"أوبك".. صمام أمان استقرار أسواق النفط
16:07 - 02 يونيو 2023تلعب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) دوراً رئيسياً كصمام أمان في استقرار أسواق النفط، ويُعول عليها في إحداث التوازن المطلوب، وسط مجموعة من التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم، مع ارتفاع معدلات التضخم، والسياسات المالية والنقدية المتبعة من قبل البنوك المركزية بموازاة ذلك، وأثر ذلك على تباطؤ النشاط الصناعي بالنسبة لعديد من الاقتصادات، لا سيما في الصين التي تعتبر أكبر مستورد عالمي للنفط.
ولطالما حرصت "أوبك" على الحوار الدائم والبنّاء بينها وبين جميع الشركاء والوكالات الدولية لضمان مصلحة كل الأطراف، وأيضاً تأمين استمرار النمو الاقتصادي العالمي الذي يعتمد بالأساس على الطاقة، دينامو الإنتاج الأساسي.
وفيما يُنظر للمنظمة على اعتبار أنها تشكل حجر الزاوية على هذا النحو، فإن الأنظار تتجه إلى فيينا، حيث يُعقد اجتماع أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها وعلى رأسهم روسيا، فيما يعرف باسم (أوبك +) في الرابع من يونيو الجاري، وهو الاجتماع الذي قد تتمخض عنه قرارات مفاجئة للأسواق ضمن السيناريوهات المطروحة.
تبني أوبك+ قراراتها وفق قراءة دقيقة للسوق ومعدلات العرض والطلب، والمؤشرات الاقتصادية ذات الصلة، في ظل حالة عدم اليقين المسيطرة على المشهد الاقتصادي العالمي حالياً، ويُعول عليها من منطلق ذلك لاتخاذ قرارات لحفظ توازن السوق وسط غمار التقلبات الراهنة، وبما يحافظ على مستويات مناسبة للأسعار.
وكان وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، قد حذر المضاربين على النفط، قبل أيام من الاجتماع المرتقب لاتخاذ قرار بشأن سياسة النفط في المستقبل، وذكر خلال كلمة له بمنتدى قطر الاقتصادي، أن المضاربين، كما هو الحال في أي سوق، باقون، "أُبلغهم باستمرار بأنهم سيتألمون.. لقد تألموا في أبريل، لست مضطراً لكشف أوراقي؛ لكنني سأقول لهم فقط احذروا".
عززت تلك التصريحات حالة الترقب بالسوق، انتظاراً لقرارات جديدة من شأنها رسم سياسة النفط في المستقبل المنظور في ضوء التحولات الاقتصادية الراهنة وجملة التحديات التي تفرض نفسها على الساحة الاقتصادية.
قراءة جيدة للمستقبل
يقول الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- قرارات أوبك + السابقة كانت قرارات صائبة وممتازة.
- القرارات التي اتخذها التحالف كانت استقرائية بشكل جيد لما يحدث في السوق.
- تم اتخاذ القرارات بموجب هذه القراءة الصحيحة للمستقبل، بما مكن التحالف من المحافظة على مستويات مناسبة، خصوصاً في العام 2022.
- قبل ذلك، وفي فترة كورونا، كانت قرارات واتجاهات أوبك+ فاعلة ومؤثرة.
وحول الاجتماع المرتقب لأوبك+ وما قد يحمله من قرارات جديدة تؤثر بالتبعية على سوق النفط، يقول الطه: "لا أعتقد بأنه سيكون هناك قرار إلزامي بتخفيض الإنتاج، وإن حدثت قرارات بالخفض سيكون ذلك طوعياً".
ويُبرر ذلك بقوله إن بعض الدول المنتجة لا تستطيع إجراء مزيد من التخفيض في الوقت الحالي، لا سيما أن روسيا -وهي من أكبر المُنتجين- لا يُمكنها في ظل الظروف الحالية أن تخفض الإنتاج لأكثر من ذلك، مع العلم بأنه في العام 2022 كانت إيرادات النفط الروسية قد ارتفعت، رغم انخفاض الإنتاج، بينما جاء هذا الارتفاع بسبب زيادة الأسعار التي عوضت انخفاض الإنتاج".
ويلفت الخبير المالي والمحلل الاقتصادي، في السياق نفسه إلى التقارير الصادرة عن عددٍ من بيوت الخبرة والبنوك والمؤسسات الدولية، والتي تشير إلى أن أسعار النفط في الربع الثالث من العام الجاري سوف تشهد تعافياً لتدور في المتوسط فوق الـ 85 دولاراً للبرميل، وبعض البنوك جاءت تقديراتها للأسعار فوق الـ 90 دولاراً.
تبعث هذه التقديرات على التفاؤل، بحسب الطه، الذي يقول في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هذا النطاق السعري بين 85 و88 دولاراً في المتوسط كما جاء في تقديرات أهم عشر مؤسسات مالية، مناسب جداً بالنسبة للدول المنتجة وفي ظل الموازنات العامة لهذا العام.
ويضيف: "ومع ذلك، فإن قدرة أوبك+ على التمركز في سياستها النقدية تستند إلى دراسة اقتصادية بحتة بعيدة عن السياسة، وقد تمكنت من لعب هذا الدور الإيجابي في أسواق النفط بشكل عام".
