صراع الخبز والسلاح.. هكذا تلاحق أميركا روسيا في أفريقيا
15:59 - 18 فبراير 2023رمت الولايات المتحدة بثقلها في القمة الأفريقية التي انطلقت السبت في أديس أبابا، بأكبر وفد لها في تاريخ القمم الأفريقية.
ملفات القمة؟
- تبحث القمة قضايا أبرزها الأمن الغذائي والإرهاب وتحقيق الاستقرار في القارة المتخمة بالأزمات والحروب، وسط قلق أميركي متزايد من اتساع النفوذ الروسي، حيث ينتشر أكثر من 15 ألف مقاتل من مجموعة "فاغنر" في 4 بلدان أفريقية، وفقا لتقارير غربية.
مشاركة أميركية ضخمة
- تشارك الولايات المتحدة في القمة بوفد كبير تقوده مولي فيي مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤن إفريقيا، ويضم عدد من كبار الدبلوماسيين، إضافة إلى عدد من المدراء والمسؤولين في وكالات العون والتنمية الأميركية.
وتاتي المشاركة الأميركية الكبيرة في القمة الافريقية، في ظل تزايد اهتمام إدارة بايدن بقضايا القارة الإفريقية، بعد تراجع كبير للدور الأميركي في القارة خلال فترة حكم سلفه دونالد ترامب، مما أفسح المجال أكثر أمام تمدد النفوذ الصيني والروسي.
ووفقا لمراقبين، فإن ضم الوفد الأميركي لعدد كبير من مسؤولي وكالات العون، يشير إلى اتجاه الولايات المتحدة لمواجهة النفوذ الروسي الأمني والهيمنة الاقتصادية الصينية عبر استراتيجية جديدة تقوم على تلبية احتياجات القارة الاستثمارية والإنسانية التي يعاني ثلثي سكانها البالغ عددهم نحو 1.3 مليار نسمة من انعدام الأمن الغذائي.
وفي المقابل، استبق وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف التحركات الأميركية الحالية في القمة الأفريقية، بجولات ماكوكية شملت مالي وجنوب أفريقيا وأنغولا والسودان، بعد جولة أولى في يوليو 2022 شملت مصر والكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا والتقى بممثلي الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا.
نهج جديد؟
- على عكس روسيا التي تركز أكثر على العلاقات الأمنية "المدفوعة القيمة"، وفقا لمراقبين، تقول الولايات المتحدة إنها تسعى إلى توجيه علاقاتها مع بلدان القارة الأفريقية عبر استراتيجية تجمع بين التعاون الاقتصادي والاستثماري، والمساعدة في حل معضلة انعدام الأمن الغذائي، وفي نفس الوقت مخاطبة الهواجس الأساسية المتعلقة بالأمن القومي الأميركي مثل الإرهاب والأمن والنفوذ الروسي المتزايد.
ويرى المحلل السياسي ميتا سينيشو أن الواقع الجديد دفع البلدان المتنافسة لتغيير استراتيجيتهاـ ويقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الانخراط افي نهج متعدد الأدوار يسعى للتوفيق بين المصالح الاقتصادية والأمنية يمكن أن يساهم في توفير الأمن والاستقرار وتحقيق التطور الاقتصادي والتكنولوجي، فضلا عن تعزيز التحول الديمقراطي.
ويضيف: "فتح تحول السياسة الخارجية للولايات المتحدة من مكافحة الإرهاب وتراجع اهتمامها بأفريقيا في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب؛ الباب واسعا أمام تمدد روسيا أمنيا والصين اقتصاديا".
"فاغنر" والنفوذ الروسي
ظلت الولايات المتحدة تعبر علنا عن قلقها الشديد من التزايد السريع للنفوذ الروسي في أفريقيا، خصوصا في البلدان التي سعت للاستعانة بمجموعة "فاغنر" من أجل الحصول على خدماتها الأمنية مقابل امتيازات واسعة في مجال استخراج وتجارة الذهب وعدد من المعادن الثمينة والصناعية الأخرى.
ونقل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للقادة الأفارقة المشاركين في قمة واشنطن في ديسمبر 2022، قلق بلاده من الوجود الروسي في بعضا من بلادهم؛ موضحا؛ "مقاتلو فاغنر يهددون استقرار البلدان الأفريقية، ويسرقون الثروات المعدنية وينتهكون حقوق الإنسان".
