"مستقبل أكثر اضطراباً" ينتظر ملاك العقارات في أوروبا!
20:00 - 08 يونيو 2023لا يزال قطاع العقارات في قلب القطاعات الأكثر تضرراً من التطورات الواسعة والمتسارعة التي شهدها الاقتصاد العالمي، ضمن مجموعة من التفاعلات المؤثرة مع التطورات المختلفة، بداية من جائحة كورونا ووصولاً إلى الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها الاقتصادية المختلفة.
في أوروبا على وجه التحديد تبدو أزمة القطاع أكثر عمقاً، حيث تواجه الشركات ضغوطات هائلة، وتنتظرهم عديد من المصاعب، لا سيما في ظل ارتفاع تكاليف الإقراض، فضلاً عن تراجع التقييمات، وبما أسهم في خسارة نحو 148 مليار دولار من قيمة تلك الأصول.
وبحسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ"، فإنه:
- لدى شركات العقارات حوالي 165 مليار دولار من السندات المستحقة حتى العام 2026.
- على الجانب الآخر، فإن البنوك تقلل من تعرضها للقطاع، علاوة على أن تكاليف الائتمان في أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية.
- ترك هذا الواقع بعض الشركات معرضة لخطر تخفيض تصنيفها إلى فئة غير مرغوب فيها، وبما جعل الاقتراض أكثر كلفة بالنسبة لها.
تشمل الرياح المعاكسة التي يواجهها المطورون انهياراً في قيم العقارات المكتبية والإدارية من لندن إلى برلين، بما يجعل العقارات هي الصناعة الأقل تفضيلاً حالياً بين مديري الصناديق للشهر الثالث على التوالي، وفقاً لمسح أجرته شركة Bank of America Corp.
وانخفض سعر المباني الإدارية الرئيسية في باريس وبرلين وأمستردام بأكثر من 30 بالمئة في 12 شهراً، وفقاً لشركة السمسرة Savills Pl.
وفي ظل تضخم الديون، سيتعين على عديد من شركات العقارات اللجوء إلى مبيعات الأصول وخفض توزيعات الأرباح، وذلك في محاولة للتعاطي مع مؤشرات تشير إلى "مستقبل أكثر اضطراباً".
واقتربت عمليات البيع من الذروة إلى القاع منذ أغسطس 2021، الأمر الذي دفع بمؤشر Stoxx 600 إلى مستوى قياسي منخفض.
عاصفة
من جانبه، يصف المدير الأكاديمي لمركز جامعة أوهايو للعقارات، زاهي بن دافيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، ما تُواجهه الشركات العقارية بـ "العاصفة"، مشيراً إلى أنها "تواجه ضغوطاً من جميع الجهات (زيادة أسعار الفائدة، وهبوط تقييمات الأصول، وتشديد اللوائح المصرفية، وعدم جاذبية القطاع حالياً بالنسبة لمديري الصناديق).
ويشدد على أهمية تبني هذه الشركات استراتيجيات مرنة للتنقل في هذه الأجواء المضطربة، مشيراً إلى أنه "يكمن في قلب المشكلة التي تواجه الشركاء عبء الديون الهائل، البالغ 165 مليار دولار والذي من المتوقع إعادة تمويله بحلول العام 2026".
ويتابع الخبير في القطاع العقاري في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- بدأت البنوك في الانسحاب من قطاع العقارات (تقليل تعرضها لهذا القطاع)، ما أجبر هذه الشركات على الوقوع في مأزق، ذلك أنه يتعين عليها اللجوء إلى خيارات إعادة التمويل الأكثر تكلفة.
- سيتعين على الشركات اتخاذ قرارات صعبة تبعاً لذلك.
- قد يكون من الضروري بيع الأصول وتقليل الأرباح والتحول، من أجل ضمان البقاء.
- يجب على الشركات إعادة تقييم نماذجها المالية للتكيف مع هذا العصر الجديد من الاقتراض المكلف.
ويضيف: "استخدمت عديد من الشركات بيئة الفائدة المنخفضة للوصول إلى روافع ديون عالية.. وبالتالي الإفراط في المديونية.. لقد تركت نهاية عصر الأموال الرخيصة (الفترة التي كانت أسعار الفائدة خلالها تقترب من الصفر) مثل هذه الشركات مكشوفة"، وظهرت الأزمة بوضوح بعد اتباع البنوك المركزية سياسة رفع الفائدة.
لكنه يعتقد بإمكانية أن تكون هنالك فرص حقيقية رغم التحديات الراهنة، من خلال مرور السوق بعملية تصحيح، ويقول: "على الرغم من أن هذا مؤلم على المدى القصير، إلا أنه قد يؤدي إلى ممارسات أكثر استدامة في المستقبل.. يمكن أن يخلق أيضاً فرصاً للمستثمرين الذين يبحثون عن أصول مقومة بأقل من قيمتها".
