دجلة والفرات يضمحلان وكلمة السر "دول المنبع" وتغير المناخ
00:59 - 28 فبراير 2023تضج الشبكات الإعلامية والاجتماعية بالعراق هذه الأيام بصور صادمة لنهري دجلة والفرات، وهي تظهر انخفاضا حادا في مناسيب المياه، لدرجة أن الناس بات بمقدورها المشي وسط مجرى النهر الذي يكاد يجف تماما، وعبوره سيرا على الأقدام.
ووفق مقاطع الفيديو والصور التي بثتها مختلف الوكالات ووسائل الإعلام المحلية والدولية، فإن قاع نهر الفرات بدا واضحا عند الضفاف في محافظة ذي قار، وكذلك قاع نهر دجلة في محافظة ميسان.
وهو ما ترافق مع إعلان وزارة الموارد المائية العراقية عن أن العراق فقد 70% من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار .
عجز مائي مزمن
وقال المتحدث باسم الوزارة خالد شمال لوكالة الأنباء العراقية (واع) إن "الخزين المائي الآن وصل إلى مراحل حرجة، لا تستطيع الوزارة ضخ مياه كبيرة للأنهر".
وأضاف أن "الوزارة تضخ إطلاقات مائية للإيفاء بغرضين مهمين الأول تحقيق الريات الزراعية والآخر تأمين مياه الشرب"، لافتا إلى أن "الإيرادات المائية التي تأتي للعراق اليوم هي 30 في المئة من استحقاقه الفعلي و70 في المئة لا تصل".
وأوضحت وزارة الموارد المائية العراقية، في بيان الأحد، أن "الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية" عائد إلى "قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من الجارة تركيا".
وقالت إن ذلك أدى لانخفاض حاد في الخزين المائي في البلاد، وأدّت كذلك أساليب الري الخاطئة، وفق الوزارة، لزيادة حدة هذا النقص، مشيرة إلى "عدم التزام المزارعين بالمساحات الزراعية المقررة" وفق الخطة الموضوعة من السلطات.
عوامل الأزمة
ووفق خبراء مياه وبيئة عراقيين، فإن البلاد ستكون مقبلة على أزمة حادة تتعلق بتوفير مياه الري والشرب خلال الصيف القادم، وأن ما يحدث هو نتاج تضافر جملة عوامل أبرزها التغير المناخي، الذي يعد العراق وفق الأمم المتحدة خامس أكثر دول العالم تضررا منها .
فضلا عن سياسات دول الجوار ( المنبع ) السلبية غير المراعية لحصص العراق وحقوقه المائية في نهري دجلة والفرات، وضعف خطط الاستجابة والمواجهة من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة خلال السنوات القليلة الماضية، لتعاظم خطر التغير المناخي على بلاد الرافدين.
يقول الخبير البيئي والمناخي وعضو الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة أيمن قدوري، في لقاء مع موقع سكاي نيوز عربية :
* بعد عام 2003 تعرض العراق لحرب من نوع خاص استهدفت موارده المائية وشجعت ظروفه الداخلية المضطربة دول المنبع على الشروع في عملية تعطيش له، بهدف استثمار الواردات المائية دون الرجوع لحقوق الدول المتشاطئة وخروجا عن اتفاقية نيويورك عام 1997 التي ضمنت حقوق الدول المتشاركة في الأنهار و المجاري المائية العابرة للحدود، والتي لم تلتزم بها كل من تركيا وايران.
* توقع تقرير الأمم المتحدة عام 2013 من خلال وحدة الربط والتحليل السياسي، أن أنهار العراق ستجف بحلول عام 2040، بناء على معطيات الزيادة في الكثافة السكانية سنويا، وما يرافقها من ارتفاع الطلب على المياه العذبة متزامنا مع تسارع مراحل التغير المناخي، الذي يمثل التهديد الأكبر الذي يواجه مستقبل المياه في العراق .
* وكما بينت الهيئة الحكومية التابعة للأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن منابع مياه الأنهار الواقعة في جنوب وجنوب شرق البحر المتوسط ومنها نهري دجلة والفرات، سوف تتعرض لنقص في رصيدها المائي بحدود 33 % في نهاية الربع الأول من هذا القرن، جراء التغير الذي سيحصل في الساقط المطري، وهكذا فالأعوام الخمس القادمة ستحدد بشكل واضح سيناريو اضمحلال النهرين جراء جملة العوامل المذكورة.
الذهب الأزرق يتبخر.. أغلق الصنبور وفر قطرة ماء!
* حيث أن الإطلاقات المائية من الجانب التركي التي بلغت 20% فقط من الحصة الفعلية للعراق، والمقدرة بحدود 630 متر مكعب بالثانية وخفضت عام 2014 لحوالي 500 متر مكعب بالثانية، حيث أن المشاريع المائية التركية وتحديدا مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP) وأهمها سدا أتاتورك واليسو المقامان على نهري الفرات ودجلة، خفضا الحصة المائية العراقية بنسبة 70%.
* المساعي العراقية لم تفض لنتائج واضحة وبعضها وصل لطريق مسدود، بعد أن اصطدمت بالتعنت التركي واللامبالاة بالواقع البيئي لدولة المصب (العراق).
* وعلى الجانب الإيراني فالصورة ليست بأفضل حالا بل وربما أكثر إضرارا بالعراق، حيث عمدت إيران بعد عام 2003 لملء خزان سد الكرخة الذي قطع امدادات نهر الكرخة عن الأراضي العراقية بنسبة بلغت 90%، كما عمدت لتغيير مسار أكثر من 42 نهر كبير ومجرى مائي ووديان موسمية وحرفها عن العراق، واعادتها لداخل الحدود الإيرانية، أبرزها نهرا الكارون وسيروان ليكون اليوم مقدار الواردات المائية من الجانب الإيراني أقل من 12% من الحصة العراقية.
* لا تحركات حكومية مثمرة تجاه إيران، بفعل الارتباك السياسي في العلاقات الخارجية وخاصة مع طهران، حيث تتغير الأولويات التي تضعها وزارة الموارد المائية كل 4 سنوات بتغير الحكومات .
* داخليا الواردات المائية للعراق تستهلك للأغراض الزراعية، الصناعية والمنزلية، ويستحوذ الجانب الزراعي على الحصة الأكبر من الواردات بنسبة تتجاوز 95% وهذه النسبة مرتفعة جدا نتيجة سوء الاستخدام الزراعي للمياه، واتباع الوسائل القديمة في ري الأراضي الزراعية، ما يسبب هدر كميات كبيرة من الواردات المائية، ومن المتوقع أن ما يقارب 65-80% من المساحة الكلية للأراضي الزراعية المقدرة بحوالي 48 مليون دونم زراعي ستخرج عن الخدمة بحلول عام 2030.
* والنتيجة كارثية حيث مع مطلع يوليو القادم، سيبدأ العد العكسي لفقدان أجزاء من نهري دجلة والفرات، وستعاني المحافظات (ديالى، ذي قار، ميسان، البصرة) من أزمة مياه شرب خلال فصل الصيف القادم، حيث ارتفع العجز المائي في العراق بحدود 55%..