بعد مرور شهرين.. ما هي التبعات الاقتصادية للصراع في السودان؟
21:18 - 13 يونيو 2023بُعيد أيام يدخل الصراع الراهن في السودان شهره الثالث، وسط كُلفة باهظة على المستويات كافة، لا سيما على المستوى الاقتصادي الذي يدفع فاتورة مضاعفة للاضطرابات الحالية والأزمات الهيكلية الأساسية التي يعاني منها السودان.
وفيما لا تُوجد تقديرات دقيقة بخصوص حجم الخسائر التي مُني بها اقتصاد السودان على مدى شهرين تقريباً منذ اندلاع الصراع في 15 أبريل الماضي، إلا أن المعطيات الحالية في الخرطوم تعكس بشكل واضح جانباً من حجم الضرر الواسع الذي ألحقه الصراع باقتصاد البلد.
كما تكشف تلك المعطيات حقيقة أن كل يوم يمر يضيف مزيداً من الخسائر على الاقتصاد المحلي، فضلاً عن امتداد تلك التأثيرات على دول الجوار، وحتى دول جوار الجوار، بالنظر إلى محورية الموقع السوداني.
مشهد اقتصادي "قاتم"
يصف الخبير الاقتصادي السوداني، هيثم فتحي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، الوضع الآن -خاصة في الخرطوم- بـ "المشهد القاتم" بينما من المرجح أن تتفاقم المشكلات بشكل أكبر. ويشرح عدداً من عوامل الأزمة على النحو التالي:
- الخرطوم بدون مصانع تقريباً.. كل المصانع شبه توقفت إن لم تكن توقفت تماماً، علاوة على تدمير جزء كبير منها.
- العاصمة تعتمد على المواد الاستهلاكية التي تنتج داخل ولايات الخرطوم، والآن المصانع متوقفة.
- أكبر حصيلة إنتاجية وجمركية تتم من خلال المصانع الموجودة في الخرطوم والوحدات الاقتصادية المختلفة هناك إن كانت خدمية أو زراعية وصناعية.
- الإيرادات الضريبية الأعلى تأتي من الخرطوم كأكبر ولايات السودان وتضم عدداً كبيراً من الوحدات الاقتصادية، وبالتالي بتوقف الحياة هناك تتأثر إيرادات الدولة بهذا التوقف بشكل كبير.
- جل الشركات السودانية التي تقوم بالتصدير موجودة في الخرطوم.
ويلفت إلى أزمة الرواتب التي يعاني منها العاملون في القطاع الحكومي؛ إذ لم يتسلموا رواتبهم عن الشهر الماضي حتى الآن، وبعضهم لم يتسلم رواتب شهر أبريل، مضيفاً: "علاوة على ذلك، فإن هناك توقف في خدمات حكومية مختلفة، وبما يُنذر بكارثة" في قطاعات مختلفة من بينها الصحة والتعليم.
لكنّ على رغم من "المشهد القاتم" إلا أن ثمة بصيصاً من الأمل لا يزال يلوح في أفق الوضع الكائن بالسودان حالياً، يتحدث عنه الخبير الاقتصادي السوداني في معرض تصريحاته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، على النحو التالي:
- لدينا بعض الخيارات التي تشكل بصيصاً من الأمل فيما يخص معالجة التبعات الاقتصادية للوضع الراهن.
- السودان 18 ولاية، بينما الأوضاع أكثر التهاباً في ولاية واحدة وهي "الخرطوم"، وبالتالي يُمكن أن يكون هناك بعض الحلول والبدائل بالاعتماد على الولايات الأخرى، مثل ولاية الجزيرة، وهي ولاية زراعية مشهورة.
- بعض الحلول أيضاً تكمن في إمكانية نقل أعمال المصانع المتعطلة في الخرطوم إلى ولايات أخرى مستقرة لمباشرة الأعمال.
- هناك مصانع في الولايات الأخرى كانت طاقتها الإنتاجية قليلة، ويمكن لهذه المصانع أن تعمل بالطاقة بالقصوى لرفع وزيادة معدلات الإنتاج، لتعويض النقص بعد توقف عديد من المصانع.
- وبالنسبة للصارات، وفي وقت تُنتج فيه المواد في ولايات أخرى غير الخرطوم بينما الشركات المصدرة تقع في الخرطوم، يُمكن أن يكون هناك توجه مباشر من مناطق الإنتاج إلى مناطق التصدير عبر مصر أو ميناء بورتسودان.
