كيف ينعكس قرار الفيدرالي على الاقتصاد الأميركي؟
12:35 - 24 مارس 2023أوجدت أزمة البنوك حالة من "عدم اليقين" بالأسواق، وسط مخاوف ممتدة من ارتداداتها المتوقعة على عددٍ آخر من البنوك داخل وخارج الولايات المتحدة الأميركية، وبما وضع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أمام معضلة حقيقية؛ تمثلت في مدى إمكانية استمراره في سياسه التشدد النقدي ورفع معدلات الفائدة لكبح جماح التضخم، بينما تلك السياسة كانت لها انعكاسات واضحة أثرت بشكل مباشر على القطاع المصرفي بالبلاد.
وعلى الرغم من ذلك، فإن التوقعات كانت تشير إلى رفع الفيدرالي الفائدة في اجتماعه الأول بعد أزمة البنوك، مؤكداً أولوية كبح جماح التضخم، وهي التوقعات التي لم يخالفها البنك في القرارات الصادرة أمس، بينما في الوقت نفسه بعث بمجموعة من رسائل الطمأنة فيما يخص صحة القطاع المصرفي، والإجراءات المتبعة لتحصينه.
▪ لم يخالف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التوقعات، ورفع أسعار الفائدة الرئيسية، بمقدار 25 نقطة أساس، لتصل إلى نطاق يتراوح بين 4.75 و5 بالمئة عند أعلى مستوى منذ سبتمبر 2007، أي قبل الأزمة المالية العالمية.
▪ هذه هي الزيادة التاسعة على التوالي التي يقرها الاحتياطي الفيدرالي منذ العام الماضي 2022 في محاولة لكبح التضخم الذي وصل في 2022 إلى أعلى مستوياته في نحو 4 عقود.
فما مدى تأثير قرار الفيدرالي على الاقتصاد الأميركي؟ وهل سيشهد مزيداً من الإفلاسات في قطاع البنوك والشركات، خاصة شركات التكنولوجيا؟ أم أن الإجراءات المتبعة ورسائل الطمأنة التي بعث بها البنك ستحول دون ذلك؟ وما تأثير "العوامل النفسية" في تحريك الأزمة في ظل المخاوف المسيطرة على الأسواق؟
الفيدرالي أمام خيارين.. كلاهما مر
مستشار المركز العربي للدراسات، الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، يقول في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الفيدرالي الأميركي يواجه خيارين كلاهما مُر:
- الأول مواجهة معدلات التضخم غير المسبوقة منذ أربعة عقود بالبلاد، من خلال سياسة التشدد النقدي المتبعة لكبح جماح التضخم
- والثاني معالجة شبح الركود وكذلك التعامل مع "ظاهرة" إفلاس البنوك.
ويتابع: "يعكس القرار الأخير الصادر عن الفيدرالي الأميركي، الأربعاء، أنه لا يزال متمسكاً بسياسة التشدد النقدي، مُلقياً في الوقت نفسه بمسؤولية أزمة البنوك على عاتق إدارات تلك المصارف نفسها وليس السياسة النقدية المتبعة من جانبه".
ويتابع قائلا: "رأينا في وقت سابق من هذا الشهر أزمة إفلاس البنوك، يتقدمها بنك سيلكون فالي، وهي الأزمة التي لا يُمكن استبعاد تأثير رفع الفائدة ضمن الأسباب المؤدية لها"، مشدداً على أنه "كانت هناك ارتدادات واسعة لتلك الأزمة، فرغم أن الإدارة الأميركية وعلى لسان الرئيس جو بايدن، أكدت متانة النظام المصرفي وأن الإفلاسات لن تؤثر بشكل أو بآخر عليه ولا على الاقتصاد العالمي بالتبعية، إلا أننا رأينا قطع الدومينو تتساقط وتصل حتى سويسرا من خلال ما تعرض له بنك كريدي سويس".
موجة إفلاسات متوقعة.. بنوك وشركات
ويقول مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي:
- من المتوقع امتداد تلك الأزمة لعددٍ آخر من البنوك والمؤسسات الأميركية
- كما أنه من المتوقع -في ضوء المعطيات الراهنة- أن تمتد ارتدادات الأزمة لدول أخرى، بما في ذلك بعض المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط ممن تتعامل مع البنوك الأميركية
- هذه الارتدادات إن تواصلت على هذا النحو من تساقط قطع الدومينو فإنها سوف تؤدي إلى أزمة ربما أشد خطراً من الأزمة المالية العالمية في 2008
بيان الفيدرالي الأخير يعكس تمسكه بإعطاء الأولوية لكبح جماح التضخم للوصول إلى المستويات المستهدفة عند 2 بالمئة، وذلك بعد أن بلغت المعدلات في العام 2022 مستويات غير مسبوقة منذ 40 سنة تقريباً. لكنه في الوقت نفسه بعث برسائل طمأنة بخصوص النظام المصرفي الأميركي، ومما جاء في بيانه:
- قد يتخذ البنك مزيداً من القرارات بتشديد السياسة النقدية، على أساس أن التضخم لا يزال مرتفعاً
- القطاع المصرفي في الولايات المتحدة قوي ويتمتع بالاستقرار والمرونة.
- التطورات الأخيرة من المرجح أن تؤدي إلى شروط ائتمانية أكثر.
