ما الذي ينتظر مصر في السنة المالية الجديدة؟
16:35 - 28 يونيو 2023تستقبل مصر السنة المالية الجديدة (2023-2024) بآمال واسعة وتحديات تفرض نفسها على المشهد العام، وسط أعباء اقتصادية مختلفة، لعل على رأسها أزمة النقد الأجنبي، والفجوة بين السعر الرسمي للدولار والسوق الموازية.
يأتي ذلك في وقت تعاني فيه البلاد من جدول مزدحم بالتزامات الديون الخارجية التي يتعين الوفاء بها في توقيتات محددة، بحسب جدول سداد الدين الخارجي متوسط وطويل الأجل، المعلن من جانب البنك المركزي.
ورغم التحديات التي تواجهها مصر خلال السنة المالية الجديدة، إلا أن الحكومة المصرية تتبنى مجموعة من الرؤى والمستهدفات الخاصة والواردة في البيان المالي لمشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2023-2024، وأهمها:
- الاستمرار في جهود الحفاظ على الاستقرار المالي المتوازن في ظل تداعيات الأزمة الراهنة، وجهود مساندة النشاط الاقتصادي وتحفيزه دون الإخلال باستدامة مؤشرات الموازنة والدين.
- الاستمرار في دعم ومساندة القطاعات الإنتاجية والفئات الأكثر تأثراً بالأزمات الاقتصادية.
- استمرار جهود تحسين جودة البنية التحتية والتأكد من استفادة أوسع شريحة من المجتمع من تحسن الخدمات وجودة المرافق.
- دعم مبادرات محددة وإجراءات تعمل على تعزيز مجالات التنمية البشرية وبالأخص قطاعي الصحة والتعليم.
- مساندة بعض المشروعات القومية مثل رفع كفاءة وتحسين جميع الخدمات والبنية التحتية بالقرى المصرية من خلال مبادرة حياة كريمة.
- الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لضمان كفاءة تخصيص الموارد خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والضغوطات التضخمية على أسعار السلع الأساسية والغذائية.
- العمل على تعظيم العائد من أصول الدولة من خلال زيادة الفوائض المحولة إلى الخزانة العامة.
- حزم متكاملة من الإجراءات لدفع جهود التحول إلى الاقتصاد الأخضر وخفض الانبعاثات.
تحديات ضخمة
يقول مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، الدكتور مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن العام المالي الجديد "يحمل تحديات ضخمة أمام الاقتصاد المصري، لا سيما لجهة الحفاظ على مستويات تحقيق معدلات النمو المستهدفة، إلى جانب الاستدامة في تحقيق فائض أولي عبر زيادة معدل نمو الإيرادات العامة".
وتستهدف مصر خفض العجز الكلي إلى نحو 7 بالمئة من الناتج المحلي، وتحقيق فائض أولي قدره 2.5 بالمئة من الناتج المحلي.
ويشير أبوزيد إلى أن أغلب تلك الإيرادات تأتي عن طريق الإيرادات الضريبية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات العامة والتي تشمل الحكومة والقطاع الخاص في العام المالي الجديد، لا سيما في ظل اهتمام الدولة المصرية بتشجيع القطاع الخاص على زيادة مساهمته في الاستثمارات.
ويلفت إلى فرص جذب الاستثمارات من خلال وثيقة سياسة ملكية الدولة والتسهيلات المرتبطة بالعمليات الإجرائية لأي مستثمر وعلى رأسها إصدار الرخصة الذهبية وإتاحة 32 شركة أو أكثر لزيادة مساهمة القطاع الخاص بها.
يضيف الخبير الاقتصادي: "التحدى الأكبر أمام الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة، توفير الدولار لاستيراد مستلزمات الصناعة والإنتاج لزيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي".
- وتتوقع مصر إنفاق 2.99 تريليون جنيه مصري، وإيرادات بـ 2.14 تريليون جنيه في السنة المالية الجديدة.