ويختتم الخبير الاقتصادي السوداني، حديثه قائلاً: "نحتاج إلى خطة حكومية طارئة لحل المشكلة الاقتصادية، وتأمين توفير الخدمات وإيجاد الحلول والبدائل لما تم تدميره من منشآت اقتصادية".
يعاني الاقتصاد السوداني منذ سنوات من مشكلات هيكلية، وضعف في الإنتاج، وجرائم التهرب من الجمارك والضرائب، والتلاعب في الأسعار وفواتير الصادر والوارد؛ مما تسبب في خسارة السودان حوالي 5.4 مليار دولار بشكل سنوي.
كما تجاوزت خسائر العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان من الولايات المتحدة 40 مليارا و531 مليون دولار.
ولم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 0.3 بالمئة في نهاية 2022، وفق تقديرات البنك المركزي بالسودان، وتراجع معدل التضخم السنوي إلى 63.3 بالمئة في فبراير الماضي، بينما كانت النسبة في يناير 83 بالمئة.
تداعيات اقتصادية صعبة
من جانبه، يقول الخبير الاقتصاد السوداني، محمد الناير، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الصراع على مدى الشهرين الماضيين كانت له جملة من التداعيات الاقتصادية على السودان.
- أبرز القطاعات التي تأثرت تحديداً كانت فيما يخص مركز الثقل الصناعي في الخرطوم.
- بينما على الجانب الآخر، فإن القطاعين الزراعي والحيواني لم يتأثرا بنفس الدرجة، على اعتبار أن نشاطهما الرئيسي في ولايات مستقرة إلى حد كبير.
ويضيف: "بينما حجم التأثير الأكبر ليس بسبب الصراع فقط، ولكن بسبب عمليات النهب والسلب التي تمت وفقاً لظاهرة غريبة على الشعب السواني لم تكن معهودة من قبل.. وبالتالي أثر ذلك بصورة كبيرة على الاقتصاد، لا سيما على القطاع الخاص الذي تضرر كثيراً، سواءً بالنسبة للمصانع والمحال التجارية والشركات، والتي صارت عودتها للعمل مرة أخرى بنفس الكفاءة تحتاج إلى كثير من الوقت".
ويشير بموازاة ذلك إلى حجم الضغوطات الواسعة الملقاة على كاهل المواطن السوداني، خاصة مع الصعوبات في البنوك وعدم صرف المرتبات، وبما يتطلب جهداً من قبل الحكومة المدنية من أجل معالجة هذه الأوضاع".
وكانت لجنة "تكوين" التابعة لنقابة المهندسين السودانية، قد كشفت في وقت سابق عن توقف خدمات الدفع الإلكتروني بالمصارف نتيجة لعدم وجود خطة فعالة لدي بنك السودان والبنوك التجارية لاستمرار تلك الخدمة بحالة الطوارئ.
ومنذ 15 أبريل الماضي، تبادل طرفا النزاع الاتهامات بتسهيل وتنفيذ عمليات النهب والسطو على عدد من فروع بنوك العاصمة ومدن أخرى، وسط مخاوف المودعين من ضياع أموالهم.
وتنتشر حاليا العصابات المنظمة والمتخصصة بعمليات السرقة التي تسمى محلياً بـ"النيقرز" في ظل حالة الانفلات الأمني الذي تشهده البلاد، وفرار مئات السجناء منذ بدء الاشتباكات، وفق موقع "بي بي سي" البريطاني.
وبالعودة لتصريحات الناير، فإنه يستطرد قائلاً: "هناك صعوبات حقيقية فيما يخص الوضع المعيشي بالنسبة للمواطنين؛ خاصة أن العاملين بالقطاع العام لم تُعالج حتى الآن مشكلة رواتبهم بصورة أساسية، وهناك جهد مبذول من قبل الحكومة في هذا السياق.. لكن النشاط التجاري مستقر في حوالي 15 ولاية، وتتركز الإشكاليات في الخرطوم ودارفور".
