ما هي الانعكاسات الاقتصادية لحرب أوكرانيا على الشرق الأوسط؟
21:48 - 23 فبراير 2023في وقت بلغت فيه خسائر الاقتصاد العالمي من جراء الحرب في أوكرانيا أكثر من 1.6 تريليون دولار على مدار العام الماضي، طبقاً لدراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني "آي دبليو"، فإن التكلفة الأكبر يتكبدها عدد من اقتصادات البلدان النامية في ضوء ما تواجهه كثير منها من تحديات مُضاعفة ومتزامنة.
ثمة تأثيرات متفاوتة على دول منطقة الشرق الأوسط، التي عرفت تحديات وصعوبات خاصة على مدار العام الماضي، ربما كانت أقل حدة بالنسبة للدول المصدرة للطاقة، وأكثر حدة على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل.
ارتبطت تلك الصعوبات بشكل خاص بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وكلفة الواردات، واضطرابات الإمدادات والإنتاج على المستوى العالمي، واتباع سياسات نقدية متشددة، في ظل تسارع وتيرة معدلات التضخم وانخفاض القوى الشرائية لعملات عدد من تلك البلدان بوتيرة غير مسبوقة.
تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، كان قد حدد مجموعة من الصدمات المتزامنة التي تعرضت لها دول المنطقة من جراء استمرار تدهور الأوضاع العالمية، وأبرز تلك الصدمات:
▪ تباطؤ الاقتصاد العالمي
▪ ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتقلبها
▪ أزمة تكلفة المعيشة
▪ تشديد الأوضاع المالية بأسرع وأقوى من المتوقع
الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. يدفع ثمنها فقراء العالم
وفيما تضررت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل في المنطقة بشدة، حيث يواجه عدد كبير منها قيوداً على النفاذ إلى أسواق التمويل، فإنه أمام البلدان المصدرة للنفط فرصة لتعظيم المنافع المتحققة من عائدات النفط الاستثنائية ببناء هوامش مالية وقائية.
يشير الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن منطقة الشرق الأوسط قد شهدت عدداً من التبعات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة من جراء الحرب في أوكرانيا منذ 24 فبراير الماضي، لا سيما بالنظر إلى أن كلاً من روسيا وأوكرانيا كانتا تمثلان مصدرين رئيسيين لواردات الحبوب، وبالتالي أدت الحرب إلى اضطرابات واسعة في واردات تلك السلع الأساسية.
أزمة القمح والأمن الغذائي
ويستشهد في ذلك السياق بدولة مثل جمهورية مصر العربية، والتي تستورد 80 بالمئة من احتياجاتها من القمح من كل من روسيا وأوكرانيا، فقبل الحرب وتحديداً في الأشهر الـ 11 الأولى من عام 2021، سجلت واردات مصر من القمح الروسي حوالي 1.2 مليار دولار وبكمية بلغت 4.2 مليون طن، فيما سجلت وارداتها من أوكرانيا 649,4 مليون دولار، وبكمية 651,4 ألف طن. ويشدد على أن دول منطقة الشرق الأوسط مستوردة للغذاء وتعتمد بشكل كبير على البلدين المذكورين.
ويلفت إلى أن اتفاق الحبوب الذي رعته تركيا والأمم المتحدة لتصدير الحبوب الأوكرانية، أسهم ولو بشكل طفيف في تدارك تبعات أزمة القمح، رغم تأثر الاتفاق في أكثر من مرة بالتطورات المرتبطة بالحرب (في إشارة لتعليق روسيا الاتفاق نهاية أكتوبر الماضي على خلفية تفجير جسر القرم).
