ما هي دلالات الخفض الطوعي لـ أوبك+؟
16:52 - 07 أبريل 2023جاء قرار الخفض الطوعي لإنتاج النفط لعدة دول ضمن تحالف "أوبك+"، بما في ذلك السعودية والإمارات، بمثابة الصاعقة التي ألجمت أسواق النفط، وزلزلت أسعار الخام.
وكانت عدة دول مصدرة للنفط ضمن تحالف أوبك+، بما في ذلك السعودية والإمارات، قد أعلنوا يوم الأحد 2 أبريل، عن خفض طوعي لإنتاج النفط، بواقع 1.657 مليون برميل يومياً، اعتبارا من مايو المقبل وحتى نهاية 2023، في خطوة تهدف إلى "تحقيق التوزان في سوق النفط"، الأمر الذي أثار مخاوف من تأثير هذا القرار على الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى مدى تأثيره على جهود البنوك المركزية لترويض التضخم.
سألنا مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة، أنس الحجي، حول دلالات التحرك واذا ما كان خطوة استباقية لها علاقة بتوقعات النمو الاقتصادي ليرد أنه هناك تساؤلات عديدة تحتاج للإجابة لمعرفة سبب هذا القرار ومنها:
• هل نمو الطلب على النفط في النصف الثاني من العام أقل من المتوقع؟ ومن ثم فالقرار هو ضربة استباقية للأحداث؟
• هل هناك ضبابية شديدة في الأسواق بسبب الأزمة المصرفية في الولايات المتحدة، واحتمالات الركود الاقتصادي، وكون أن الانتعاش في الصين أقل من المتوقع؟ ومن ثم فهو ضربة احترازية؟
• هل الهدف النهائي منه هو منع الأسعار من الانخفاض أم رفع الأسعار؟
الحجي أكد من الصعب معرفة ذلك لأن وزراء أوبك توقفوا عن الحديث عن أسعار النفط منذ 2016 بناء على نصيحة شركات محاماة أميركية حتى لاتستخدم تصريحاتهم ضدهم عند التصويت على قرار "لا أوبك" في الكونغرس ومجلس الشيوخ، والذي يقضي بتوسيع قوانين محاربة الاحتكار الأميركية لتشمل الدول والشركات التي كان حاصلة على حصانة دبلوماسية. مشيرا إلى أن منصة طاقة رصدت أراء مختلفة حول العالم عن قرار أوبك + بتخفيض الانتاج طوعيا، والتي يمكن حصرها في 3 مجموعات:
المجموعة الاقتصادية
يرى مدافعو هذا الرأي أن سبب تخفيض الإنتاج الطوعي يعود للأسباب التالية:
• الخوف من انخفاض نمو الطلب العالمي على النفط في ظل أزمة البنوك الأميركية التي قد تتحول إلى أزمة مالية، ثم ركود اقتصادي، ومن ثم فإنه من المنطقي أن يكون قرار أوبك "احترازيا".
• النمو في الاقتصاد الصيني لم يترجم في أرض الواقع إلى نمو كبير في الطلب على النفط كما كان متوقعا،
• مشكلة التضخم، ورفع أسعار الفائدة، وارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي الذي يسّعر به النفط
المجموعة المالية
يرى مؤيدو الأسباب المالية أن قرار التخفيض الطوعي والمفاجئ سببه انخفاض أسعار النفط نتيجة رؤية تشاؤمية من المضاربين بشأن الأزمة البنكية والتي يمكن أن تتطور إلى أزمة مالية.
وأضافوا "كان هدف أوبك+ من إعلان تخفيض طوعي مفاجئ هو معاقبة هؤلاء المضاربين وإخراجهم من السوق بخسائر كبيرة كي لا يقوموا بذلك مرة أخرى، وحصل هذا فعلا يوم الاثنين الماضي عندما ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 5 دولارات للبرميل نحو 8 بالمئة، وتكبد المضاربون الذي كانوا يتوقعوا انخفاض أسعار النفط خسائر ضخمة".
بعض المحللين يرون أنه تمت معاقبة المضاربين الذي يحاولون تخفيض أسعار خام برنت تحت 80 دولار، في إشارة أن 80 دولار هي أرضية الأسعار ولن تقبل أوبك بأسعار أقل من ذلك، بحسب منصة طاقة.
المجموعة السياسية
يرى أصحاب هذا التوجه أن الأسباب السياسية هي اللاعب الأكبر وراء قرار أوبك بلس، ولاعلاقه له بأساسيات أسواق النفط، خاصة أنه كان هناك إصرار من مسؤولي أوبك ولعدة شهور أن التخفيض الذي أقر في أكتوبر الماضي سيظل ساريا المفعول حتى نهاية 2023 وأن الإنتاج لن يتغير.
ويستدلون بأن أسعار النفط كانت ترتفع عندما اتخذ القرار بسبب القدرة على تحجيم آثار الأزمة المصرفية، وكانت الرؤية إيجابية لأسعار النفط في النصف الثاني من العام. ويرون أن التوقيت مثير للاهتمام حيث أن التخفيض سيبدأ في منتصف الفترة التي ستبدأ فيه الحكومة الأميركية بسحب 26 مليون برميل من المخزون الاستراتيجي، ومباشرة قبل موسم السفر الصيفي في الولايات المتحدة الأميركية، حيث تصبح أسعار البنزين مهمة للجميع، ولهذا يهتم بها السياسيون، بما في ذلك إدارة بايدن.