وإلى ذلك، يتطرق الخبير الاقتصادي السوداني، إلى التبعات الاقتصادية للصراع على المستوى الأوسع، فيما يتعلق بالعلاقات التجارية مع دول العالم، وخاصة دول الجوار، موضحاً أنه "بالنسبة للموانئ التي تقع على ساحل البحر الأحمر فهي تقع في الولايات الشرقية المستقرة إلى حد كبير، ولا توجد بها مشكلة في الصادرات والواردات".
ويتابع الناير: "نسبة 80 بالمئة من الصادرات والواردات تتم عبر الموانئ البحرية على ساحل البحر الأحمر، و10 بالمئة تقريباً من خلال الطريق الرابط بين القاهرة والخرطوم، و10 بالمئة (معظمها صادرات الذهب) تتم عبر مطار الخرطوم المتوقف، وهناك بدائل ممثلة في مطاري دنقلا وبورتسودان".
ويصف صندوق النقد الدولي، الأزمة في السودان ب "الوضع المأساوي"، فوفقا لتصريحات نائبة المديرة العامة للصندوق، أنطوانيت ساييه، قالت فيها إن "الاقتصاد ينهار جراء الصراع الحالي".
المرحلة الأصعب
خبير الشؤون الأفريقية، رامي زهدي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "المرحلة الأصعب في السودان يبدو أنها لم تبدأ بعد، وأن الأيام المقبلة قد تكون أكثر إظلاماً وإيلاماً من الحالية"، مشيراً إلى مغبة الدخول في مرحلة الارتضاء بالأمر الواقع، وهي عملية فصل بين أحوال معيشية وإنسانية شديدة الصعوبة وتتدهور يوماً تلو الآخر وأعداد نزوح وفرار ولجوء لا تتوقف بل تتزايد، وفي نفس الوقت اقتتال لا يتوقف، وحلقة مفرغة من الهدن التي لم تنجح في أن تُفرض بشكل كامل وعادة ما يتم خرقها.
ويضيف: "الأوضاع الاقتصادية الداخلية هي بالتأكيد أسوأ من ذي قبل، على أساس أن الصراع قد فاقم الأمور صعوبة، وقد اعتمدت بعض الولايات على مخزونها الاستراتيجي الأساسي بعد احتدام الصراع"، موضحاً أن الصعوبات التي تواجهها الولايات تتفاقم في ضوء الاعتماد بشكل مركزي على الخرطوم كعاصمة.
ويضيف زهدي: "بينما يتم الحديث عن عودة الحياة نسبياً في بعض الأحياء بالخرطوم وولايات أخرى، فإن الأمر يبدو كعودة غير طبيعية، أي معايشة أو قبول بالوضع الراهن والتأهب لاقتتال طويل الأجل لن يتوقف حتى يستنفد أحد الطرفين قواه".
ويلفت إلى التقديرات "الصادمة" لحجم الخسائر اليومية في السودان، والتي تصل إلى نصف مليار دولار يومياً، مشيراً إلى الخسائر الناجمة عن تعطل حركة الشحن والتجارة وتوقف كثير من الأعمال الحكومية وغير ذلك.
وبحسب خبير الشؤون الأفريقية، فإن الأوضاع في السودان يمتد تأثيرها ليس فقط على دول الجوار السبع، إنما يصل إلى نحو 17 دولة أخرى (دول جوار الجوار) بالنظر إلى اعتبار السودان كدولة محورية في المنطقة وما لها من تأثير اقتصادي واستراتيجي وسياسي ومجتمعي "وبالتالي نحن نتحدث عن مشكلة إقليمية تتجاوز حدود القارة الأفريقية".
فالاقتصاد السوداني في الأصل، هو اقتصاد تقليدي قائم على الزراعة والتي تسهم بنسبة 48 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتمتص 61 بالمئة من القوى العاملة في البلاد.
ويملك هذا البلد 170 مليون فدان من الأراضي الصالحة للزراعة، بما يعادل 40 بالمئة من المساحات الزراعية في الدول العربية مجتمعة، وهو ما أهله لنيل لقب "سلة غذاء العالم".
لكن نيران الحرب المتقدة منذ منتصف أبريل الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، تلتهم سلة غذاء العالم بشكل متسارع لتترك ثقب كبير أثار مخاوف ما لا يقل عن 60 بالمئة من السودانيين يعتمدون على الزراعة والرعي، من التعرض لشبح المجاعة في ظل غياب كافة المعينات اللوجستية التي تمكنهم من الانخراط في الموسم الزراعي الصيفي.