كيف وسعت روسيا من نفوذها؟
- خلال العامين الماضيين، تزايد النفوذ الروسي بشكل كبير في مالي وأفريقيا الوسطى تحديدا، حيث عملت مجموعة فاغنر وشركات عسكرية روسية خاصة أخرى على تقديم خدماتها الأمنية في مواجهة الحركات والمجموعات المسلحة المعارضة لأنظمة الحكم هناك.
- وفقا لوزارة الخزانة الأميركية، فقد تمكنت المجموعات الأمنية الروسية من الحصول على امتيازات كبيرة في قطاع تعدين الذهب والماس الذي يدر مئات الملايين من الدولارات للخزينة الروسية.
- منذ أن بدأت حربها في أوكرانيا في مطلع 2023ـ رفعت روسيا من وتيرة اتصالاتها الدبلوماسية مع عدد من البلدان الأفريقية وذلك لمواجهة العزلة المضروبة عليها من أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما يفسر تصويت 28 دولة فقط من 56 دولة في القارة لصالح قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة العملية الروسية في أوكرانيا، وفي مرحلة لاحقة وجدت موسكو ضالتها في أفريقيا للحد من القيود التي فرضت على صادراتها النفطية؛ حيث تشير التقديرات إلى أن متوسط صادرات روسيا النفطية للدول الأفريقية بلغت في ديسمبر 2022؛ نحو 214 ألف برميل يوميا؛ بارتفاع 300 في المئة عن ما كانت عليه في ديسمبر 2021.
- إضافة إلى الحماية الأمنية، فإن الحماية السياسية تشكل بعدا آخرا بالنسبة لعدد من البلدان الأفريقية التي تستفيد من وضعية روسيا كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
الأمن الغذائي.. مهمة واشنطن
- يواجه نحو ثلثي سكان القارة الأفريقية المقدر عددهم بنحو 1.3 مليار نسمة، خطر انعدام الأمن الغذائي في ظل تراجع الإنتاج الزراعي بأكثر من 30 في المئة خلال العامين الماضيين بسبب الآثار المترتبة على التغير المناخي، إضافة إلى النزاعات الأهلية وتداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية في أوكرانيا.
لكن أيا من الصين وروسيا لم تلعبا دورا بارزا في حل معضلة تزايد انعدام الأمن الغذائي في افريقيا. وفي هذا السياق يقول بكري الجاك استاذ السياسات في الجامعات الأميركية لموقع سكاي نيوز عربية "تاريخيا؛ لم يرتبط الوجود الروسي في أفريقيا بتقديم اي حلول لمعضلة انعدام الأمن الغذائي أو تقديم مساعدات تنموية ملموسة".
ويشدد الجاك إلى ضرورة أن تركز الدبلوماسية الأميركية على مخاطبة القضايا التي تواجهها أفريقيا، مثل الأمن الغذائي والسلام والاستقرار إذا كانت ترغب في إقامة علاقات استراتيجية مستدامة.
كما يشير إلى أن الدعم الغذائي والسياسي الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة للبلدان والجماعات الملتزمة بالديمقراطية سيحد كثيرا من النفوذ الروسي.
معضلة الإرهاب في أفريقيا
منذ تسلمها السلطة في يناير 2021، كثفت إدارة بايدن العمل الدبلوماسي في القارة السمراء والدخول المباشر كطرف فاعل في حل الأزمات التي تعاني منها الكثير من البلدان، خصوصا ليبيا والسودان وإثيوبيا.
وفي المقابل، تشهد أفريقيا متغيرات كبيرة، نجمت عن سقوط وتغير أنظمة حكم في دول مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا والسودان وكينيا. كما تتزايد أيضا المخاوف الأمنية في ظل اتساع رقعة أنشطة الجماعات الإرهابية خصوصا في شرق وغرب القارة؛ وهو ما يشكل قلقا كبيرا للأمن القومي الأميركي.
وفقا لتقديرات مؤشر الإرهاب للعام 2022، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام؛ فقد فشلت حتى الآن الاستجابات الدولية والإقليمية للعنف في وقف الزيادة المتواصلة في مستويات الإرهاب. وزاد عدد الهجمات الإرهابية المنفذة في شرق وغرب أفريقيا بمعدل 55 في المئة.
وارتفعت حصة المنطقة من مجمل وفيات في العالم الناجمة عن عمليات إرهابية من 1 في المئة في 2007 إلى 35 في المئة.