ولهذا فإن هذه المجموعة ترى أن التخفيض، خاصة كونه طوعيا، هو رسالة سياسية لحكومة بايدن، وتم إيصال الرسالة بالتواصل مع الحكومة الأميركية قبل إعلان التخفيض.
وكان الكاتب المشهور ديفيد أغناتيوس قد كتب مقالا في جريدة الواشنطن بوست يؤكد على أن تخفيض الانتاج هو رسالة سعودية إلى إدارة بايدن، لكن هناك ثمان دول شاركت في التخفيض، فلماذا يتم قصر الأمر على السعودية؟ وهناك فريق ضمن هذه المجموعة يرى أن القرار مرتبط بالاتفاق السعودي الإيراني، لأنه يعني فسح المجال للنفط الإيراني من جهة، ورفع أسعار النفط من جهة أخرى. ولكن يرد على ذلك بأن راعي الاتفاق هو الصين، والصين ضد ارتفاع أسعار النفط.
كما أن إيران تنتج وتصدر بطاقتها القصوى على كل الحالات، وتصدر النفط إلى أوروبا بضوء أخضر من إدارة بايدن، وليس لديها أي كميات إضافية لتسويقها.
وفي هذا السياق السياسي، كان تصريح الحكومة الروسية بأنها لم تنسق مع دول أوبك+ الأخرى بشأن تمديدها لانخفاض الانتاج إلى نهاية عام 2023، غريبا وملفتا للنظر، كما أن المعلومات التي نشرت عن التخفيض لا تتضمن روسيا، وهذا أمر ملفت للنظر أيضاً، لأنه يدل على عكس المراد منه: المراد منه هو إعلام الأميركيين والأوروبيين بأن دول الخليج تحديداّ لا تنسق مع روسيا، ولكن تصريح روسيا من جهة، وبيانات التخفيض من جهة أخرى تشير إلى تنسيق بين هذا الأطراف!
هل قرار التخفيض المفاجئ قد يدفع أسعار النفط نحو 100 دولار؟
قد يؤدي عامل المفاجأة إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل ملحوظ بسبب عدد المضاربين الكبير الذين يملكون عقودا بناء على اعتقادهم أن الأسعار ستنخفض، وأن الارتفاع سيكون مؤقتا من سويعات إلى يومين، وهذا ما حدث على أرض الواقع، بحسب منصة طاقة.
وبغض النظر عن الجوانب السياسية فإن مهمة هذا التخفيض هي منع أسعار النفط من الانخفاض وتشكيل أرضية صلبة في الشهور القادمة، خاصة أنه يتوقع أن يتجاوز التخفيض الفعلي 600 ألف برميل يوميا.
إلا أن هناك سيناريو يدعم أسعار النفط مستقبلا وهو أن يتم تبني التخفيضات الطوعية كسياسة رسمية لتحالف أوبك+ في اجتماع التحالف في يونيو القادم.
ولكن هذا لن يتم إلا إذا كان هناك انخفاض فعلي في الطلب على النفط، وهذا يعني أن الهدف هو منع أسعار النفط من الانخفاض، وبهذا لن يؤدي التخفيض، حتى لو أصبح رسميا، إلى رفع أسعار النفط إلى 100 دولار. وما سيؤدي رفع الأسعار إلى 100 دولار هو زيادة كبيرة في الطلب على النفط.
النفط والتضخم في أوروبا وأميركا
وعن تأثير الخفض الطوعي لأوبك+ على معدلات التضخم في أوروبا والولايات المتحدة، قال أنس الحجي، مستشار التحرير في منصة الطاقة المتخصصة إن أسعار الطاقة لا تزال منخفضة نسبيا مقارنة بقمة العام الماضي وقد يكون لها تأثير محدود على الأسعار وقرارات السياسة النقدية للبنوك المركزية.
"سيتم استخدام السياسات المالية والنقدية للتخفيف من أثار ارتفاع أسعار النفط والوقود، حتى لو لم يؤد ارتفاعها إلى ارتفاع التضخم في الواقع. المشكلة تاريخيا كانت دائما في ردود فعل الحكومات والبنوك المركزية على ارتفاع أسعار النفط وليس في ارتفاع أسعار النفط نفسه" بحسب تعبير الحجي الذي قال إن المشكلة، خاصة في الولايات المتحدة، أن هناك وفرة في إمدادات النفط الخام، ولكن هناك مشكلة كبيرة في إمدادات البنزين والديزل.
وبحسب تقرير إدارة معلومات الطاقة الأميركية الأربعاء، أظهرت البيانات انخفاضا في مخزون البنزين إلى مستويات لم نشهدها منذ 2012 عندما كانت أسعار النفط نحو 103 دولار للبرميل، وكانت أسعار البنزين أعلى من الأسعار الحالية بفارق كبير.
هذا يعني أمرين:
- الأول أن الارتفاع الأخير في أسعار البنزين لا يتناسق مع مستوى أسعار النفط
- الثاني أن هذا الارتفاع في أسعار البنزين لا علاقة له بأسعار النفط وقرارات دول أوبك+.
إلا أن قرار تخفيض الانتاج الطوعي سيعطي الرئيس بايدن والسياسيين الأميركيين الفرصة بإلقاء اللوم على دول أوبك، مع أن التخفيض لم يبدأ بعد.