عام على حرب أوكرانيا.. إليكم مسار أزمة الطاقة الخانقة
21:35 - 24 فبراير 2023رغم التخوفات التي سبقت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، فإن ما جاء بعد الحرب فاق الكثير من التوقعات، إذ كان تاريخ الرابع والعشرين من فبراير 2022 بداية لأزمة استثنائية ضربت قطاع الطاقة حول العالم.
كيف كانت الأضرار؟
وصلت أسعار النفط والغاز إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من عقد من الزمن نتيجة لهذا الاضطراب الجيوسياسي، وكان التأثير أكبر بين ديسمبر 2021 ويونيو 2022؛ حيث زادت تكاليف الطاقة بنسبة 58.3 بالمئة منذ بدء العمليات.
ارتفعت تكلفة برميل النفط في منظمة أوبك إلى 114.3 دولار أميركي، كما ارتفع سعر الغاز عالمياً من 2.55 دولار أميركي في يناير 2022 إلى 3.27 دولار أميركي في يوليو 2022.
الاتحاد الأوروبي كان الأكثر تضرراً؛ إذ أنه يستورد 90 بالمئة من احتياجاته من الغاز الطبيعي، 41 بالمئة منها كان يأتي من روسيا، كما يستورد الاتحاد الأوروبي 46 بالمئة من فحمه و27 بالمئة من نفطه من روسيا.
منذ بداية العمليات الروسية في أوكرانيا، ارتفعت إمدادات النفط والغاز الروسي التي تدخل أوروبا بشكل حاد. في مارس وحده، دفعت أوروبا أكثر من 22 مليار يورو (24 مليار دولار أميركي) لروسيا من أجل النفط والغاز.
كيف جرت الأمور على مدار عام؟
الربع الأول من 2022
يوم اندلاع الحرب (24 فبراير)، عقد المجلس الأوروبي اجتماعاً خاصاً لمناقشة التداعيات الناجمة عن العمليات العسكرية الروسية، فبادر قادة الاتحاد الأوروبي والمفوضية إلى طرح إجراءات طارئة لمعالجة وضع سوق الطاقة.
في مطلع شهر مارس، دعا قادة الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية إلى طرح خطة (ري-باور-إي.يو) بحلول نهاية مايو 2022، بشأن سبل تحقيق هدف إنهاء الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي قبل عام 2030، وتشتمل الخطة على ركائز رئيسة: توفير وتنويع إمدادات الطاقة، وتسريع وتيرة نشر الطاقة المتجددة.
وفي نفس الشهر، وفي وقت تجاوزت فيه أسعار الغاز حينها عتبة الـ 3300 دولار لكل ألف متر مكعب، شرعت الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي في اتخاذ إجراءات ضد واردات الغاز والطاقة من روسيا.
وأعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في 8 مارس حظر واردات النفط والغاز من روسيا، بعد التنسيق مع الحلفاء في الاتحاد الأوروبي.
كما أعلنت لندن في الوقت نفسه خطة لوقف استيراد النفط تدريجياً من روسيا حتى نهاية العام المذكور.
فيما كشف الاتحاد الأوروبي عن خطة خاصة لإنهاء اعتماد دول التكتل على الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2030، كما أعلن عن الاتجاه لتخفيض الطلب على الغاز الروسي بمقدار الثلثين.
في 23 مارس، أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن صفقة مشتركة للغاز الطبيعي المسال، ضمن مساعي تقليل الاعتماد على غاز روسيا. وتم الإعلان حينها عن أن الاتفاق نص على أن تمد واشنطن دول الاتحاد بنسبة 10 بالمئة مما كانت تستقبله من روسيا حتى نهاية العام.
الربع الثاني من 2022
يوم ١١ أبريل ناقش وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي فرض مزيد من العقوبات على روسيا بسبب عملياتها في أوكرانيا خلال اجتماعهم في لوكسمبورغ، إذ كان على رأس أولويات الاجتماع مناقشة فرض حظر نفطي على روسيا.
شهد شهر مايو حزمة من القرارات والإجراءات؛ إذ حسم فيه قادة الاتحاد الأوروبي أمر حظر النفط الروسي الخام، بتضمينه في الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا، مع الأخذ في الاعتبار اختلافات وظروف الطاقة المختلفة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
كما توصل المجلس والبرلمان الأوروبي إلى اتفاق سياسي مؤقت بشأن قواعد جديدة لتخزين الغاز.
واستهدفت اللائحة المقترحة - آنذاك - ضمان ملء سعات التخزين في الاتحاد الأوروبي قبل موسم الشتاء، ويمكن تقاسمها بين الدول الأعضاء بروح من التضامن.
حدد الاتحاد الأوروبي إطاراً زمنياً للاستغناء عن النفط الروسي تنفيذاً لقرار حظر شراء أو استيراد أو نقل النفط الخام وبعض المنتجات البترولية من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي، على أن يستغرق التخلص التدريجي من النفط الروسي من 6 أشهر للنفط الخام إلى 8 أشهر للمنتجات البترولية المكررة.
التزم قادة مجموعة السبع باتخاذ إجراءات فورية لتأمين إمدادات الطاقة وتقليل ارتفاع الأسعار، بما في ذلك اللجوء إلى تدابير إضافية مثل تحديد سقف للأسعار.
الربع الثالث من عام 2022
في 26 يوليو 2022، توصل وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي بشأن خفض طوعي للطلب على الغاز الطبيعي بنسبة 15 بالمئة هذا الشتاء.
في أغسطس، اعتمد المجلس لائحة خفض الطلب على الغاز بنسبة 15 بالمئة، من خلال إجراء مكتوب، ويأتي الاعتماد بعد الاتفاق السياسي الذي تم التوصل إليه في يوليو، ودخل الاتفاق حيز التنفيذ.
