كيف تؤثر الأوضاع الاقتصادية على قطاع الترفيه؟
13:32 - 28 يونيو 2023فرص واسعة يتيحها قطاع الترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا سيما في ضوء الاهتمام الواسع الذي توليه حكومات عديدة بالمنطقة بهذا القطاع والقطاعات المرتبطة به، وفي خطٍ متوازٍ مع ما تتيحه البنى والآليات التكنولوجية الجديدة من أفكار مبتكرة، تعزز ديناميكية القطاع وتطوره السريع على مختلف الأصعدة.
تشير التقديرات، إلى أن قطاع الإعلام والترفيه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يتجه لتسجيل نمو سنوي مركب بنسبة 7.4 بالمئة خلال الأعوام من 2021 إلى 2026، ليصل إلى 47 مليار دولار، غير أن ثمة تحديات تفرض نفسها على القطاع ومستهدفاته، من بينها الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن التطورات الجيوسياسية التي يشهدها العالم وما خلقته من أزمات ممتدة، لا سيما فيما يتعلق باقتصادات البلدان الناشئة.
يتفاوت تأثير تلك التحديات من بلدٍ لآخر في المنطقة على حسب قدراته الاقتصادية؛ ففي الوقت الذي تتواصل فيه جهود تنمية وتطوير القطاع في بعض الدول، ثمة دول أخرى لا تزال تواجه صعوبة في توجيه مخصصات أوسع لتعزيز القطاع وتحقيق القيمة المضافة منه، فضلاً عن الإقبال الجماهيري على قنوات الترفيه المختلفة، في ظل معاناة عديد من الأسر -لا سيما في البلدان الأقل دخلاً للأفراد- وبما يدفعهم نحو تقليص نفقاتهم على غير الاحتياجات الأساسية.
قطاع أساسي
الخبير الاقتصادي، الدكتور سيد خضر، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن:
- حجم تأثر قطاع الترفيه بالأوضاع الاقتصادية في المنطقة العربية، يختلف من بلدٍ إلى بلد آخر، على حسب مستوى المعيشة ومتوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي، وما يترتب على ذلك من قدرة على الإنفاق على الترفيه دون الإخلال بالأساسيات والأولويات المعيشية.
- الإنفاق الحكومي والخاص على قطاع الترفيه ليس ترفاً أو أنه قطاع يُمكن تجاهله ضمن الأولويات الرئيسية في فترات الضغوطات الاقتصادية.
- "الأوضاع الاقتصادية الضاغطة في عديد من البلدان العربية على أثر تطورات الأوضاع على مستوى الاقتصاد العالمي في ظل التطورات الجيوسياسية المختلفة، بينما تؤثر على أولويات الإنفاق، إلا أن القطاعات المرتبطة بالترفيه، وأهمها القطاع السياحي، تأتي ضمن تلك الأولويات الاستثمارية، على اعتبار أن ذلك من شأنه المساهمة في تدفق الأموال العملة الصعبة".
- هناك دول تواجه أوضاعاً اقتصادية صعبة، وتعتمد ضمن مصادر دخلها الأساسية على عوائد السياحة، وبالتالي فإن تنمية قطاع الترفيه فيها وتطويره والترويج له أمر مهم وضروري في ظل تلك الأوضاع، باعتباره وسيلة لدعم الاقتصاد.
ويضيف: "تطوير قطاع الترفيه يجذب السائحين من الخارج ويجذب استثمارات داخلية وخارجية، وبالتالي يُمكن من خلال تلك العوائد تنشيط قطاعات أخرى تحظى بالأولوية وبما يسد العجز الحالي"، مشدداً على أهمية أن يكون هنالك توازن في الإتفاق على القطاعات التي تشكل مصدراً من مصادر الدخل المُهمة، لا سيما بالنسبة للدول التي تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي مثل تونس ومصر، بما لذلك من انعكاسات على تدفق العوائد السياحية.
ويشير خضر في هذا السياق إلى تجربة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، والطفرة التي يشهدها قطاع الترفيه فيهما، مع إنشاء مناطق ترفيهية خاصة، وفي ضوء الحرص على تنويع مصادر الدخل والموارد الاقتصادية"، مشيراً إلى أن دولاً عربية مختلفة -من بينها مصر بما تزخر به من مقومات سياحية خاصة- لديها الكثير من الفرص لتحقيق طفرة في هذا القطاع، من خلال الترويج له بشكل واضح وتخصيص استثمارات لتطويره.
طفرة في الخليج
ويوضح أن السعودية على سبيل المثال استطاعت أن تحقق نجاحاً كبيراً في هذا السياق، من خلال الهيئة العامة للترفيه، وما تقيمه من فعاليات ومشروعات خاصة، جعلتها قبلة عديد من المشاهير حول العالم، وبما يعزز قدرات المملكة في هذا القطاع والقطاع السياحي الذي لم يعد مرتبطاً فقط بالسياحة الدينية.
وفي هذا السياق، رصد تقرير حديث صادر عن منصة "فيفر" العالمية، المتخصصة في الفعاليات الترفيهية الحية، أبرز العوامل التي تدعم تعزيز قطاع الترفيه في دول الخليج بشكل خاص، لا سيما بعد جائحة كورونا، وسلط الضوء على مستهدفات بعض الدول في هذا السياق.
