مع التضخم.. لماذا لا تصدر مصر ورقة نقدية بأكثر من 200 جنيه؟
18:28 - 25 مايو 2023يتبادر سؤال لدى قاعدة عريضة من الناس في مصر، في ظل التضخم الحالي، وارتفاع الأسعار في السوق، لماذا لا يتم إصدار أوراق نقدية أعلى من 200 جنيه؟ (فئة الـ 200 جنيه هي أعلى فئة نقدية في مصر)، كما هو الحال في دول أخرى لديها اوراق نقدية بفئات مرتفعة.
هذا التساؤل لا يعتبر جديدا، أو خاصا بالحالة المصرية، فهناك أسواق كثيرة شهدت نفس الحالة، منها ما شهد طرح أوراق بفئات أعلى، ومنها ما بقي على حاله.
لكن هذا التساؤل يأخذنا إلى الأسباب الحقيقية وراء رفض عدد من الدول إصدار فئات نقدية بقيمة أعلى، بل وأن بعض الدول قامت بإلغاء أوراقها النقدية ذات القيمة العالية.
مكافحة الجريمة
يأتي هذا البند على رأس قائمة الأسباب التي تتبناها الدول التي ترفض الأوراق النقدية ذات القيمة المرتفعة، فوجود أوراق نقدية كهذه، تسهل على المجرمين نقل كميات كبيرة من الأموال من نقطة أ إلى نقطة ب، فكمثال على ذلك، فإن وزن الورقة النقدية الواحدة بغض النظر عن أبعادها يبلغ غرام واحد، وبالتالي فإن وزن ما قيمته مليون من عملة معينة بفئة 500 للورقة الواحدة يبلغ 2 كيلوغرام، لكن بفئة 50 يصبح وزنها 20 كيلوغرام.
ناهيك عن المساحة، فالأوراق ذات القيمة المرتفعة تسهل عملية تخزينها، فمن منا لم يشاهد الصورة التي نشرتها السلطات المكسيكية في 2007 لغرفة كبيرة بها أكوام ضخمة جدا من الدولارات مرصوصة فوق بعضها على الأرض، تخيل البعض أنها مليارات، وهي في الحقيقة كانت 207 ملايين دولار فقط.
لهذا السبب كان هناك أصوات تنادي بإلغاء ورقة المئة دولار، فهذه الورقة مهمة جدا بالنسبة لتجار المخدرات، لذا فإن لها علاوة سعرية خاصة، تراوح بين 3 إلى 20 في المائة على سعر السوق السوداء للدولار، فالحدود بين المكسيك والولايات المتحدة تشهد سنويا عمليات نقل سرية لما بين 20 إلى 30 مليار دولار، من حصيلة تجارة المخدرات.
لكن كون الدولار عملة العالم، ويستخدم كوحدة حساب وكوسيط للتبادل في الكثير من دول العالم، حيث تستخدم ورقة المائة دولار بكثافة، لذلك ليس مستغربا أن تمثل وحدة المائة دولار أكثر من 85 في المائة من الأوراق النقدية المطبوعة بالدولار. ومن ثم فإن إلغاء المائة دولار قد يهدد المركز العالمي للدولار كعملة دولية.
الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في ATA Global Horizons، علي الحمودي، قال في تصريحات خاصة لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية، إن تسهيل التهرب الضريبي، وغسل الأموال، هي من الأسباب التي تدفع الدول لتجنب إصدار أوراق مالية بقيمة عالية، وهو ما دفع البنك المركزي الأوروبي لإلغاء ورقة 500 يورو في عام 2018، بسبب سهولة القيام بعمليات نقدية تسهل من التهرب الضريبي كدفع جزء نقدي من الصفقات لتبدو القيمة الخاضعة للضريبة أقل، بالإضافة لسهولة نقل الأموال في منطقة اقتصادية بلا حدود كالاتحاد الأوروبي.