في سبتمبر، اتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات طارئة لخفض أسعار الطاقة، إذ توصل وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق سياسي بشأن معالجة ارتفاع أسعار الطاقة.
تضمنت لائحة الاتفاق تدابير مشتركة تهدف إلى خفض أسعار الطاقة، وإعادة توزيع فائض إيرادات قطاع الطاقة على العملاء النهائيين، وتشمل الإجراءات:
- تقليل استخدام الكهرباء.
- تحديد سقف عائدات منتجي الكهرباء.
- تأمين مساهمة تضامنية من شركات الوقود الأحفوري.
الربع الرابع من عام 2022
شهد شهر أكتوبر إقرار قادة الاتحاد الأوروبي اتفاقاً يتضمن الالتزام بتنظيم شراء الغاز بشكل مشترك، وإقرار قواعد جديدة في محاولة لفرض تقاسم الغاز في أوروبا لمساعدة الدول التي تواجه صعوبات، فضلاً عن إقرار إطار عمل مؤقت للاتحاد الأوروبي للحد من سعر الغاز في توليد الكهرباء.
وفي نوفمبر، وافق المجلس الأوروبي على محتوى القواعد الجديدة التي تهدف إلى تسريع إجراءات منح تصاريح لمشاريع الطاقة المتجددة.
القواعد مؤقتة، وتشمل تدابير تتناول تقنيات وأنواع محددة من المشاريع، التي لديها أعلى احتمالية للانتشار السريع وأقل تأثير على البيئة.
أعلنت المفوضية الأوروبية، أن حكومات منطقة اليورو أنفقت بشكل جماعي حتى نوفمبر 2022 حوالي 1.25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو على دعم الطاقة لهذا العام، ما يقدر بحوالي 200 مليار يورو (211 مليار دولار).
في شهر ديسمبر، قرر المجلس الأوروبي تحديد سقف أسعار النفط للنفط الخام والزيوت البترولية والزيوت المستخرجة من المعادن القارية التي تنشأ في روسيا أو يتم تصديرها منها، عند 60 دولاراً أميركياً للبرميل.
سيحد سقف أسعار النفط الروسي من ارتفاعات الأسعار التي تدفعها ظروف السوق غير العادية ويقلل بشكل كبير من العائدات التي جنتها روسيا من النفط، بحسب الغربيين.
الربع الأول من عام 2023
مع مطلع شهر يناير، بدأت آثار التعافي من أزمة الطاقة تتبدى للعيان، لا سيَّما مع حلول شتاء دافئ إلى حدٍ ما على القارة العجوز، وتوفير بدائل للطاقة، رغم خسارة نحو تريليون دولار أميركي، بحسب تقرير لوكالة بلومبرغ.
وعدَّد تقرير "بلومبرغ" الجهود المبذولة للحد من حجم الطلب على الطاقة الروسية، إلى جانب استمرار امتلاء احتياطيات الغاز، وانخفاض الأسعار، مما ساعد أوروبا على تجاوز مشكلات صنعتها الحرب المشتعلة على الأراضي الأوكرانية.
وفي السياق، أكد وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، المنوط بإدارة استجابة بلاده لأزمة الطاقة أنه تم النجاح في تجنب مخاطر انهيار الاقتصاد بالكامل، وانهيار قطاع الصناعة في أوروبا" على وقع أزمة الطاقة.
ورغم استقرار الأوضاع نسبياً في أوروبا فإن شهر فبراير شهد "كارثة وطنية" في جنوب إفريقيا، حيث أعلن رئيس البلاد، سيريل رامافوزا، يوم 9 فبراير، حالة "كوارث وطنية" بسبب نقص الكهرباء في بلاده، قائلاً إن ذلك يمثل تهديداً وجودياً للاقتصاد والنسيج الاجتماعي، لافتاً إلى أنّ "بلاده في قبضة أزمة طاقة عميقة".
مستقبل الطاقة الروسية
في ظل آثار الأزمة العالمية للطاقة، لا تزال أسئلة عدة عالقة من بينها مستقبل مبيعات روسيا من الطاقة، في ظل التجاذب بين روسيا والغرب، والعقوبات التي تزيد وتيرتها يوماً بعد يوم.
في هذا الصدد يشرح المحلل الاستراتيجي، بيتر هوسي، رئيس شركة GeoStrategic Analysis، مستقبل الطاقة الروسية، فيقول: "صُمم اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية لمنح روسيا قدرة مالية تمكنها من شراء الآلات الثقيلة من ألمانيا فيما يشبه إعادة تدوير "البترودولار".
ويضيف لموقع سكاي نيوز عربية: "إذا نظرت إلى أسعار النفط في فترة ما قبل جائحة كورونا، ستجدها حوالي 55 دولاراً للبرميل، وكانت روسيا تصدر آنذاك حوالي 6.2 مليون برميل يومياً، وتصدر الآن 6 ملايين برميل يومياً، لكن السعر العالمي الآن أصبح حوالي 80 دولاراً للبرميل".
ويتابع: "رغم أن الدول التي تشتري النفط الروسي تحصل على خصم كبير، لكن روسيا لا تزال تحقق عائدات من الطاقة الآن أكبر مما كانت عليه في ديسمبر 2019، لكنها أقل مما كانت عليه في ذروة الجائحة وارتفاع الأسعار".
يشير هوسي إلى أن أوروبا باتت تتجه للاعتماد على إفريقيا في صادرات الغاز الطبيعي، في مقابل بناء محطات غاز جديدة لجنوب إفريقيا، وتأتي هذه المساعي في ظل ما تعانيه القارة السمراء من نقص خطير في الوصول إلى الكهرباء والطاقة بجميع أنواعها.