ويضيف: "ومع ذلك ، هذه ليست سوقاً لضعاف القلوب، سيكون الفهم الشامل للقطاع والتقييم الدقيق للمخاطر مفتاحاً لأولئك الذين يخططون لدخول السوق".
إعادة التمويل
ونقل تقرير بلومبيرغ عن رئيس أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في تشاتام فاينانشال، جاكي بوي، قوله: "قد يكون جدار الاستحقاق (بالإشارة إلى السندات المستحقة بقيمة 165 مليار دولار حتى العام 2026) حافزاً لحدوث الصفقات الجديدة، لأنه إذا لم يكن المقترضون قادرين على إعادة التمويل، فسيتعين عليهم الخروج.. سيكون هناك المزيد من الأصول المباعة في السوق عند مستويات محزنة".
استدل تقرير بلومبيرغ المشار إليه بحالة شركة العقارات السويدية Samhallsbyggnadsbolaget i Norden AB للإشارة إلى أزمة ملاك العقارات الأوروبيين، باعتبارها مثال حي لما حدث بالسوق:
- انخفض سعر سهم الشركة بأكثر من 90 بالمئة من أعلى مستوى له في التاريخ.
- تحوّلت الديون البالغة 8 مليارات دولار، التي استخدمت لبناء محفظة تتكون من أكثر من 2000 عقار، إلى عبء ثقيل بعد انتهاء فترة الأموال الرخيصة.
- وبينما تم بالفعل تخفيض تصنيف الشركة، تقوم السوق بتقدير احتمالات أن تتبعها شركات أخرى.
- وبحسب نموذج كمي تديره بلومبيرغ فإنه تم إصدار غالبية السندات العقارية على مؤشر السندات عالية الجودة باليورو من قبل الشركات التي تتمتع الآن بجودة ائتمانية أكثر نموذجية من تلك التي لديها حالة غير مرغوب فيها.
- ما لم يتمكنوا من تقليص أكوام ديونهم أو تنخفض معدلات الاقتراض مرة أخرى، فمن المحتمل أن يضطر هؤلاء إلى دفع معدلات أعلى مقابل ائتمانهم عندما يأتون في النهاية إلى إعادة التمويل.
زيادة حادة في الإنفاق
من جانبه، فإن خبير العقارات في بريطانيا، جوناثان رولاند، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "البنوك كانت بطيئة في رفع أسعار الفائدة بعد نهاية الوباء، وقد تراكمت الثروة ومع الرغبة في عودة الحياة إلى طبيعتها بعد الإغلاق، الأمر الذي أدى إلى زيادة حادة في الإنفاق لم يتوقعها سوى القليل".
ويتابع: "لقد أدت ندرة المواد والعمالة إلى ارتفاع الأسعار، وجعلت الحرب في أوكرانيا بعد ذلك الأمور أسوأ، إذ تسببت في ارتفاع التضخم الذي كافحته البنوك برفع أسعار الفائدة، وبما أثر على أولئك الذين يقترضون من أجل الاستثمار وبالتالي أدى هذا كله إلى انخفاض أسعار العقارات".
ويشير إلى صعوبة التنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية التي تنتظر القطاع، قائلاً: "من الصعب دائماً التنبؤ في مجال العقارات، خاصة الآن أكثر من أي وقت مضى.. ومع ذلك، فإذا استمر التضخم في الانخفاض كما يبدو فإن الضغوط لرفع أسعار الفائدة ستنخفض أكثر وقد تبدأ حتى في الانخفاض بحلول نهاية العام، وتبعاً لذلك فإذا حدث هذا ولم تتفاقم الأمور بسبب حدث عالمي آخر غير متوقع، فإن مستقبل العقارات يبدو مرضياً، بينما المستثمرين الذين ما زالوا شجعاناً بما يكفي للشراء يجب أن يكونوا أكثر حذراً من أي وقت مضى".
مستقبل "أسوأ"!
لكن على الجانب الآخر "فقد يكون هناك ما هو أسوأ في المستقبل"، إذ كتب المحلل في سيتي غروب، آرون جاي، في مذكرة هذا الشهر: "قد تنخفض قيم العقارات التجارية في أوروبا بنسبة تصل إلى 40 بالمئة بسبب انقلاب أسواق الدين"، بحسب بلومبيرغ.
وقد يتعين على ملاك العقارات زيادة رؤوس أموالهم بنحو 50 بالمئة عند إعادة تمويل أحد الأصول من أجل تلبية المعايير التي تفرضها البنوك وصناديق الائتمان الخاصة. وذلك على أساس معدل إعادة التمويل بنسبة 6 بالمئة.