زيادة معدلات الهجرة تسد النقص بسوق العمل في بريطانيا
16:16 - 25 مايو 2023تواجه سوق العمل في بريطانيا مجموعة من التحديات المتزامنة، هي نتاج سلسلة من الأزمات المتتابعة بدءاً من تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي وأثر ذلك على تدفق العمالة من شرق القارة ووصولاً إلى التطورات الجيوسياسية المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها واسعة المدى على الأسواق، مروراً بفترة الإغلاق أثناء ذروة جائحة كورونا.
لكنّ لندن تُعول على تحسن نسبي في الآونة الأخيرة فيما يخص أزمة العمالة بعدد من القطاعات المهمة. وطبقاً لتقرير نشرته "سكاي نيوز البريطانية"، فإن زيادة معدلات الهجرة -رغم البريكست- من خلال تدفق العمالة الماهرة من كل من آسيا وأفريقيا تسهم في سد النقص في الموظفين.. وذكر التقرير أن:
- الشركات تستفيد من نظام الهجرة الجديد بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لجلب متخصصي تكنولوجيا المعلومات والممرضات والمحاسبين.
- منذ يناير 2021، سهّل النظام الجديد على العمال خارج أوروبا دخول المملكة المتحدة، على الرغم من ارتفاع الرسوم.
- في حين أن عدد المهاجرين الأوروبيين قد انخفض في السنوات الأخيرة، فقد عوض ذلك زيادة كبيرة في المهاجرين من أجزاء أخرى من العالم.
- على عكس بعض التوقعات الأولية، شهدت بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي زيادة في الهجرة.
وإلى ذلك، أظهرت الإحصاءات الرسمية، الصادرة الخميس، أن صافي الهجرة ارتفع إلى 606 آلاف في العام المنتهي في ديسمبر 2022. ويتجاوز هذا الرقم أعلى مستوى سابق له في فترة ما بعد الحرب وهو 504 آلاف مهاجر في العام المنتهي في يونيو من العام الماضي - ويأتي على الرغم من التزام بيان حزب المحافظين للعام 2019 بـ "خفض الأرقام الإجمالية للهجرة".
- بلغ إجمالي الهجرة طويلة الأجل نحو 1.2 مليون في العام 2022، وفق بيانات مكتب الإحصاء الوطني.
- معظم الأشخاص الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة العام الماضي كانوا من خارج الاتحاد الأوروبي (925 ألفاً) ، يليهم الاتحاد الأوروبي (151 ألفاً).
- على الرغم من ارتفاع الهجرة العام الماضي، فإن تقديرات الهجرة الدولية طويلة المدى "تشير إلى تباطؤ النمو خلال الفصول الأخيرة".
يأتي ذلك في وقت تكافح فيه عديد من الشركات للتوظيف محلياً، إلا أن سوق العمل في بريطانيا لا يزال ضيقاً ومستويات الخمول الاقتصادي مرتفعة.
وكان تقرير سابق نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية هذا الأسبوع، قد سلط الضوء على الفجوة بين احتياجات سوق العمل والمهارات المطلوبة لسد تلك الاحتياجات، وفي ضوء عزوف البريطانيين عن عدد من الوظائف التي كان يُعتمد فيها على عددٍ من الموظفين من أوروبا الشرقية بشكل خاص.
الأزمة لا تزال قائمة
الباحث المقيم في لندن، عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مشكلة نقص العمالة في بعض القطاعات المُهمة والرئيسية لا تزال تخيم على المشهد في المملكة المتحدة وتلقي بضغوطات واسعة، فيما تم حل بعض منها جزئياً، سواء من خلال مشاركة الجيش وكذلك عبر تسهيل استقدام وإقامة العاملين تحديداً من شرق أوروبا.
ويشير إلى أن الوافدين من ذوي الخبرات من شرق أوروبا هم الذين كان يُعول عليهم تحديداً في شغل تلك الوظائف، وسد العجز الممثل في قيادة الشاحنات المسؤولة عن نقل البضائع، علاوة على وظائف الأطباء والتمريض وبعض الوظائف التقنية. ولا يعتقد بأنه قد تم تعويضهم بالبدائل الأخرى على النحو المطلوب.
ويوضح أنه مع تفاقم الأزمة في البداية، وإبان وبعد جائحة كورونا، عمل الجيش على حلها من خلال المشاركة في نقل البضائع للتخفيف من حدة الأزمة الخانقة والعجز في السائقين، وهو ما أسهم في حل جزء من الأزمة التي لا تزال قائمة في بعض القطاعات المُهمة ويجرى العمل على تداركها من خلال مجموعة من الإجراءات المذكورة، وأهمها تسهيل إقامة العاملين من شرق القارة (بعد أن تضررت عمليات استقدامهم بعد البريكست وجائحة كورونا).
عام فريد
وطبقاً لمكتب الإحصاء الوطني، فإن العام الماضي كان عاماً فريداً للهجرة بسبب "الأحداث العالمية" بما في ذلك الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في هونغ كونغ.
وتشير البيانات الصادرة عن المكتب إلى أن أعداد الوافدين على الطرق الإنسانية زادت خلال فترة الـ 12 شهراً. وقد كانت الدوافع الرئيسية للزيادة ممثلة في الأشخاص القادمين إلى المملكة المتحدة من دول خارج الاتحاد الأوروبي للعمل والدراسة ولأغراض إنسانية، بما في ذلك القادمين من أوكرانيا وهونغ كونغ.