أسعار النفط المتوقعة
وتتباين تقديرات المؤسسات المالية العالمية بخصوص أسعار النفط المتوقعة في الربع الثالث من العام الجاري 2023، كان أقصاها عند كل من جي بي مورغان تشيس (96 دولاراً للبرميل)، ثم يو بي إس غلوبال وسوسيتيه جنرال (95 دولاراً)، وإتش إس بي سي (92 دولاراً)، وغولدمان ساكس (89 دولاراً)، ثم ستاندرد تشارترد (88 دولاراً)، وحدد سيتي غروب السعر المتوقع عند (83 دولاراً للبرميل) ومورغان ستانلي عند 77.9 دولاراً للبرميل.
الخبير الاقتصادي الجزائري الهواري تيغرسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأسواق تنتظر قرارات مهمة جداً من أوبك+ وفي ضوء تضافر الجهود والاتفاق داخل التحالف، وبما يُمكن من التصدي لكل مقاومة أو ضغوط من خارج دول أوبك+ تسهم تلك القرارات في تحقيق التوازن في السوق العالمية اتساقاً مع الدور المنوط به.
ويشير إلى أن ثمة بعض الدول التي تريد الضغط على دول التحالف من خلال ممارسات سياسية في بعض الأحوال من أجل الدفع إلى زيادة الإنتاج وخفض الأسعار تبعاً لذلك، وهو ما يتسبب في أزمة بالنسبة لبرامج وسياسات الدول المنتجة للنفط (..) لكن المنظمة تتمتع بالصلابة ووضوح الأهداف التي تعطي حرية أكثر لأعضائها، وعلى أساس نظرة استراتيجية حقيقية وجادة.
ويشدد على أنه يُعوَل على القرارات المرتقبة في الاجتماع القادم في المساهمة في ضبط السوق العالمية، لا سيما بعد تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة ارتباطاً بعدد من التطورات والمؤشرات الاقتصادية (..)، مردفاً: "الأسواق تنتظر قراراً كما القرارات السابقة الهادفة لضبط الأسواق.. قد يتضمن ذلك إقرار خفض الإنتاج في المراحل المقبلة، بما يعطي للسوق أكثر حركية وبما ينعكس على الأسعار ويخدم اقتصادات الدول المنتجة التي ترتبط برامجها واستراتيجياتها بأسعار النفط".
في أبريل الماضي، أعلنت عدة دول مصدرة للنفط ضمن تحالف "أوبك+"، بما في ذلك السعودية والإمارات، عن خفض طوعي لإنتاج النفط، اعتبارا من مايو وحتى نهاية 2023، في خطوة تهدف إلى "تحقيق التوزان في سوق النفط". وكانت أوبك + قد قررت في شهر أكتوبر الماضي أيضاً خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً.
دور قيادي
من جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي السعودي، سالم باعجاجة، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى الدور القيادي الذي تقوم به منظمة الدول المصدرة للنفط في استقرار السوق، قائلاً:
- لقد لعبت دول أوبك دوراً قيادياً في تحقيق استقرار سوق النفط.
- أثبتت دول أوبك أنها مازالت صمام أمان، ومصدر موثوق لإمدادات النفط.
- تدخلت المملكة العربية السعودية بمساندة تحالف أوبك+ من أجل استقرار أسعار النفط العالمية.
- اعتمد العالم خلال الأزمة الروسية الأوكرانية على جهود تحالف أوبك+ لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط.
وتبعاً لذلك الدور القيادي الرئيسي، يشير الخبير الاقتصادي إلى الاجتماع المرتقب في فيينا، قائلاً: "من المتوقع أن يعمل اجتماع أوبك القادم على المحافظة على أسعار معقولة للمستهلك والمنتج معاً (بما يحقق التوازن في أسواق النفط)".
صمام أمان
وإلى ذلك، يشير الخبير الاقتصادي الاستاذ الجامعي البروفيسور مراد كواشي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن تحالف أوبك + أصبح يلعب دور صمام الأمان للحفاظ على مستويات الأسعار، رغم أن هذا الدور لم يعجب بعض القوى الاقتصادية في العالم، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض قرارات التحالف بخفض الإنتاج (..).
ويوضح أن تحالف أوبك+ يلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على مستويات الأسعار؛ مستشهداً بقرارات خفض الإنتاج الأخيرة، بوصفها قرارات تاريخية مؤثرة في هذا السياق.
كما يوضح في الوقت نفسه أن الاجتماع القادم للتحالف هو اجتماع يحظى بأهمية بالغة في ظل الظروف الحالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي، خاصة مع تراجع أسعار النفط في الآونة الأخيرة.
ويتابع: "وبالتالي فإن المجتمعين سوف يحاولون إيجاد حلول لهذه المشكلة، خاصة بالنظر إلى تراجع النشاط في الصين (..)"، مشيراً إلى أن عديداً من الأمور ترتبط بمدى تعافي الاقتصاد الصيني بعد الانفتاح الأخير، وسط توقعات بزيادة الطلب الصيني في وقت لاحق، ويعكف الخبراء على دراسة الوضع الحالي.
ويحدد الخبير الاقتصادي ثلاثة عوامل أساسية تفرض نفسها على الاجتماع، في ظل الظروف الجيوسياسية التي يمر بها العالم (تراجع أسعار النفط، والطلب الصيني، ومدى التزام روسيا بما وعدت به سابقاً من تحفيض حجم الإنتاج).
وتبعاً لذلك، يتوقع كواشي بأنه "ستكون هناك خطوات جديدة في الاجتماع المقبل، لكنها قد لا تبدو خطوات مفاجئة بالنظر إلى تصريحات وزير النفط السعودي الأخيرة التي حذر خلالها المضاربين.. وبالتالي كل المؤشرات توحي بأنه سوف يكون هناك تخفيض ولو طفيف للحفاظ على الأسعار في مستوى 80 دولاراً للبرميل".