بصفقة "JSR".. اليابان تستهدف السيطرة على شريان صناعة الرقائق
11:43 - 29 يونيو 2023يخوض العديد من الدول سباقاً محموماً في صناعة الرقائق الإلكترونية، التي باتت عنواناً للتنافس الدولي، حيث يتعين على أي دولة تسعى لامتلاك قدرات تكنولوجية وصناعية وعسكرية متطورة، السيطرة على تقنيات إنتاج الرقائق الإلكترونية.
ومن هنا، تحاول الدول عدم إهدار أي فرصة، تتيح لها تصدر المشهد في صناعة الرقائق، حتى لو تطلب الأمر تعبئة جميع الموارد الوطنية، لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي، وهذا ما فعلته الحكومة اليابانية منذ أيام، مع الإعلان عن خطتها للاستحواذ على شركة JSR Corp اليابانية الرائدة عالمياً في مجال انتاج المواد والمركبات، التي تلعب دوراً حاسماً في صناعة وإنتاج الرقائق.
السيطرة على الشركة بصفقة 6 مليارات دولار
وتسعى الحكومة اليابانية، من خلال صندوق الاستثمار (JIC) المدعوم منها، والذي تشرف عليه وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في البلاد، إلى السيطرة المباشرة على شركة JSR Corp بصفقة تصل قيمتها إلى 6.35 مليار دولار، وهو ما يمثل علاوة كبيرة على القيمة السوقية لـ JSR Corp البالغة 4.7 مليار دولار، والمسجلة قبل ساعات من الإعلان عن عرض الاستحواذ.
وصعدت أسهم JSR Corp بأكثر من 20 بالمئة، بعد الإعلان عن عرض الاستحواذ يوم الاثنين، وذلك على أمل أن يتم إبرام الصفقة، التي نالت موافقة مجلس إدارة الشركة، بانتظار نيل موافقة المساهمين في عرض مناقصة بحلول نهاية عام 2023.
شركة تصنيع مقاومات الضوء
وJSR Corp التي تأسست في عام 1957، هي شركة رائدة عالمياً، في تصنيع الـ photoresists أو ما يعرف بمقاومات الضوء، وواحدة من ثلاث شركات يابانية تهيمن على إمدادات العالم من البوليميد المفلور، وفلوريد الهيدروجين.
وتمتلك JSR نحو 30 في المئة من حصة السوق العالمية من مقاومات الضوء، وهي مادة حساسة للضوء، تستخدم في عملية الطباعة الضوئية والحفر الضوئي، وهذه العملية حاسمة في صناعة الإلكترونيات.
أما البوليميد المفلور وفلوريد الهيدروجين، فهي مواد ضرورية لصنع أشباه الموصلات، حيث يتم استخدامها في عملية طباعة التصميمات على الرقائق الإلكترونية.
استثمار استراتيجي
وترى الحكومة اليابانية أن خطوة امتلاكها لـ JSR Corp، هو استثمار استراتيجي سيمنحها نفوذاً أكبر في عالم التكنولوجيا، حيث تسعى البلاد إلى إحياء صناعة أشباه الموصلات، لدعم الأمن الاقتصادي.
ويقول مهندس الاتصالات، عيسى سعد الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ما قامت به الحكومة اليابانية، عبر صندوق الاستثمار (JIC) كانت خطوة مفاجئة، وأتت ضمن نهج "الحمائية التكنولوجية"، الذي يعتمده عدد متزايد من الحكومات في العالم، حيث تسعى الدولة اليابانية، إلى الاستفادة القصوى من عناصر قوتها، ورفع مكانتها كمورد للمواد والتكنولوجيا التي تحتاجها صناعة الرقائق.
وأشار إلى أن الحكومة اليابانية، ومن خلال هذه الصفقة الاستراتيجية، تكون قد أبعدت خطر الاستحواذ على JSR Corp من جهات خارجية، واحتفظت لنفسها بقدرة التحكم بمواد صناعية تتهافت الدول على امتلاكها.
وبحسب سعد الدين فإن مواد تصنيع الرقائق، هي إحدى نقاط القوة "الخفية" التي تحاول الدول الاستحواذ على حصة فيها، وهذا ما دفع بصندوق JIC الى وصفها بـ "شريان الحياة" للصناعة، فارتباط الرقائق الإلكترونية في كل ركن من أركان الاقتصاد الحديث، دفع الحكومة اليابانية، للمبادرة والسيطرة على كنز تكنولوجي تمتلكه، قبل أن يقوم طرف آخر بهذا الأمر.
وأضاف أن السيطرة على JSR Corp، يعني السيطرة على المواد الضرورية لصنع أشباه الموصلات، المستخدمة في الهواتف وأجهزة الكمبيوتر، وأنظمة الذكاء الاصطناعي والصناعة العسكرية، وغيرها الكثير من الأجهزة.
إرث منذ الثمانينات
من جهته يقول مهندس تكنولوجيا المعلومات، محمد الشامي، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن اليابان تمتلك حصة سوقية في عدد من المواد غير المعروفة بالنسبة للكثيرين، ولكنها مواد أساسية في عملية إنتاج الرقائق الإلكترونية، وصناعة أشباه الموصلات.
وأضاف أن هذا الإرث تقوده البلاد منذ الثمانينيات عبر الشركات الخاصة، ولكن عملية الاستحواذ على JSR Corp، يعني أنه من الآن وصاعداً سيكون للحكومة رأي مباشر، في القرارات المتعلقة بالأطرف التي تملك قدرة الحصول على هذه المواد، من شركات ودول أجنبية.
عملية الاستحواذ لا تريح بعض الدول
ويشرح الشامي أن المواد المرتبطة بتصنيع أشباه الموصلات، أصبحت ذات أهمية متزايدة باعتبارها مسألة تتعلق بالأمن القومي، ولذلك فإنه من الناحية الجيوسياسية، من شأن عملية الاستحواذ هذه، أن تجعل بعض الدول مثل الصين وحتى كوريا الجنوبية بوضع غير مريح.
وأوضح أن JSR Corp تتحكم بجزء من الإمداد العالمي للبوليميد المفلور وفلوريد الهيدروجين، وهي تزود شركات صينية وأميركية وكورية جنوبية بهذه المواد، وبالتالي فإن أي قرار يمكن أن تتخذه الحكومة اليابانية بهذا الشأن، قد يؤدي إلى إبطاء قدرة باقي على الفرقاء، على المنافسة في صناعة الرقائق وأشباه الوصلات، وخاصة الصين، التي باتت على علاقة متوترة مع اليابان، التي انحازت للجانب الأميركي، في القرارات المتعلقة بمنع بكين في الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة في صناعة الرقائق.
ويرى الشامي أن الحكومة اليابانية، باتت مدركة لما تمتلكه من عناصر قوة، وهذا ما جعلها تدفع 6.3 مليار دولار، قبل أن تتحول أسرار هذه الصناعة الى جهة أخرى، في وقت تتسابق فيه الدول لإنفاق مزيد من الأموال، لتحقيق مكاسب تمكنها من قيادة السوق في هذا المجال، واصفاً ما حصل بأنه جزء من "الموجة الحمائية" التي تجتاح مختلف دول العالم، والتي ستستمر في المرحلة المقبلة، خاصة في صناعة الرقائق، حيث يسعى كل طرف للسيطرة على ما أمكنه من مواد ومعلومات، تتعلق في صناعة تعتبر ركيزة الصناعات الرقمية في العالم.