- كما يتوقع أن يبلغ إجمالي العجز 824.4 مليار جنيه، بنسبة 6.96 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
- وتقدر الميزانية التي أقرها البرلمان، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 4.1 بالمئة، ومتوسط معدل تضخم يبلغ 16 بالمئة.
- كما تقدر الموازنة أن يصل متوسط الفائدة على أدوات الدين الحكومية إلى 18.5 بالمئة.
ويلفت أبوزيد، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تحسن المصادر الدولارية للاقتصاد المصري خاصة من إيرادات قناة السويس وحجم الصادرات المصرية وإيرادات السياحة.
وبلغت إيرادات قناة السويس 9.4 مليار دولار في السنة المالية 2022-2023، مقارنة مع سبعة مليارات في السنة المالية السابقة، بحسب البيانات الرسمية.
ويشير مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية، في الوقت نفسه ضمن المؤشرات الإيجابية، إلى أن زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، إلى أكثر من 9 تريليون جنيه، إنما يعكس دلالة على مدى مرونة وقوة الاقتصاد المصري، ما يسهم في تراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
ويشدد على أن معدلات التضخم الحالية سوف تستمر بالضغط على موازنة العام الجديد، خاصة فيما يتعلق باستيراد السلع الاستراتيجية وعلى رأسها القمح، وفي ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وبما يهدد بعدم ثبات أسعار كافة أنواع الحبوب والطاقة.
- أظهرت الموازنة المصرية للعام المالي الجديد، أن الحكومة ستخصص 127.7 مليار جنيه (4.14 مليار دولار) لبرنامج دعم الغذاء.
- قدرت الحكومة حاجة مصر إلى 8.25 مليون طن من القمح في السنة المالية المقبلة، وأن الموازنة وضعت على أساس سعر نفط قدره 80 دولارا للبرميل من خام برنت.
الجنيه المصري
وفيما يخص واحدة من أبرز الملفات وأهمها، هو ما يتعلق بالضغوطات التي تواجه العملة المصرية، يقول خبير أسواق المال، المحلل المالي مصطفى شفيع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الأزمة الرئيسية أمام الاقتصاد المصري في السنة المالية الجديدة، تتمثل في نقص العملات الأجنبية، موضحاً أنه سيكون من الضروري ضخ نقد أجنبي في الاقتصاد بطرق مختلفة لزيادة الاحتياطي قبل تحريك سعر العملة.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد ألمح إلى أن من المستبعد خفض قيمة العملة مرة أخرى قريبا وذلك في تصريحاته خلال مؤتمر للشباب، وقال إن تلك الخطوة من شأنها أن تضر بالأمن القومي والمواطنين.
وقدر "غولدمان ساكس" في تقرير له منتصف يونيو، حاجة البنك المركزى المصري إلى نحو 5 مليارات دولار تقريباً لتحقيق الهدف المعلن منذ نهاية الصيف الماضي بالوصول إلى سعر صرف مرن للعملة المحلية.
وتختلف التقديرات الصادرة عن عددٍ من المؤسسات المالية حول الأداء المتوقع للجنيه على المدى القصير، في وقت تشير فيه أقصى التقديرات لانخفاض عند حدود 35 جنيهاً للدولار الواحد (بحسب بنك كريدي سويس السويسري)، وأدنى التقديرات عند الثبات على 30 جنيهاً في الربع الثاني من العام (بحسب تقديرات جي بي مورغان).
بينما يتوقع محللون انتعاشة تدريجية مع جني ثمار السياسات الاقتصادية الحالية والمبادرات الحكومية ذات الصلة.
برنامج الطروحات
وفيما تعول مصر على برنامج الطروحات الخاص ببيع مجموعة من الأصول المملوكة للدولة لتوفير العملة الأجنبية، رجح "غولدمان ساكس" أن تكون وتيرة بيع الأصول "بطيئة" نسبياً، وذلك بالنظر إلى العوائق الهيكلية، وأبرزها انخفاض تقييم الأصول، في ظل ظروف السوق الحالي.