الاقتصاد والاستثمار
على عكس الصين التي تركز أكثر على العلاقات الاستثمارية والتجارية، تسعى الولايات المتحدة إلى توجيه علاقاتها مع بلدان القارة الأفريقية عبر استراتيجية تجمع بين التعاون الاقتصادي والاستثماري وفي نفس الوقت مخاطبة الهواجس الأساسية المتعلقة بالأمن القومي الأميركي.
وفي ظل التنافس الدولي على موارد القارة الأفريقية، يبرز الاقتصاد كأحد اهم محاور اهتمام الولايات المتحدة التي تسعى لزيادة استثماراتها مع دول القارة الغنية بالموارد الطبيعية؛ وزيادة حجم تجارتها؛ التي تبلغ حاليا نحو 61، مليار دولار سنويا مقابل أكثر من 280 مليار دولار للصين.
وبدأ الاهتمام بالبعد الاقتصادي واضحا من خلال إعلان إدارة بايدن خلال القمة الأفريقية الأميركية التي استضاف فيها بايدن رؤساء وممثلي 50 دولة أفريقية، وأعلن خلالها ضخ 55 مليار دولار في اقتصادات البلدان الأفريقية خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وعبر خوسيه فرنانديز وكيل وزارة الخارجية الأميركية للنمو الاقتصادي والطاقة والبيئة عن الاستراتيجية الاقتصادية الأميركية الجديدة بالقول إن الحرب الروسية على أوكرانيا دفعت بلاده إلى الاهتمام بتنويع سلاسل التوريد، مشيرا إلى أن إفريقيا يمكن أن تستفيد من ذلك.
وأوضح "الشراكة مع أفريقيا هي إحدى الأسس المهمة لاستراتيجية إدارة الرئيس بايدن، لأننا عندما نتحدث عن أولويات مثل الانتقال إلى الطاقة النظيفة وسلاسل التوريد والاستثمار، فإننا نحتاج إلى التعاون مع البلدان الأفريقية".
ولفت المسؤول الأميركي إلى أن بلاده تبحث مع شركاء من القطاعين العام والخاص في الدول الأفريقية تعزيز وتعميق التعاون في مجال سلاسل التوريد.
وتحتاج أميركا بشدة إلى زيادة الاستثمار في السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وهو ما يتطلب استيراد المزيد من المعادن التي تدخل في صناعة توربينات رياح وألواح الطاقة الشمسية والبطاريات الكهربائية.
وإضافة إلى المعادن الصناعية التقليدية، تسيطر الدول الأفريقية على الحصة الأكبر من إنتاج نحو 40 معدنًا مهمًا لمستقبل الطاقة النظيفة والصناعات الصديقة للبيئة مثل السيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر والرقائق.
و يرى الباحث الاقتصادي إبراهام لارتي أن أفريقيا تنعم بفرص اقتصادية ضخمة وبوفرة هائلة من الموارد الطبيعية؛ حيث تتركز فيها 30 في المئة من موارد العالم المعدنية؛ كما تمتلك 8 في المئة من احتياطات الوقود الأحفوري و12 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي، وتستحوذ على 65 % من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم.
كما توفر أفريقيا فرص استثمارية تقدر بأكثر من 500 مليار دولار في مجال البنيات التحتية.
حقائق
- يعكس التنافس الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا والصين جانبا من الاستقطاب الأمني الاقتصادي الاستراتيجي الدولي الحاد حول أفريقيا التي تعتبر من أكثر مناطق العالم جذبا للتنافس الدولي.
- يشكل تفشي الفساد تحديا كبيرا لتدفق المساعدات والاستثمارات الأميركية، حيث ينتشر الفساد بشكل واسع في عدد من بلدان القارة، مما أدى إلى دخول 35 من دولها في قائمة ضمت 46 دولة صنفتها الأمم المتحدة كأقل بلدان العالم نموا.
- تهيمن روسيا والصين حاليا على جزء كبير من الموارد المعدنية في أفريقيا عبر شركات عملاقة مثل شركة "زيجين" التي تعتبر واحدة من أكبر مجموعات التعدين في العالم ولها أنشطة ضخمة في مجال إنتاج الليثيوم والنحاس والمعادن الأخرى في عدد من البلدان الأفريقية. وتتمدد الشركات الروسية في أنغولا حيث تدير شركة ألروسا مشاريع مربحة في مجال استخراج وتجارة الماس، كما تنشط شركة "روساتوم" في مجال تعدين البوكسيت في غينيا.