معضلات أساسية تُواجه سوق العمل بالمملكة المتحدة
13:20 - 18 مايو 2023يُنظر إلى سوق العمل في المملكة المتحدة على أنها سوق قوية، بينما تُعاني من عددٍ من المعضلات الأساسية رغم التوقعات الإيجابية بشأن تحسينات تدريجية إضافية مرتقبة، مع انخفاض معدلات الوظائف الشاغرة بالبلاد.
تأتي ضمن تلك المعضلات الفجوة بين احتياجات سوق العمل والمهارات المطلوبة لسد تلك الاحتياجات، وفي ضوء عزوف البريطانيين عن عدد من الوظائف التي كان يُعتمد فيها على عددٍ من الموظفين من أوروبا الشرقية بشكل خاص.
تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية الأسبوع الجاري، تطرق إلى طبيعة سوق العمل في الوقت الحالي، والتحديات الراهنة، وكشف عن انخفاض عدد الوظائف الشاغرة مع انضمام المزيد من الأشخاص إلى القوى العاملة أخيراً.
لكنه نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة تحسين المهارات ومعالجة مشكلات الصحة التي تؤثر على القدرة على العمل.. وأشار التقرير إلى أن عاملين رئيسيين لانخفاض عدد الوظائف الشاغرة، وهما:
- هناك إشارات على أن زيادة أسعار الفائدة تجعل الشركات تفكر ملياً في تعيين الموظفين، مما يؤدي إلى خفض عدد الوظائف الشاغرة.
- في نفس الاتجاه ، تدفع تكلفة المعيشة المرتفعة المزيد من الناس للعودة إلى القوى العاملة.
وتُظهر أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، انخفاض عدد الوظائف الشاغرة بمقدار 55 ألف وظيفة في الربع الأول من العام الجاري، كما تم تسجيل انخفاض بواقع 156 ألف في عدد العمال غير النشطين (وهذا يشير إلى زيادة عدد الأشخاص الذين يعودون إلى سوق العمل ويبدأون في البحث عن وظائف جديدة).
تعكس هذه الأرقام، بجانب الأرقام الصادرة عن هيئة الإيرادات والجمارك الملكية، أن سوق العمل في المملكة المتحدة، الذي كان يعاني من وجود الكثير من الوظائف المعلنة وعدد قليل من العمال لشغلها، بدأ يتحسن نسبياً.
الواقع "أسوأ"
لكنّ الباحث المقيم في لندن عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- دائماً الإحصاءات الرسمية لا تعبر عن واقع الشعب البريطاني، فنحن مثلاً دائماً ما نتلقى تقارير البوليس عن انخفاض نسبة الجرائم والسرقات، بينما الواقع يقول عكس ذلك!
- أما عن انتعاش الاقتصاد وزيادة فرص العمل، فنحن لا نرى كيف سيؤدى ارتفاع نسبة أرباح البنوك إلى انتعاش الاقتصاد في ظل ارتفاع مدفوعات الشركات لقروضهم والإضرابات التي تعيق اقتصاد البلد نتيجة تعنت الحكومة في التعامل مع أغلب القطاعات والمصالح.
- أما عن وجود فرص عمل فهناك فرص عمل في بعض المجالات نتيجة رحيل الأوروبيين من بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي ولكن أغلب هذه الوظائف لاتجد من يشغلها في بريطانيا.
يشير تقرير الغارديان إلى أن الشركات البريطانية رحبت بانخفاض عدد الوظائف الشاغرة، رغم أن هذا الاتجاه يرجع جزئياً إلى خروج بعض الشركات من الأعمال أو القلق الشديد من تعيين موظفين جدد، إنما ما لم يرحبوا به هو "استمرار عدم التوافق بين المهارات التي يحتاجونها والأشخاص الذين يبحثون عن عمل".
نقل التقرير عن رئيسة سياسة الأفراد في غرفة التجارة البريطانية، جين جراتون، قولها إن نقص المهارات والوظائف الشاغرة هي الحقيقة الصارخة لعديد من الشركات في جميع القطاعات والمناطق.
كما نقل عن كبيرة الاقتصاديين في معهد المديرين، كيتي أشر، قولها: "لا يزال هناك 282 ألف وظيفة شاغرة في المملكة المتحدة مقارنة بما كان عليه قبل الوباء. تحتاج سياسة الحكومة إلى العمل بجدية أكبر لضمان أن نظام التعليم والتدريب لدينا يوفر أنواع المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل".
وظائف لا تشهد إقبالاً
فيما يشير الباحث السياسي في لندن في معرض حديثه مع "موقع اقتصاد سكاي نيوز عربية": هناك وظائف كان يشغلها أوروبيون من أوروبا الشرقية خاصة وكان أشهرها قيادة اللوريات الكبيرة، وقد أثرت تأثيراً شديداً في الاقتصاد، ونزل الجيش لقيادة اللوريات، كما قدمت الحكومة تسهيلات كبيرة لمنح عقود عمل لإحضار سائقين، فيما مازالت السوق تعاني من هذا النقص، وأيضاً النقص في الأطباء والممرضين وعدة وظائف أخرى لايقدم عليها البريطانيون.
