة قد يتردد صداها في منطقة وسط البحر المتوسط.
وعرضت دول أوروبية تقديم مساعدة بنحو مليار يورو لمحاولة إقناع تونس بالموافقة على برنامج لصندوق النقد الدولي، وكان يفترض وضع اللمسات النهائية على المقترح قبل اجتماع المجلس الأوروبي الخميس، لكن ذلك لم يحدث بعد.
وتستعرض هذه المقالة أسباب أزمة تونس والصعوبات التي تواجهها للحصول على خطة إنقاذ أجنبية، وإلى أين يمكن أن تتجه الأمور.
لماذا الشؤون المالية التونسية في حالة فوضى؟
تعرض الاقتصاد لضربات متكررة منذ انتفاضة 2011. فقد أضرت هجمات دامية لمتشددين عام 2015 بقطاع السياحة الحيوي وتسببت جائحة كوفيد في 2020 في انكماش الاقتصاد 8.8 بالمئة. كما دمر الجفاف الزراعة مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري.
وعلى مدى العقد الماضي، استمرت الائتلافات الحاكمة الهشة في تجنب اتخاذ قرارات صعبة. ويقول محللون إنها فشلت في التعامل مع مصالح تجارية قوية أعاقت المنافسة، فيما حاولت مُعالجة مشكلة البطالة من خلال زيادة التوظيف في الشركات الحكومية، والتي أصبحت غير مربحة.
وفي عام 2021، قال صندوق النقد الدولي إن فاتورة أجور الدولة تبلغ نحو 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أعلى المعدلات في العالم. بينما يمثل الدعم ثمانية بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وتمثل ديون الشركات الحكومية الخاسرة 40 بالمئة منه.
وبلغ عجز الموازنة العام الماضي 10 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي فيما بلغت ديون الدولة 77 بالمئة منه. ومن المتوقع أن تبلغ احتياجات الاقتراض الخارجي لهذا العام أكثر من خمسة مليارات دولار.
ما هي المخاطر الآن؟
يوجد بالفعل مؤشرات على التداعي منها اختفاء سلع أساسية مدعومة وأدوية من المتاجر بشكل دوري، مما يشير إلى مشاكل في تمويل الواردات. وفي العام الماضي تأخر صرف أجور بعض موظفي الدولة.
والمدة التي يمكن أن تصمد فيها تونس متروكة للتوقعات.
ومعظم ديون الدولة مستحقة للبنوك التونسية لكن الفرصة ضئيلة لإقراض الحكومة لمزيد من الدينارات.
ومن شأن طباعة النقود، لسداد الديون المستحقة للبنوك المحلية أو الوفاء بالتزامات أخرى، تقويض العملة التونسية مما قد يؤدي إلى تفاقم جميع المشاكل الأخرى.
وتخشى الأسواق الدولية أن تتخلف تونس عن سداد الديون السيادية.
وخفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني لتونس التي يجب أن تسدد أقساطا كبيرة في وقت لاحق من هذا العام.
وفي غضون ذلك، تضاءل احتياطي العملات الأجنبية بنحو الربع وهو ما يكفي لتغطية نفقات الواردات لمدة 91 يوما مقارنة مع 123 يوما قبل عام.
والنقطتان الوحيدتان المضيئتان هما تعافي قطاع السياحة ليُدر مزيدا من العملة الصعبة على البلاد وانخفاض أسعار الطاقة العالمية مقارنة بالعام الماضي لتنخفض فاتورة الوقود المتوقعة.
ماذا عن خطة الإنقاذ المقترحة من صندوق النقد الدولي؟
تفاوضت الحكومة التونسية على اتفاق مبدئي للحصول على قرض قيمته 1.9 مليار دولار من صندوق النقد في أكتوبر تشرين الأول الماضي، لكن المحادثات لوضع اللمسات النهائية توقفت منذ أشهر.
واستند الاتفاق على التزامات بوضع أسس أكثر استدامة للنهوض بالشؤون المالية التونسية وطمأنة المانحين بإمكانية سداد القروض، إلى جانب الإصلاحات التي تهدف إلى تنمية الاقتصاد.
واقترحت الحكومة توسيع القاعدة الضريبية وتنفيذ سياسات تستهدف مساعدة الفقراء لتحل محل الدعم الباهظ للوقود والغذاء وإعادة هيكلة الشركات الخاسرة المملوكة للدولة.
ما هي العراقيل؟
عارض الرئيس التونسي قيس سعيد بشدة مقترحات حكومته واصفا إياها بإملاءات من صندوق النقد.
وقال سعيد إنه يخشى تكرر الاضطرابات التي سقط فيها قتلى في الثمانينيات بسبب ارتفاع أسعار الخبز، وهي أحداث تعرف بانتفاضة الخبز.
ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل القوي، الذي يقول إنه يضم مليون عضو ويمكنه عرقلة الاقتصاد من خلال الإضرابات، خفض الدعم أو خصخصة الشركات المملوكة للدولة.
ولا يمكن التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد دون موافقة سعيد، ويريده المانحون أن يوافق عليه علنا لمنع تونس من محاولة التراجع عن الإصلاحات المتفق عليها بعد منحها الأموال.
وقال مسؤولون حكوميون إن تونس تحاول التفاوض على اتفاق معدل لا يشمل خفض الدعم، لكن ذلك قد يستغرق وقتا طويلا وقد تواجه البلاد صعوبة في إقناع المانحين بزيادة المساعدات.
هل يمكن أن تحصل تونس على الأموال من مكان آخر؟
يقول مانحون من الغرب ودول الخليج حتى الآن إن تقديم مساعدات ثنائية كبيرة يعتمد على إتمام تونس لاتفاق صندوق النقد.
ومع هذا، تخشى الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا، أن يؤدي انهيار الاقتصاد التونسي إلى تبعات منها تصاعد موجة الهجرة وظهور تهديدات جديدة من متشددين.
وعرض الاتحاد الأوروبي دعما بنحو مليار يورو، لكن يبدو أن معظمه مرتبط باتفاق صندوق النقد أو إصلاحات اقتصادية أخرى غير محددة.
وقد يتوفر حافز وقدرة على التدخل لدى جارتي تونس المصدرتين للنفط، الجزائر وليبيا. لكن ليس من الواضح على الإطلاق مقدار ما يمكن أن يقدمه أي منهما.
ويترك ذلك تونس تعتمد على منح أصغر بكثير للمساعدة في تغطية واردات معينة أو مشاريع تنموية أو غير ذلك من المشكلات الملحة بمبالغ أقل بكثير من متطلبات الموازنة الإجمالية.