ويتوقع الاحتياطي الفيدرالي أن تكون نسبة التضخم هذا العام أعلى بقليل مما توقعه في ديسمبر، عند 3.6 بالمئة مقابل 3.5 بالمئة، فيما توقع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بواقع 0.4 بالمئة مقابل 0.5 بالمئة.
الفيدرالي مسك العصا من المنتصف
لكن على النقيض من تقديرات الديب، يتبنى عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، رأياً مخالفاً، بحيث يقلل من احتمالية حدوث موجة جديدة من إفلاسات البنوك.
يقول الطه في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية": لا أعتقد بأن هناك تأثيرات سلبية كبيرة.. الفيدرالي مسك العصا من المنتصف ورفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس؛ فهو من جهة لا يريد أن يستخف بمعدلات التضخم التي هي تمثل مشكلة حقيقية، ومن ناحية أخرى لا يريد أن يضغط على السوق في الوقت الحالي؛ خشية التداعيات النفسية التي قد تقود المودعين إلى حمى السحب، والتي إن حدثت فمن شأنه الإطاحة بأكبر البنوك، ولهذا فإن "الأمور تحت السيطرة حتى الآن، إلا إذا استجد جديداً".
ويعتقد خبير أسواق المال، بأن ما وصفه بـ "التعثرات المحتملة" التي قد تقود لاحقاً لإفلاس البنوك احتمالاتها حالياً أضعف بكثير مما كانت عليه في العام 2008، علماً بأنه باستثناء بنك ليمان براذرز، فإن الغالبية العظمى للبنوك التي أفلست كانت بنوكاً صغيرة.
أزمة "إدارة"
ويتابع: "الآن وبعد هذه السنوات، كان أكبر بنك تعرض للإفلاس في الموجة الأخيرة هو سيلكون فالي، والذي تصل قيمة أصوله إلى 209 مليار دولار ويأتي في المرتبة الـ 16 ضمن البنوك الأميركية، ويصل حجم الودائع لديه تقريباً 175 مليار دولار (..) المشكلة في الأساس والتي قادت إلى الإفلاس هي مشكلة إدارة لم تأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة في السوق، وفي ظل ارتفاع معدلات الفائدة".
ويشدد الطه في الوقت نفسه على أن تصريحات رئيس الفيدرالي جيروم باول، ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، تشير إلى أن هناك أماناً وثقة في القطاع المصرفي الأميركي، لا سيما في ضوء عمل مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية، مختتماً حديثه: "أعتقد بأن هناك رقابة كبيرة من جانب السلطات المالية في الولايات المتحدة والتي تعلمت من أزمة 2008 على الرغم من اختلاف منبع الأزمة التي كان أصلها في الأزمة السابقة القطاع العقاري".
ومن تصريحات باول، خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب قرار الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة مرة بمقدار 25 نقطة أساس:
- مشاكل البنوك الفردية يمكن أن تهدد النظام المصرفي إذا لم يتم التعامل معها.. وأموال المودعين في أمان.
- سنواصل المراقبة عن كثب ومستعدون لاستخدام كل الأدوات حتى يظل النظام المصرفي آمنا وسليماً.
- المؤكد 100 بالمئة ستكون هناك تحقيقات مستقلة فيما حدث في البنوك وأن الاحتياطي الفيدرالي يرحب بهذه التحقيقات.
قرار متوافق مع مسار الفيدرالي
وإلى ذلك، يشير الخبير المصرفي، محمد عبد العال، في تصريحات لـ "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه في نطاق السياسة النقدية المتشددة المعلنة من قبل الفيدرالي الأميركي، فإنه كان يتجه -قبل أزمة البنوك- لرفع الفائدة 50 نقطة أساس في اجتماع مارس، لكن أزمة البنوك دفعته إلى اتخاذ قرار برفع الفائدة 25 نقطة أساس، وهو مستوى يظل متوافقاً مع المسار المتبع، خاصة بالنظر إلى القيود والإجراءات المرتبطة بالأوضاع والشروط الائتمانية بعد أزمة البنوك".
ويضيف: "رفع الفائدة بهذا المعدل بعث برسائل طمأنة للأسواق؛ لجهة التأكيد على أن القطاع المصرفي آمن ومرن ولا توجد مشكلة، وأن المشاكل التي حدثت في البنوك الثلاث (سيلكون فالي وسيغنتشر وسيلفر غيت) إنما هي ناتجة سوء إدارة وليس لها علاقة بالكيان المصرفي".
ويلفت الخبير المصرفي في الوقت نفسه إلى أهمية الرسائل التي بعثت بها وزيرة الخزانة الأميركية، فيما يتصل بمسألة التأمين على الودائع، والتي تأتي ضمن جملة من الرسائل الهادفة لاحتواء الأزمة، وقد استوعبتها الأسواق ضمن محاولات إعادة الثقة في القطاع، لا سيما مع التأكيد على أن كل مدخرات المودعين آمنة.
ويشير إلى أن اتخاذ قرار رفع الفائدة 25 نقطة أساس تم بـ "الإجماع" وهو ما يعطي رسالة ثقة أيضاً، على أساس أنه لا توجد خلافات على التثبيت أو نسبة الرفع.