- استثمارات بنحو 69 مليار دولار تستهدف المملكة العربية السعودية ضخها بالقطاع بحلول 2030، وبما يوفر أكثر من 200 ألف وظيفة.
- 10 بالمئة نمواً متوقعاً بقطاع الترفيه والتسلية في دولة الإمارات بحلول العام 2027. وجذب 25 مليون سائح في 2025.
- ارتفعت مساهمة قطاع السياحة بنسبة 12 بالمئة في قطر جراء تنظيم كأس العالم وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية. وتسعى الدولة لاستقطاب 6 ملايين زائر سنوياً.
وأمام تلك الفرص الواسعة التي يوفرها القطاع في سياق جذب السياحة الخارجية، إلا أن عديداً من العقبات تواجهه على الصعيد الداخلي في عدد من البلدان العربية ذات الدخل المتوسط والمنخفض، لا سيما لجهة أثر العوامل الاقتصادية وتراجع القدرة الشرائية، سواء ضمن تبعات كورونا والحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وسلاسل الإمداد، وكذلك لجهة الأزمات التي تعاني منها بعض تلك الدول، وبما يلقي بظلاله على قطاع الترفيه، سواء لجهة الإنفاق على تطويره، وكذلك لجهة إقبال مواطني تلك الدول على الفعاليات الترفيهية والأنشطة المختلفة.
ضغوطات اقتصادية
يعبر عن ذلك المشهد الخبير الاقتصادي الأردني، حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصادي سكاي نيوز عربية" بالإشارة إلى الضغوطات الاقتصادية الواقعة على كاهل المواطنين في عديد من البلدان العربية، وبما يقلص من فرص إقبالهم على القطاعات المرتبطة بالترفيه، وذلك في مقابل إنفاق الدخل على الاحتياجات الأساسية.
ويشير إلى أنه بينما تشهد الأسعار ارتفاعاً مطرداً على وقع ارتفاع معدلات التضخم والعوامل الاقتصادية ذات الصلة، فإن دخل الأسر إما انخفض أو ظل ثابتاً فيما تراجعت القدرة الشرائية أو تراجع، وبالتالي يفرض ذلك أولوية ترتيب النفقات وإعادة توزيعها، وعادة ما يكون الترفيه في آخر أولويات الإنفاق بالنسبة للأسر الساعية إلى كفاية احتياجاتها الرئيسية من طعام وشراب وسكن ومواصلات وخلافه.
ويلفت الخبير الاقتصادي الأردني في الوقت نفسه إلى أن "قطاع الترفيه من بين العوامل التي دفعت معدلات التضخم للارتفاع في بلدان عربية، لا سيما أنه بعد التعافي من آثار جائحة كورونا وبعد فترة الإغلاق التي تكبد فيها القطاع خسائر كبيرة، عاد القطاع إلى نشاطه لكن الكلفة ارتفعت بشكل كبير، ما حمّل الأسر أعباء إضافية وبما عزز من معدلات التضخم".
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى تباطؤ نمو اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هذا العام بشكل حاد ليصل إلى 3.1 بالمئة و3.4 بالمئة في العام المقبل، مقارنة مع نمو بلغ 5.3 بالمئة في 2022، لعدة أسباب أبرزها الإجراءات التقييدية التي تتبعها الدول لمكافحة الارتفاعات الحادة في معدلات التضخم، والارتفاعات غير المسبوقة في معدلات الفائدة إلى جانب التداعيات المستمرة للأزمة الأوكرانية.
ويضيف عايش: "زيادة الكلف وارتفاع الأسعار يؤثر على قدرة الناس على الإنفاق على الترفيه والتمتع بما يدفع إليه فصل الصيف من نشاط سياحي وترفيهي"، مستشهداً بالوضع في الأردن، حيث أن الترفيه بالنسبة لبعض الأسر يكون عادة من خلال التنقل عبر المناطق ذهاباً وإياباً (رحلات اليوم الواحد) في الصيف، بينما قلة من الأردنيين الذين يستطيعون الحصول على إجازات طويلة، وآخرون يضطرون للاستدانة.
يعكس ذلك المشهد جانباً من التحديات التي تواجه قطاع الترفيه، سواء لجهة الإنفاق على تطويره من جانب الحكومة والقطاع الخاص، وكذلك إقبال الجمهور عليه في ضوء ما تفرضه الأوضاع الاقتصادية من ضغوطات واسعة تفرض إعادة ترتيب الأولويات المختلفة في ضوء ارتفاع الكلفة والأسعار المرتبطة بأوجه الترفيه بما في ذلك الأنشطة الفنية والثقافية وكذلك الحفلات وحتى الرحلات الصيفية وخلافه.
وكذلك تحت وطأة تلك الأوضاع الاقتصادية في بعض البلدان، تتصاعد مجموعة من التحديات الأخرى المرتبطة بقطاع الترفيه، من بينها عمليات الحصول على المُنتجات الترفيهية بشكل غير شرعي (المحتوى المرئي ومباريات الكرة والحفلات والألعاب وخلافه)، وغيرها من التحديات.