الاقتصاد البريطاني
يأتي ذلك في وقت يتعرض فيه الاقتصاد البريطاني لمجموعة من الضغوطات الواسعة، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم التي لا تزال مرتفعة رغم تراجعها لخانة الآحاد أخيراً، ورغم التقديرات الإيجابية نسبياً الصادرة عن صندوق النقد الدولي أخيراً.
- قال الصندوق، الأربعاء، إنه لم يعد يتوقع أن يقع الاقتصاد البريطاني في ركود هذا العام، حيث قام بتحديث التوقعات التي نشرت الشهر الماضي، لكنه حذر من أن التوقعات لا تزال ضعيفة.
- توقع الصندوق نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني بنسبة 0.4 بالمئة في العام الجاري 2023، بعد أن كان يتوقع انكماشه بنسبة 0.3 في توقعاته السابقة في أبريل، لكن هذه التوقعات تعتبر أضعف من أي اقتصاد رئيسي.
وبحسب بيانات نشرها موقع "سكاي نيوز" قبل يومين، فإن كلا من الهند وجنوب إفريقيا وغانا من بين البلدان التي حققت نجاحاً في سياق دخول سوق العمل البريطاني.
- تم منح 5.133 تأشيرة دخول للعمال المهرة من غانا بين عامي 2019 و 2022. وتتزايد أعدادهم بوتيرة قوية، وكذلك النيجيريون الذين حصلوا على 20468 تأشيرة خلال نفس الفترة.
- قفز عدد المهاجرين المهرة الحاصلين على تأشيرات من جنوب إفريقيا إلى 6784.
- الهنود يهيمنون على تأشيرات العمالة الماهرة بواقع 116301 تأشيرة.
وتستفيد عدة قطاعات من تدفق العمالة؛ على رأسها القطاع الصحي ومهندسي البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات والطهاة والمحاسبين القانونيين والمعتمدين والممرضات والعاملين في مجال الرعاية وحتى رجال الدين ومصففي الشعر والخياطين والبستانيين وأمناء المكتبات والجزارين والخبازين. كما يعمل المهاجرون على سد النقص في المهارات في سلاسل الإمدادات الغذائية في البلاد.
أوضاع اقتصادية مضطربة
من جانبها، تشير الباحثة في الاقتصاد الدولي، الدكتورة سمر عادل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن الاقتصاد البريطاني يواجه أزمة خانقة منذ خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، ومروراً بتبعات جائحة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وانعكاساتها الاقتصادية المختلفة وتأثر التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي بعد "البريكست"، وجميعها مجتمعة عوامل أثرت بشكل كبير على القطاعات الاقتصادية المختلفة وحجم العمالة بالسلب.
وتلفت إلى أن ذلك المشهد يأتي في خطٍ متوازٍ أيضاً مع أزمة تكلفة المعيشة التي يعيشها البريطانيون، في بلد شهد خلال الفترة الأخيرة معدلات تضخم غير مسبوقة منذ أربعة عقود تقريباً (قبل أن تتباطأ المعدلات)، في ظل ارتفاع أسعار الغذاء بشكل كبير، موضحة في الوقت نفسه أن فترة التوقف التي صاحبت جائحة كورونا والتي أثرت على الأنشطة الاقتصادية كافة بالسلب وأدت لخروج العمالة من بعض القطاعات، وبما انعكس بشكل كبير على سوق العمل في بريطانيا.
- أظهرت أحدث بيانات من مكتب الإحصاء الوطني البريطاني أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي في البلاد قد تباطأ بأسرع وتيرة منذ نحو 30 عاماً إلى 8.7 بالمئة في أبريل من 10.1 بالمئة في مارس، كما أنها المرة الأولى الذي يهبط فيها التضخم إلى خانة الآحاد منذ أغسطس الماضي.
- قال مكتب الإحصاءات الوطنية إن الانخفاض في التضخم كان مدفوعًا بشكل أساسي بتكاليف الغاز والكهرباء التي ظلت مستقرة في أبريل مقارنة بالقفزة غير المسبوقة المسجلة في نفس الشهر من العام الماضي.
وتتابع عادل: بموازاة ذلك لا تزال سوق العمل في بريطانيا تشهد اضطرابات واسعة، ليس فقط لجهة نقص العمالة في بعض القطاعات، إنما أيضاً لأثر ارتفاع الأسعار على الوضع المعيشي للعاملين، وهو ما قاد إلى احتجاجات وإضرابات عرفتها بريطانيا خلال الأشهر الماضية في ضوء ارتفاع تكلفة المعيشة وما لذلك من تداعيات اجتماعية أيضاً.
- وكان وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت، قد جدد التأكيد على الحاجة إلى التمسك بخطة الحكومة لخفض التضخم، بعد أن أظهرت بيانات رسمية انخفاضاً في ارتفاع الأسعار في أبريل.
- وقال هانت في بيان، يوم الأربعاء: "رغم أنه من الإيجابي أن يكون (التضخم) الآن في خانة واحدة، غير أن أسعار المواد الغذائية لا تزال ترتفع بسرعة كبيرة." "يجب أن نتمسك بحزم بخطة خفض التضخم".