قلة لاستخدام من قبل الأفراد
أمر آخر يضاف إلى الأسباب التي تدفع بعض الدول لعدم إصدار أوراق بقيمة عالية، وهو قلة استخدام الأفراد لهذه الأوراق، فعدد قليل جدا من الناس كانو يستخدمون فئة 500 يورو قبل إلغائها، وكانت هذه الورقة تشكل ثلث مجموع العملات المتداولة بالمنطقة، ويقول علي الحمودي، "الأوراق النقدية الأكبر حجمًا، ليست شائعة جدًا فوق 100 أو 200 في معظم الاقتصادات المتقدمة، في المملكة المتحدة على سبيل المثال الأوراق النقدية 50 جنيهًا إسترلينيًا ليست شائعة جدًا".
ويضيف "عدد قليل من الأشخاص هذه الأيام يستخدمون النقد، ومن غير المعتاد أن تكون المعاملات المشروعة التي تزيد قيمتها عن 100 جنيه إسترليني أو ما يقارب ذلك نقدًا".
فقد أظهر استطلاع قام بها مصرف برن السويسري، بأن أكثر من نصف مَن شملهم الاستطلاع، لم يصادفوا عُملة من فئة 500 يورو أبداً، كما قال، ما يقرب من النصف بعدم توفر عملة من فئة 200 يورو بحوزتهم على الإطلاق.
وفي العموم، ترغب الدول الآن للدفع نحو التعاملات المالية الرقمية، لسهولة متابعتها وحصرها، ولتقليل عمليات الاحتيال والتهرب الضريبي.
الفئات المرتفعة موجودة
لكن هناك دول لديها بالفعل فئات ورقية مرتفعة القيمة، فهل هي على خطأ؟
يقول الحمودي "بعض البلدان التي واجهت تخفيضات هائلة في قيمة عملتها، واقتصاداتها تواجه ما يعرف بالتضخم الجامح، وليس لديها خيار سوى طباعة عملة ذات قيمة أكبر من أجل تسهيل الاستخدامات الأساسية لمواطنيها".
كما يشير المدافعين عن الفئات المرتفعة، أن عدد كبير من الناس يستخدمون هذه الفئات كمخزن للقيمة وليس لتداولها، وبعضهم يجمع النقود في صناديق ودائع آمنة وخزائن شخصية، وخاصة في أوقات عدم اليقين، وهؤلاء ليسوا مجرمين بالضرورة.
فقد أشار بنك سويسرا المركزي في تقرير له "تشير النسبة العالية للفئات النقدية ذات القيمة المرتفعة، إلى أن استخدامها ليس محصوراً بكونها وسيلة للدفع، ولكن كخزان للقيمة إلى حد كبير".
بدورها قالت شرطة زيورخ في تقرير نشر منتصف 2013، إنها لم تلاحظ استخدام المجرمين لفئات نقدية ذات قيمة كبيرة، وأن تجار المخدرات يستخدمون نقوداً ذات قيمة أدنى على الأغلب، بسبب سرعة التخلّص منها، وأن العملة الورقية من فئة 200 فرنك هي في الواقع أعلى ما ضُبِط فيما يتعلّق بالجرائم.
وأضاف التقرير "نحن نصادف العملات من فئة 1000 فرنك فقط، فيما يسمى بـ "حيل المتقاعدين"، وهي نادرة للغاية".
هناك اقتصادات في العالم لديها أوراق نقدية بفئات مرتفعة، مثل الدولار السنغافوري بفئة 10 آلاف، ودولار بروناي بفئة 10 آلاف، وفي الدول العربية هناك الدرهم الإماراتي بفئة ألف درهم.
لكن تاريخيا، شهد الاقتصاد العالمي ورقة تعتبر الأعلى في رقم واحد رغم أن قيمتها كانت ضعيفة، ففي 2009، طرح البنك المركزي الزيمبابوي، عملة ورقية من فئة 100 تريليون دولار زيمبابوي، تعادل حوالي 33 دولارا أميركيا في السوق السوداء، لمحاولة تخفيف النقص الشديد في السيولة النقدية.