كيف تؤثر أحداث السودان على خطط التنمية بأفريقيا؟
23:11 - 25 أبريل 2023مع دخول الاشتباكات المسلحة في السودان أسبوعها الثاني، تزداد المخاوف من تحقق نظرية الدومينو، بعد تفاقم الأزمة السودانية، التي ستظهر آثارها الاقتصادية خلال الشهور المقبلة على باقي دول الجوار.
ظهرت بالفعل مخاوف لدى مؤسسات مالية دولية من امتداد الاضطرابات إلى البلدان المجاورة، أو حدوث تدهور في البيئة الأمنية للمنطقة الأوسع، كما شوهد بمنطقة الساحل الأفريقي في السنوات الأخيرة.
مخاوف موديز
أحدث البيانات الصادرة عن وكالة موديز للتصنيف الائتماني بشأن السودان، تشير إلى أن استمرار الأزمة يهدد تصنيفات البنوك العاملة في البلاد على هذا النحو:
البنوك التنموية متعددة الأطراف التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر ستكون أول المتأثرين.
بلغت قيمة قروض بنك التنمية والتجارة في السودان 931 مليون دولار بنهاية 2022.
في حالة تأمين البنك على 213 مليون دولار من هذه القروض سيخفف من الآثار السلبية المحتملة.
نحو 34 بالمئة من قروض بنك التجارة والتنمية الإفريقي في السودان والدول المجاورة فقط.
البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير "افريكسم بنك" وجه 31 بالمئة من تمويلاته لدول متاخمة للسودان.
الدول الأكثر تضرراً
ارتبطت بداية الاضطرابات السياسية في السودان بقرارات من مؤسسات مالية دولية، بإيقاف أية مساعدات أو تمويلات مع ارتفاع مخاطر عدم السداد.
دفعت الاضطرابات السياسية في أكتوبر من العام 2021 البنك الدولي إلى تعليق مساعدات بنحو 500 مليون دولار، كانت مخصصة لدعم ميزانية السودان، كجزء من تعهد بمنح قدرها ملياري دولار.
كما أوقف صندوق النقد الدولي تمويلاً بنحو 150 مليون دولار، بعد أن وافق في يونيو 2021 على برنامج قروض بقيمة 2.5 مليار دولار، وعلقت واشنطن مساعدات بقرابة 700 مليون دولار.
ومع وجود مخاوف من اتساع رقعة الاشتباكات وامتدادها لدول مجاورة، أصبحت تمويلات التنمية محل تهديد، ولا سيَّما في دول القارة السمراء المشتركة في الحدود مع السودان.
وبحسب تقرير وكالة موديز، قد يؤدي الصراع بالسودان لخفض التصنيف الائتماني للكثير من البنوك العاملة في البلاد، وكذلك البنوك المانحة لتمويلات بهدف التنمية، بما في ذلك بنك التجارة والتنمية وبنك الاستيراد والتصدير الإفريقي "أفركسيم بنك"، وفي الدول المجاورة.
وتضيف "موديز" أنه "إذا تحولت الاشتباكات إلى حرب أهلية ممتدة في السودان، ستنتقل المخاطر المالية إلى الدول المجاورة أو تضعف البيئة الأمنية في المنطقة، مما سيثير قلق البنوك التنموية متعددة الأطراف، التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر".
مدى التأثر
يقول المحلل المالي المصري، مصطفى شفيع، في تصريحات لـ" اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنّ المخاطر الاقتصادية تتزايد مع استمرار تفاقم الأزمة، وعدم وضوح الرؤية الخاصة بشأن حل هذا النزاع العسكري.
يضيف أنّ الدول المجاورة مهددة اقتصادياً بتحجيم التمويلات التنموية، في ظل أوضاع معقدة بالفعل تسبق اشتعال الصراع في بلاد النهرين.
كما يوضح أنّ مصر على سبيل المثال تعرضت قبل اشتعال الصراع لتخفيض درجة آفاق الدين المصري الصادر عن وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" من "مستقر" إلى "سلبي"؛ بسبب الحاجة الكبيرة لتمويلات خارجية، التي تتوقعها الوكالة بشأن المالية العامة.
تخصص مصر أربعين بالمئة من الإيرادات الإجمالية المحصلة لتسديد فوائد ديونها، لكن"ستاندرد آند بورز" ترى أن الجزء الأكبر من هذه المدفوعات، يتعلق بخدمة الدين المحلي وليس الالتزامات الدولية.
كما ذكر التقرير أن القاهرة بحاجة لتمويل كبير في العام الحالي، وكذلك 2024، يقدر بـ17 مليار دولار وعشرين مليار دولار على التوالي.
البنوك السودانية
يوضح المحلل المالي المصري، أنّ البنوك السودانية تواجه أخطار شديدة خاصة مع استمرار غياب حكومة مركزية، وبالتالي أصبحت معرضة للإفلاس، مع استمرار هبوط قيمة العملة وتعقد الأزمة الاقتصادية.