وأبرز تقرير الفاينانشال تايمز في سياق آخر، نفسه عودة عديد من الأشخاص (من جميع الأعمار) إلى سوق العمل، بعد أن توقفوا في وقت سابق لظروف خاص أو لتقاعدهم. وكان أكثر العائدين من الطلاب الباحثين عن عمل، بحسب مكتب الإحصاء الوطني.
كما تناول تقرير الصحيفة البريطانية في الوقت نفسه إشكالية "النظام الصحي" في ظل الارتفاع الحاد في عدد الأشخاص غير العاملين والمصابين بمرض مزمن، ويصل عددهم إلى 2.55 مليون شخص.
ونقل عن مدير مركز أبحاث Work Foundation بين هاريسون، قوله: إن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يختارون ترك العمل لظروف صحية "يشير إلى ضرورة اتباع نهج مختلف جذرياً لتعزيز القوى العاملة في المملكة المتحدة".
التضخم
وإلى ذلك، يقول الخبير الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- من الواضح أن التضخم العالي يلقي بثقله على سوق العمل في بريطانيا.
- هجرة اليد العاملة الأوروبية أثرت كثيراً على قطاعات الخدمات والزراعة والصحة في البلاد.
- معدل البطالة ارتفع إلى 3,9 بالمئة في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة، لكنه يبقى متدنياً.
- تكمن الصعوبة في إيجاد يد عاملة وارتفاع الأسعار الذي يشكل هاجساً لكثير من العائلات والشركات في بريطانيا التي يعاني سكانها اقتصادياً أكثر من أي دولة في مجموعة السبع الكبرى.
ويضيف: "على الحكومة التمسك بخفض معدلات التضخم إلى النصف ومساعدة العائلات على صعيد غلاء المعيشة مع الاستمرار بالإصلاحات الاقتصادية وتحديثها".
ويلفت إلى أن البريطانيين اضطروا لسحب 54 مليار جنيه إسترليني من مدخراتهم خلال العام الماضي، ولا نكشف سراً إذا قلنا إن مؤشر الثروة في البلاد انخفض بنسبة 15 بالمئة، ما دفع نحو 8 في المئة من البريطانيين للاقتراض.
ويختتم تصريحاته قائلاً: "سوق العمل ستبقى تعاني لفترة طويلة؛ فالبلاد تدفع أثمان الوضع الاقتصادي الدولي والحرب في أوكرانيا، والأهم مشكلة الخروج من الاتحاد الأوروبي، التي اعترف بها راعي البريكست هذا اليوم نايجل فاراج، الذي كشف عن أن المملكة تضررت اقتصادياً من مغادرة الاتحاد الأوروبي. وهذا ما دفع حزب العمال المعارض للتفكير بإجراء استفتاء للعودة الى الاتحاد.
معدلات البطالة
ويصل معدل البطالة في المملكة المتحدة حالياً، طبقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني 3.8 بالمئة. وقال وزير المال البريطاني جيريمي هانت، تعليقاً على هذه الأرقام: "من المشجع أن معدل البطالة في مستويات متدنية بشكل غير مسبوق، ولكن الصعوبة إيجاد اليد العاملة وارتفاع الأسعار يشكل هاجساً لكثير من العائلات والشركات".
- تُسجل بريطانيا معدل تضخم "هو الأعلى في غرب أوروبا".
- بلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في البلاد 10.1 بالمئة في مارس، متراجعاً بشكل طفيف من 10.4 بالمئة في فبراير، بحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 19.1 بالمئة على أساس سنوي في مارس (أكبر زيادة منذ أغسطس 1977).
من جانبه، يقول الاستاذ المشارك بكلية العلوم الاجتماعية والاقتصاد في جامعة أوتاوا، ديفيد غراي، في تصريح خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن مسار مؤشرات البطالة في المملكة المُتحدة يعتمد أساساً على الحالة العامة للاقتصاد الكلي، (وبناءً على تلك الحالة يتطور مؤشر البطالة إما ارتفاعاً أو انخفاضاً).
ويشير إلى أنه "إذا دخل الاقتصاد في حالة ركود طفيف، وهو ما يتوقع الكثير من المراقبين- فإن معدلات البطالة مرشحة للارتفاع"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن البطالة في المملكة المتحدة لا تزال حالياً عند مستويات منخفضة ".
وقبل أيام، رفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.5 بالمئة، مواصلا سياسته المتشددة من أجل كبح التضخم الذي لا يزال الأعلى بين جميع الاقتصادات المتقدمة.
والأربعاء، أقر حاكم بنك إنجلترا، أندرو بيلي، للمرة الأولى بأن البنك يتعامل مع دوامة أسعار الأجور في المملكة المتحدة، حيث تعهد برفع أسعار الفائدة "حسب الضرورة" لإعادة التضخم إلى هدف البنك البالغ 2 بالمئة.
وطبقاً لتقرير نشرته "فاينانشال تايمز" فقد ذكر حاكم البنك لدى حديثه إلى المؤتمر السنوي لغرف التجارة البريطانية في لندن، أن المملكة المتحدة تشهد تأثيرات "الجولة الثانية" للتضخم، بما يسلط الضوء على انتشار الزيادات السريعة في الأسعار من الطاقة والغذاء إلى الأجور وتحديد الأسعار من قبل الشركات.