بعد فوز "أردوغان".. الاقتصاد التركي إلى أين؟
13:10 - 29 مايو 2023أكد خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الاقتصاد التركي يعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة، وفي مقدمتها الانخفاض المستمر في قيمة الليرة التركية، والتضخم المرتفع، وتراجع الإنتاجية، مشيرين إلى أن هناك الكثير من الملفات أمام الرئيس رجب طيب أردوغان الفائز بولاية رئاسية جديدة، والتي تحتاج إلى معالجات سريعة لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد وتحقيق استقراره.
ويقترب سعر الليرة التركية مقابل الدولار من مستويات تاريخية متدنية عند 20.07 ليرة لكل دولار، أما التضخم فوصل إلى 44 بالمئة خلال أبريل الماضي، بعد تسجيله مستويات قياسية في أكتوبر 2022 عند 85.5 بالمئة، بحسب المعهد التركي للإحصاء.
وأبقى المركزي التركي في قراره الصادر نهاية الأسبوع الماضي معدلات الفائدة دون تغيير للشهر الثالث على التوالي، وذلك بعد أن خفضها بمقدار نصف نقطة مئوية في شهر فبراير الماضي، إذ قرر المركزي التركي تثبيت سعر الفائدة على سعر الليرة التركية عند 8.5 بالمئة.
وسيحقق الاقتصاد التركي بحسب تقرير البنك الدولي الصادر في أبريل الماضي، نمواً بنسبة 3.2 بالمئة في 2023، عوضا عن توقعات سابقة أفادت بنموه بنسبة 2.7 بالمئة فقط.، كما رفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد التركي للعام 2024 بنسبة 4.3 بالمئة بدلا من 4 بالمئة في السابق، وتوقع نسبة 4.1 بالمئة في العام 2025.
وتوقع التقرير الدولي أن يتسبب الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير الماضي في خسائر بنحو 34.2 مليار دولار.
الحكومة لم تتمكن من تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي تعهدت به
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي، يقول في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "يواجه الاقتصاد التركي في الوقت الحالي، تحديات عديدة، بما في ذلك الانخفاض المستمر في قيمة الليرة التركية، والتضخم المرتفع، وتراجع الإنتاجية، وحتى الآن، لم تتمكن الحكومة من تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي تعهدت به، ويبقى أمامها الكثير من التحديات لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، ومنها اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الثقة بالاستثمار في التركيا.
وبالإضافة إلى ذلك، العمل على تحسين الظروف المؤسسية وتعزيز الشفافية والمساءلة في القطاع العام والخاص، وإذا تمكنت الحكومة من تحقيق هذه الأهداف، فإنه يمكن أن يشهد الاقتصاد التركي تحولاً إيجابياً في المستقبل".
ففي السنوات الأولى من عهد الرئيس رجب طيب أردوغان ولغاية عام 2013، كان أداء الاقتصاد التركي جيداً، حيث بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي 6 بالمئة سنوياً، ويرجع ذلك جزئياً إلى تركيز الحكومة على الاستثمار في البنية التحتية والصادرات، وبعد عام 2013 عانى الاقتصاد التركي من تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 بالمئة في المتوسط سنوياً، تحت تأثير العديد من العوامل، بما في ذلك أزمة اللاجئين السوريين، والتباطؤ الاقتصادي العالمي، وعدم اليقين السياسي، طبقاً لما قاله الدكتور المصبح.
6 خطوات مستقبلية متوقعة
أما راهناً فإن الاقتصاد التركي يواجه مجموعة من التحديات لا تخفي على أحد، بحسب الدكتور المصبح منها:
- ارتفاع معدل التضخم
- التراجع في سعر صرف الليرة التركية
- ارتفاع معدلات البطالة
- الديون الخارجية
- المخاطر الجيوسياسية المحدقة
ويشير الخبير الاقتصاد الدكتور المصبح إلى أن "التوقعات المستقبلية للاقتصاد التركي غير مؤكدة، ولكن إذا تمكنت الحكومة التركية من معالجة التحديات التي تواجهها، فإن الاقتصاد التركي لديه القدرة على النمو بوتيرة صحية. ومع ذلك، إذا لم يحدث ذلك، فقد تواجه البلاد فترة طويلة من الركود الاقتصادي، والمتوقع من الحكومة التي ستكون في ظل برلمان ذو أغلبية مريحة لحزب العدالة والتنمية وحلفاؤه، العمل مستعجلاً وبخطى لا تحتمل الخطأ، على:
- تحفيز الطلب المحلي
- دعم الصادرات
- تحسين بيئة الأعمال
- جذب الاستثمارات الأجنبية
- تنفيذ سياسات إصلاح هيكلية
- وأخيراً، تعزيز الشفافية والمساءلة"
تزايد قلق المستثمرين
من جهته، الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي يقول في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا شك أن انتخابات عام 2023 في تركيا تعد من أهم الأحداث في تاريخها، نظراً لما يعانيه الاقتصاد التركي من مشكلات عديدة تتمثل في انخفاض قيمة الليرة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة، والتي انخفضت حوالي 50 بالمئة في عام واحد فقط، وارتفاع تكاليف المعيشة الناجم عن ارتفاع معدل التضخم وعوامل أخرى، وتناقص الاحتياطيات التركية من العملات الأجنبية والذي يتعاظم معدل انخفاضه جراء اتخاذ تدابير لتثبيت الليرة التركية، إلى جانب تزايد قلق المستثمرين في السندات الحكومية التركية - بسبب عدم اليقين - بشأن قدرة الحكومة التركية على سداد ديونها، وارتفاع قيمة الواردات التركية عن قيمة صادراتها ما يترتب عليه عجز في الحساب الجاري".