ويعتقد شفيع بأن أدوات الدين الحكومية لم تعد حلاً، في ضوء التأثير السلبي للأموال الساخنة، ومع اتباع سياسة التشديد النقدي عالمياً خلال الفترات الأخيرة.
وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، قد خفضت تصنيف مصر درجة واحدة من "بي +" إلى "بي"، مع تعديل النظرة المستقبلية إلى سلبية.
تحدثت الوكالة في بيان عن صعوبات التمويل الخارجي في ضوء الاحتياجات التمويلية للبلاد، وتشديد شروط التمويل الخارجي. لكن وزير المالية المصري، الدكتور محمد معيط، أكد قدرة بلاده على "الخروج من الأزمة الراهنة"، وذلك بدعمٍ من المؤشرات الراهنة على الصعيد الدولي، والمرتبطة بانخفاض معدلات التضخم وكذلك تراجع أسعار مواد السلع الغذائية.
وفي أواخر أبريل الماضي أعلنت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" أنها أعادت النظر في تقديراتها لدرجة آفاق الدين المصري من "مستقر" إلى "سلبي" بسبب "الحاجات الكبيرة لتمويلات خارجية" تتوقعها بشأن المالية العامة.
ويشير خبير أسواق المال في الوقت نفسه إلى الصعوبات التي قد تواجه تطبيق مستهدفات الموازنة، بقوله: "الموازنة التقديرية المعلنة تُطرح معها الكثير من الأسئلة حول مستقبل الاقتصاد المصري على المدى القصير.. وفي ضوء وصول حجم العجز إلى 824 مليار جنيه، بينما مستوى التضخم المستهدف البالغ 16 بالمئة فقط من الصعب الوصول إليه في ظل عدم ثبات مصادر التمويل الأجنبي".
وكان صندوق النقد الدولي أعلن مؤخراً أنَّه يترقب تنفيذ الحكومة المصرية لمزيد من الإصلاحات واسعة النطاق التي تعهدت بها، قبل إجراء مراجعة دورية لبرنامج الإنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار الذي وفّره الصندوق للبلاد نهاية العام الماضي.
أبرز الملفات
في السياق ذاته، تلخص الخبيرة الاقتصادية، منى مصطفى، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أبرز التحديات المستمرة في السنة المالية الجديدة، فيما يلي:
- تقليل الفجوة بين أسعار الصرف في السوق الرسمية والموازية ستكون أكبر مهمة أمام الاقتصاد المصري في السنة المالية الجديدة.
- ارتفاع معدلات التضخم، نتيجة استمرار ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي لا يمكن تخفيض الطلب عليها.
- الحفاظ على استقرار الوضع الاقتصادي الحالي بدون أن تتفاقم الأزمات المستمرة، سيكون من أكبر التحديات أمام واضعي السياسات المالية في الفترة المقبلة.
- تحقيق معدلات نمو إيجابية سيكون مهدداً في ظل استقرار مصادر الدخل بالعملة الأجنبية، بخلاف عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، رغم أن الأخيرة بدأت تتراجع أخيراً.
- التحدي الخاص بمدى نجاح زيادة مشاركة القطاع الخاص في الاستثمارات الكلية وفقاً للبرامج المعلنة من الحكومة.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري، ارتفاع معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر إلى 40.3 بالمئة في مايو من 38.6 بالمئة في أبريل.
كما أظهرت البيانات أن الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، المعد من قبل البنك المركزي المصري، سجل معدلاً شهرياً بلغ 2.9 بالمئة في مايو 2023 مقابل معدلاً شهرياً بلغ 1.6 بالمئة في ذات الشهر من العام السابق ومعدلاً شهرياً بلغ 1.7 بالمئة في أبريل 2023.