هل تشكل الموازنة العراقية الجديدة بداية تنموية جادة؟
22:01 - 12 يونيو 2023أكد خبراء اقتصاد وطاقة في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الموازنة العراقية الجديدة تشمل تحسينات أساسية في البنية التحتية للبلاد، والتي دمرتها سنوات الإهمال والحروب، لكنهم في الوقت ذاته أشاروا إلى أن هذه الموازنة تكبد العراق عجزاً يعد الأكبر من نوعه منذ سنوات طويلة، ما يضاعف الديون على الحكومة ويضيف المزيد من أعباء خدمة الدين.
ووافق البرلمان العراقي، الإثنين، على موازنة البلاد لعام 2023، بمبلغ يصل إلى 198.9 تريليون دينار (153 مليار دولار)، تشمل إنفاقاً قياسياً على فاتورة أجور حكومية متزايدة، ومشروعات تنمية تهدف إلى تحسين الخدمات، وإعادة بناء البنية التحتية التي دمرها الإهمال والحرب، وفقاً بتقارير إعلامية عراقية اشارت إلى أن عجز موازنة العراق يبلغ مستوى قياسياً عند 64.36 تريليون دينار.
وتوقعت موازنة العراق، أن يجري تداول النفط خلال عام 2023 عند 70 دولاراً للبرميل، كما توقعت أن يصدّر العراق 3.5 مليون برميل يومياً، منها 400 ألف برميل من إقليم كردستان.
وكانت المادة 14 من الموازنة، التي تتعلق بحصة إقليم كردستان من الموازنة، قد تسببت في خلافات بين الكتل النيابية، حيث تتعلق هذه المادة بإيرادات النفط في إقليم كردستان، وتدقيقها من قبل ديوان الرقابة الاتحادي.
عجز كبير بالموازنة
يؤكد مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي عامر الشوبكي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الموازنة العراقية الجديدة تشمل تحسينات أساسية في البنية التحتية والتنمية الاجتماعية في البلاد، لكنه في الوقت ذاته يرى "أن هذه الموازنة تكبد العراق عجزاً يعد الأكبر من نوعه منذ سنوات طويلة، ما يضاعف الديون على الحكومة، ويضيف المزيد من أعباء خدمة الدين، من فوائد وأقساط على الموازنات القادمة، ويقدر تقريباً العجز بضعف عجز الموازنة الماضية، ما يقارب 25 بالمئة من إجمالي حجم الموازنة ليصل إلى نحو 40 مليار دولار".
ويوضح الشوبكي أن "عجز الموازنة يأتي أساساً، من الإنفاق الإضافي على الرواتب والأجور للقطاع العام، ومن المرجح أن تضيف الحكومة نحو 500 ألف وظيفة للقطاع العام، ما سيوسع التزاماتها بدفع الرواتب وسيضيف عليها أعباء جديدة، معتبراً ذلك نقطة ضعف في الموازنة التي اعتمدت سعر الصرف بواقع 1300 دينار لكل دولار، وسعر نفط عند 70 دولاراً للبرميل، وأي تحسن في سعر النفط، سوف يقلص من عجز الموازنة الحكومية، وكان على الحكومة العراقية بدل استنزاف الموازنة، بدفع رواتب موظفي القطاع العام، دعم مشاركة أكبر للقطاع الخاص في التنمية، وتخفيف الأعباء على الموازنة".
وتبدأ التنمية من مشاريع تتعلق بالبنية التحتية ومنها الشبكة الكهربائية، وخصوصاً مشاريع الربط الكهربائي مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تم رصد 220 مليون دولار لهذا الربط بقدرة 500 ميغاواط، وهناك ربط مع الأردن بتكلفة 140 مليون دولار، ما يساعد على توفير الكهرباء لعدد أكبر من المواطنين، بحسب الشوبكي.