أما لجهة التداعيات "غير المباشرة"، فيشير الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إلى أن الحرب وما تلاها ممّا يقارب الـ 10 آلاف عقوبة متبادلة بين روسيا والغرب، أسهمت في تضرر سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف الشحن وأسعار الطاقة والغذاء، ومن ثم ارتفاع فاتورة الاستيراد من الخارج بالنسبة لعدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط؛ فمصر على سبيل المثال أيضاً تكبدت 15 مليار جنيه كفرق في سعر القمح على وقع ارتفاع الأسعار العالمية، وبما ينطبق على عدد من دول المنطقة التي أرهقت ميزانياتها من جراء ارتفاع الأسعار.
وفيما يخص انعكاسات الحرب على السياسات المالية والاقتصادية، يلفت الديب إلى أن "الدول العربية كجزء من المجتمع الدولي واجهت تفاقم أزمة التضخم التي عانت منها الولايات المتحدة وأوروبا بعد تسجيل مستويات غير مسبوقة منذ عقود، وبينما لجأ الفيدرالي الأميركي إلى زيادة سعر الفائدة تبعته البنوك المركزية الأوروبية وكثير من الدول العربية التي سلكت نفس المسار مع سياسات التشديد النقدي لكبح جماح التضخم".
انعكست تلك السياسات على الأسواق، وهددت بحالة ركود وتراجع في النمو الاقتصادي. وطبقاً للديب فإن هذه السياسات التي جاءت انعكاساً لتبعات الحرب أثرت على عدد من النواحي الأخرى من بينها النشاط الصناعي والاستثماري، خاصة مع لجوء المستثمرين إلى عدم المخاطرة والاستفادة من أسعار معدلات الفائدة المرتفعة في البنوك. كما يلفت في الوقت نفسه إلى أثر تلك المعطيات مجتمعة في ارتفاع تكلفة الديون وعجز الموازنة في كثير من تلك الاقتصادات التي كانت متضررة بالأساس من جراء أزمة جائحة كورونا.
ويختتم الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، حديثه بالإشارة إلى الدروس المستفادة من الأزمة الراهنة؛ كونها قد سلطت الضوء على قضية "الأمن الغذائي" وهو ما تبنته القمة العربية الأخيرة في الجزائر كبند مهم ورئيسي، لا سيما في ظل امتلاك الدول العربية مقومات تحقيق الأمن الغذائي المختلفة، وفي وقت يشهد فيه العالم صراعات جيوسياسية وأزمات، مثل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، بينما تلك الأخيرة تمثل "ورشة العالم" ومغذياً رئيسياً للمنطقة.
مؤشرات خطيرة
انعكست تلك الصعوبات الاقتصادية على مختلف المؤشرات، بما في ذلك معدلات الفقر. وهو ما يُظهره التقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الأسكوا)، والذي أبرز ارتفاع مستويات الفقر في المنطقة العربية بشكل خاص في العام الماضي، وطبقاً للتقرير:
▪ وصل عدد الفقراء إلى ما يقرب من 130 مليون شخص (ثلث سكان المنطقة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وليبيا)
▪ هذه المستويات يتوقع أن تستمر في الارتفاع خلال العامين المقبلين لتصل إلى 36 بالمئة في عام 2024
▪ من المتوقّع أن تشهد اقتصادات المنطقة العربيّة نمواً بنسبة 4.5 بالمئة في 2023 و3.4 بالمئة في 2024، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات السلبيّة لجائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي
▪ ارتفع التضخم في المنطقة ليصل إلى 14 بالمئة في 2022 (مع توقعات بانخفاضه إلى 8 و4.5 % في 2023 و2024)
▪ سجلت المنطقة أعلى معدّل بطالة عالميا في 2022 بنسبة 12 بالمئة (مع توقعات بانخفاضه إلى 11.7 بالمئة في 2023)
تأثيرات متباينة.. إيجاباً وسلباً
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي الجزائري، حمزة بوغادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه بالنظر إلى التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك الحال بالنسبة لتداعيات الحرب في أوكرانيا على مدار الـ 12 شهراً الماضية ، فهناك ردود فعل مختلفة للاقتصادات في تلك المنطقة، في ضوء تفاوت القدرات المالية، ما بين الدول الغنية بالثروات (الطاقوية بالأساس) وعلى رأسها دول الخليج والجزائر، وهي الدول التي لديها قدرات تمكنها إلى حد بعيد من تبني سياسات دعم مختلفة لاقتصاداتها عبر الوفورات المالية والاحتياطات المتوفرة لديها.