سياسات اقتصادية غير تقليدية
وعلى الرغم من الهواجس والقلق المرتبط بتكلفة المعيشة في تركيا إلا أن رجب طيب أردوغان استطاع الفوز بولية رئاسية جديدة ولم يتم إبعاد الدعم عنه في الانتخابات، رغم السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي يتبناها والمتمثلة في الابتعاد عن سياسة رفع أسعار الفائدة التي ساهمت في ارتفاع معدل التضخم وارتفاع تكلفة المواد الغذائية وغيرها من السلع الضرورية، بحسب الدكتور الشناوي، الذي أوضح أن إصرار أردوغان على خفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو الاقتصادي قد أدى إلى ضعف قيمة الليرة التي انخفضت بنسبة 80 بالمئة تقريباً مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية.
ويضيف الخبير الاقتصادي الشناوي: "ولذلك يخشى بعض المهتمين والمستثمرين من أن يؤدي فوز أردوغان إلى مزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي مع ارتفاع معدل التضخم واستمرار تدني قيمة الليرة إلى أدني مستوى لها، والتوتر في مراكز الديون السيادية التركية والديون المصرفية، وهذا التخوف مرده إصرار مساعدوه من الاقتصاديين التكنوقراط على عدم رفع أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي، ورغم ذلك يمكن القول أن الاقتصاد التركي - طبقا لتقارير البنك الدولي - خلال الخمس سنوات لماضية قد بذل جهوداً واتبع نهجاً لدعم النمو الاقتصادي وذلك عن طريق إحداث قفزات في حجم الائتمان، واتباع سياسات تشجيع وتحفيز الطلب على الرغم من ارتفاع الأسعار بنسبة 105.19 بالمئة في أبريل مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي، وارتفعت نحو 30 بالمئة في بداية عام 2023".
ماذا ينتظر" أردوغان "؟
يلخص الدكتور الشناوي ستة تحديات تواجه الرئيس التركي هي:
- ضعف قيمة العملة.
- ضعف احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي.
- الفوضى في الصناعة المصرفية والتي نشأت عن تشابك اللوائح التي ينفذها فريقه من الخبراء التكنوقراط.
- إعادة إعمار المدن المتضررة جراء الزلازل.
- مدى إمكانية استخدام معايير التدقيق لمعايير البناء.
- ارتفاع معدل التضخم وتكاليف المعيشة.
سيناريوهات متوقعة للسياسات الاقتصادية
أما فيما يتعلق بالسيناريوهات المتوقعة للسياسات الاقتصادية فتتمثل بحسب الدكتور الشناوي في سيناريوهين الأول:
-استمرار أردوغان في اتباع سياساته الاقتصادية غير التقليدية والمتمثلة في خفض أسعار الفائدة والتضخم وذلك لتعزيز الاقتصادي التركي، حيث صرح أثناء الانتخابات أنه لن يغير تلك السياسة لأنه يرى ارتباطا طردياً بين انخفاض أسعار الفائدة وانخفاض معدل التضخم.
- استفادة الاقتصاد التركي من تأجيل السداد للواردات التركية من الطاقة الروسية ما يمكنه من الإنفاق بسخاء على الشعب التركي حسب وعوده.
- ومما يدعم هذا السيناريو هو توقع زيادة تركيا لدرجات التطبيع مع الغرب حيث كانت تركيا متشددة بشأن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، وإن كانت أبدت الرضا عن فنلندا حيث أن وجهة الصادرات التركية هي أوروبا.
- في ظل هذا السيناريو ستخيب آمال المستثمرين الذين يأملون في العودة إلى اتباع السياسات الاقتصادية التقليدية والالتزام بشكل أكثر مصداقية بمعالجة مشكلة التضخم في تركيا، وضعف ثقتهم في السندات الحكومية وقدرة الحكومة التركية على سداد ديونها.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في:
- إمكانية إعادة أردوغان النظر في سياساته الاقتصادية بحيث يقوم البنك المركزي التركي برفع أسعار الفائدة، نظرا لأنه البنك المركزي الوحيد على عكس بقية البنوك المركزية تقريباً الذي ظل مصراً على عدم الرفع، بل قام بتخفيض أسعار الفائدة من 19 بالمئة إلى 8.5 بالمئة ما دفع إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 84 بالمئة خلال 24 عاما وذلك في شهر أغسطس من العام الماضي.
- التخلي عن محاولات رفع الليرة وضرورة رفع أسعار الفائدة.