خلاف بغداد وكردستان
وفيما يتعلق بإنهاء الخلاف بين الحكومة العراقية وكردستان، يضيف مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي الشوبكي، "بعد إقرار محكمة باريس للنزاعات الاقتصادية الاتفاق الذي ألزم تركيا على وقف صادرات النفط من كردستان، تم الاتفاق مع الحكومة العراقية بوضع إيرادات بيع النفط من كردستان في البنك المركزي في بغداد، لتكون الحكومة الاتحادية مشرفة على إنفاق هذا المبلغ على الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي، لكن حتى الآن لم تسمح تركيا باستعادة التصدير عبر ميناء جيهان، حيث تم الطلب من تركيا في مايو الماضي استئناف تصدير النفط من خلال الحكومة المركزية، بحيث توضع الإيرادات لدى الحكومة المركزية، ومن المرجح يتم استئناف التصدير نهاية يونيو الجاري".
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي، حسين القمزي، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، "الموازنة توضح بالتفصيل كيف ستنفق الحكومة الأموال على رواتب الموظفين العموميين وتحسين البنية التحتية والخدمات، أنها موازنة ضخمة والعجز المالي يقدر بنحو 64.36 تريليون دينار، ما يعني أن الحكومة ستنفق الحكومة أكثر مما لديها، وهذا سيضاعف العجز عن العام الماضي، وتتوقع الحكومة أن تكون عائدات النفط كبيرة، ولكن ليس هناك خطة بديلة فيما لو انخفضت أسعار النفط ،وهذا وارد جداً في ظل توفر نفط روسي رخيص في الأسواق، فقط هناك افتراض يعتمد على مكون واحد هو زيادة أسعار النفط، أما إذا انخفضت الأسعار فقد يضطر العراق إلى اقتراض المزيد من الأموال للحفاظ على إنفاقه".
ويصف القمزي زيادة عدد الموظفين ،وفقاً للموازنة بأكثر من نصف مليون موظف جديد في القطاع العام بالكارثة، مشيراً إلى أن "العراق يعاني أصلا من تخمة بسبب أعداد الموظفين الحاليين في القطاع العام، حيث ستتجاوز أجور ومزايا هؤلاء العمال الإضافيين 58 مليار دولار، فتوسيع فاتورة الرواتب العامة سيزيد العجز والضغط المالي والعراق لا يقوم بأي شيء لتقليل اعتماده على النفط".
أن إنهاء الخلاف بين الحكومة العراقية وكردستان حول النفط منح بغداد، سلطة إضافية على دخل نفط كردستان، من خلال إيداعه في حساب مصرفي تابع للحكومة الاتحادية، ومن ثم تدفع حصة حكومة كردستان إليها، ولكن لم تستأنف صادرات النفط الكردستانية الى الموانئ التركية حتى الآن، على الرغم من طلب العراق من تركيا ذلك في مايو الماضي، طبقاً لما قاله الخبير الاقتصادي القمزي.
فرص العمل والبطالة
الخبير الاقتصادي علي حمودي، يقول في تصريحه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، "هذه الموازنة تعد الأكبر في تاريخ البلاد، وهناك أمل بين أبناء الشعب العراقي أن تهدف الموازنة إلى خلق عشرات الآلاف من فرص العمل في القطاع العام. حيث أن الدولة التي عانت من عقود من الحروب والصراعات الطائفية في أعقاب الغزو العسكري الأميركي عام 2003، تريد تحسين الخدمات وإعادة بناء المرافق التي دمرتها الحرب".
ويضيف حمودي: "العراق هو أحد أسرع السكان نمواً في العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف من 43 مليوناً إلى حوالي 80 مليوناً بحلول عام 2050، في حين أن معظم الاقتصاد تقوده الدولة، مع ارتفاع معدلات البطالة إذ تشهد البلاد احتجاجات متكررة على نقص الوظائف والخدمات العامة".
من جهته، ينوه الخبير الاقتصادي، عضو مجلس أمناء مركز الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية، هاشم عقل، بأن القضية الأساسية التي تواجه الموازنة هي تخلف البنية التحية، والإهمال في تطويرها وتحسينها، وخاصة الكهرباء حيث يعاني العراق عجزاً كهربائياً يقدر بـ 50 بالمئة، من الحاجة الفعلية ما دفع إلى مشاريع الربط الكهربائي مع الأردن وتركيا والخط الخليج المشترك، إلى جانب مشكلة أخرى وهي حرق الغاز المصاحب لإنتاج النفط، ما يضطر العراق إلى استيراد الغاز من إيران وهذا عبء آخر على الميزانية، حيث تصل المستوردات إلى 4 مليارات دولار.