وعلى الجانب الآخر الاقتصادات الأضعف، والتي تتعرض لهزّات عنيفة، كما حدث خلال العام الماضي تحت وطأة الحرب في أوكرانيا، ولا سيما دول الأزمات التي تعاني تأثيرات مُضاعفة، مثل سوريا واليمن وليبيا، جنباً إلى جنب ودول أخرى مثل لبنان وتونس إضافة إلى مصر إلى حد ما، ممن عانت بشكل كبير تحت وطأة ضغوطات الحرب الدائرة في أوكرانيا، حتى أن عدداً من المؤسسات الدولية قد راجعت تصنيفات أغلب تلك الدول بخصوص جاذبية الاستثمار.
ويتابع: "المواطنون في هذه الدول يعانون ارتفاع الأسعار ونسب تضخم تاريخية بفعل التضخم الداخلي والتضخم المستورد، لا سيما مع اعتماد معظمها على استيراد حاجتها الأساسية من الخارج، وبشكل خاص الغذاء، مع الاعتماد على الحبوب الأوكرانية والروسية.. فضلاً عن معاناة بعض تلك الدول مع غياب التمويل والاستثمار الداخلي بفعل المخاوف التي تلف المشهد"، مستشهداً على سبيل المثال بالحالة في لبنان، حيث أزمات هيكلية مزمنة يعاني منها الاقتصاد هناك كما عدد آخر من الاقتصادات في المنطقة.
على الجانب الآخر، يشير الخبير الاقتصادي الجزائري، إلى أن الدول الطاقوية نجحت في تحقيق مكاسب خلال عام الحرب، في ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز ومع العقوبات المفروضة بين روسيا والغرب.
السياسات المالية
وفي السياق، يتحدث الخبير الاقتصادي التونسي، رضا الشكندالي، عن السياسات المالية المُتبعة في مواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا على اقتصادات معظم دول المنطقة، موضحاً في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن السياسات ذهبت في اتجاهات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نفسها، وهي سياسات مالية حذرة، رغم أن مصدر التضخم الذي تشهده دول المنطقة هو تضخم مستورد وليس متأتياً من الداخل، وبالتالي هو ليس بنفس النمط في الولايات المتحدة وأوروبا.
ويلفت إلى تبعات تلك السياسات على عدد من الاقتصادات مثل مصر وتونس على سبيل المثال، قائلاً: "رأينا كيف أن السياسات النقدية الحذرة التي اتبعتها تونس وسياسة الصرف التي ذهبت إليها مصر، انعكست على الوضع الاقتصادي وكلفة الواردات، وبما يؤثر على معدلات العجز الجاري بصورة كبيرة، في ضوء تراجع قيمة العملة بوتيرة غير مسبوقة كما هو الحال بالنسبة للجنيه".
ويؤكد أن تلك السياسات النقدية الحذرة كان لها تأثير على ارتفاع قيمة الدولار، وما أدى لزيادة العجز التجاري بالنسبة للدول المرتبطة، في ظل ارتفاع قيمة الواردات وبالتالي التأثير على التوازنات الخارجية لهذه الدول وأيضاً كلفة الدين.
ويشدد الشكندالي على أن الدول الموردة للنفط نجت بشكل كبير من جانب مهم من تبعات الحرب، والمرتبط بارتفاع أسعار الطاقة، فقد حققت استفادة في هذا السياق. بينما على الجانب الآخر فإن ارتفاع فاتورة الغذاء وتأثر الإمدادات يسهم في زيادة أعباء الدعم وبما ينعكس على قيمة المصروفات في الموازنة العامة.