يضيف أنّ رفض تقديم التمويل من المؤسسات الدولية، أمر بات متوقعاً للسودان، وقد يشمل دول مجاورة لها حال انتقال الصراع إليها.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي السوداني، محمد الناير، إن إعادة التوازن للاقتصاد السوداني تتطلب عدم استمرار الصراع المسلح لوقت أطول من ذلك.
يشير الناير في تصريحات لـ" اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن معدلات تعثر تمويلات البنوك السودانية مرهون بالفترة التي يمكن أن تستأنف فروع البنوك في السودان العمل مرة أخرى، ويمكنها في هذا الوقت إعادة تقييم الأوضاع والدراسات الائتمانية المختلفة.
ويوضح أنّ تمويلات التنمية من البنوك متعددة الأطراف والموجهة للسودان كانت قليلة، ومع بداية الفترة الانتقالية فقط، منذ 2020 ثم توقفت بعد فترة قصيرة، ولم يسبقها تقديم أية تمويلات، لأسباب سياسية.
الوضع في الداخل
يرجح الناير أن يؤدي استمرار النزاع، وتوسع دائرة الاشتباكات إلى تأثر بالغ لسلاسل الإمداد السودانية، وبالتالي يؤثر على كافة مؤشرات الاقتصاد الكلي.
يؤكد أن الولايات البعيدة عن العاصمة الخرطوم التي يعتمد عليها الاقتصاد السوداني مازالت تعمل بشكل طبيعي، مثل موانئ الاستيراد والتصدير التي تمثل 85 بالمئة، من التبادل التجاري للبلاد.
يذكر أن السودان فقد جزء كبير من البنية التحتية خلال الاشتباكات الحالية في الخرطوم تحديداً متمثلة في المباني الحكومية والمؤسسات الخدمية.
ويلفت الناير إلى أنّ البلاد تعاني بالفعل، منذ وقت يسبق الصراع الحالي، وذلك بسبب:
- ارتفاع معدلات البطالة بنسبة تتخطى 40 بالمئة.
- زيادة معدل الفقر لدى 60 بالمئة من السكان.
- تجاوز التضخم حدود 60 بالمئة في شهر فبراير الماضي؛ بحسب الجهاز المركزي للإحصاء بالسودان.
الأضرار المتوقعة
من ناحية أخرى، يشير الخبير الاقتصادي السوداني، الدكتور وائل فهمي بدوي، إلى أن السودان دولة ترتبط بالعديد من موازين مدفوعات دول الجوار، وهو ما يؤثر على ملاءة هذه الدول، بما فيها مصر وإثيوبيا، في توفير مناخ آمن ومستقر بالسودان لتجارة تلك الدول الدولية، ومع السودان أيضاً.
في الحالة الحالية سيصبح التأثير سلبياً، على معدلات النمو وعلى الوضع الائتماني، موضحاً أن الاستمرار في تعقيد الازمة الاقتصادية بالسودان التي أدت إلى انكماش الاقتصاد السوداني، مع تزايد الالتزامات المالية واستنزاف الاحتياطات وتآكل المدخرات الوطنية.
ويضيف لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: "سيترتب على ذلك مزيد من الحاجة إلى الاعتماد على التمويلات الدولية خاصة العاجلة منها، ولا سيَّما المرتبط بالأمن الغذائي".
على أن تستهدف التمويلات إعادة تأهيل وتنمية البنية التحتية للسودان، في ظل ارتباط دول الجوار للسودان وجوارهم من الدول المغلقة على مدى دعم تحقيق استقرار التنمية بالسودان؛ لرفع المستويات المعيشية لشعوبها، الى جانب الشعب السوداني.
اقتصاد إفريقيا
يقول الخبير الاقتصادي السوداني، إنّ ارتباط الدول الإفريقية بالسودان سيؤثر عليها سلباً الآن خاصة المغلقة منها مثل إثيوبيا، نظراً للاعتماد على الموانئ السودانية في التجارة الدولية، بالاضافة إلى أن مرور بضائعها عبر ميناء بورتسودان، أصبح محل تهديد كبير منذ بداية الصراع.
ويشير إلى أنّ ذلك الأمر سيضعف قدرات هذه الدول - إثيوبيا وتشاد- تحديداً على الوفاء بالتزامتها الخارجية، وتوفير احتياجاتها من الواردات، مما سيدفعها لاستنزاف احتياطاتها الاستراتيجية.
ويختتم البدوي: "دول الجوار وجوارها، وحتى الاتحاد الإفريقي، لهم مصلحة اقتصادية كبيرة في إيقاف هذه الحرب بالسودان، وإلا ستقع خسائر كبيرة لها وللقارة السمراء ككل، من منظور النمو الكلي للقارة، حتى وإن لم تكن طرفاً في النزاع".