700 قرية تحمل اسمها.. سر ارتباط السودانيين بـ "الشجرة"
00:22 - 18 يناير 2023يرتبط السودانيون بشكل وثيق بالشجرة ويعتبرونها مصدر رزق وفأل وتدخل في الكثير من استخداماتهم اليومية، بما في ذلك العلاج، ويتجسد ارتباط السودانيين الكبير بالشجرة في سيطرتها على مسميات أكثر من 700 قرية في شتى مناطق البلاد.
ويقول خبير الغابات، طلعت عبد الماجد، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن التقديرات تشير إلى وجود اكثر من 830 نوعا من النباتات الخشبية من أشجار وشجيرات ومتسلقات مسجلة في السودان، من بينها 154 نوعا، ذات منتجات غير خشبية 90 منها تنتج ثمارا تستخدم في الأغذية والمشروبات والأعلاف.
ويضيف أن 67 نوعا منها تستخدم في إنتاج العقاقير الطبية والمنتجات الكيماوية.
وتشكّل الشجرة مصدرا أساسيا للطاقة، حيث تشير تقديرات إلى أن استهلاك حطب الوقود في السودان، يبلغ أكثر من 15 مليون طن سنويا، ويشكّل أكثر من نصف إجمالي استهلاك الطاقة في البلاد.
ارتباط وثيق
وفقا لموسى شيخ الربع الباحث في التراث ومؤلف موسوعة "الشجرة السودانية"، فإن ارتباط الإنسان السوداني بالشجرة يبرز من خلال الكثير من الأنشطة الاقتصادية والجوانب الطبية والثقافية والتراثية.
ويقول الربع لموقع "سكاي نيوز عربية" إن مجتمعات بكاملها في بعض مناطق السودان تعتمد على الشجرة كمصدر للدخل.
وتعتبر شجرة "الهشاب" واحدة من أكثر أنواع الأشجار ارتباطا بحياة سكان غرب السودان، ولديها انعكاسات واضحة على مجمل اقتصاد البلاد، إذ يعتبر الصمغ العربي الذي تنتجه "الهشاب" واحدا من أهم الصادرات السودانية، وساهمت كثيرا في إنقاذ حياة سكان الريف في سنوات القحط.
أما ثاني الأشجار الأكثر أهمية وارتباطا بحياة الناس في السودان فهي شجرة "التبلدي"، التي تكتسب أهميتها ليس من حجمها الاستثنائي فقط، بل من كونها مصدرا مهما للمياه والغذاء والدواء وقدرتها على الحياة لمدة تصل إلى ألف عام.
وتعتبر هذه الشجرة، التي تتركز بكثرة في إقليم كردفات بغرب السودان أضخم وأطول أشجار العالم، إذ يصل ارتفاعها إلى 30 مترا وقطر جذعها يصل إلى 11 مترا ويمكنه استيعاب 45 شخصا في حال إفراغه من الداخل.
وتشكل شجرة "التبلدي" في العديد من مناطق كردفان المكان الذي يحتشد فيه الناس ويناقشون تحت ظلالها شؤونهم العامة، ويقيمون حفلها ولائم أفراحهم. كما تعتبر شجرة صيدلية متكاملة حيث تتميز ثمارها بمكونات غنية لديها القدرة على معالجة عدد من الأمراض، كما يقول السكان.
وفي مناطق أخرى، تؤدي شجرة "السنط" دورا كبيرا في حياة الناس، حيث تستخدم ثمرة القرض التي تنتجها كمادة دابغة وكعنصر مهم في الكثير من الاستخدامات الطبية البلدية.
وتنتشر شجرة "الهجليج" في الكثير من مناطق السودان وهي من الأشجار العملاقة التي تنتج ثمرة "اللالوب"، التي تستخدم كعلاج للإسهالات وآلام البطن في بعض المناطق الريفية، كما تستخدم سيقانها العريضة في صنع الأثاث المنزلي وفي أعمال البناء.
قيمة ثقافية وتاريخية
وللشجرة موقع مميز في الشعر السوداني، إذ تغنى بها الكثير من الشعراء والفنانين.
ويوضح الشاعر الفاتح حمدتو لموقع "سكاي نيوز عربية" أن هنالك العديد من الأغاني والأعمال الثقافية السودانية التي شكلت الشجرة عنصرا أساسيا فيها.
ومن الأغاني الشهيرة التي حملت اسم الشجرة أغنية المنقة "ثمرة المانجو" التي نظمها الشاعر الغنائي إسحق الحلنقي، وتغنت بها فرقة "البلابل" الشهيرة المكونة من ثلاث شقيقات، إضافة إلى أغنية "جنا الباباي" التي تغنى بها كمال ترباس.
وأبدع الشاعر مبارك المغربي في وصف النخلة في أغنية "حب الأديم" التي تغنى بها الراحل صلاح بن البادية. وشكلت كذلك أشجار "التبلدي" والدوم والخراز زالمانجو مادة دسمة للكثير من الأعمال الدرامية التي شهدها السودان في العقود الماضية.
سياسيا، ووفقا للموثق صديق الطيب البشير؛ فقد ارتبطت الأشحار بالعديد من الشخصيات المفصلية في التاريخ السوداني.
وتشير واحدة من الروايات إلى أن منطقة "الشجرة" الحالية في جنوب الخرطوم، التي تعتبر من أهم المناطق العسكرية في البلاد سميت بهذا الاسم، بعد دخول الإنجليز الخرطوم في القرن التاسع عشر؛ حيث اتخذوها مكانا للاستراحة من حر الخرطوم القائظ.
وتقول رواية أخرى إن الشجرة ذاتها كانت مكانا اختاره عبد الرحمن المهدي نجل مؤسس الثورة المهدية محمد احمد المهدي للاستراحة خلال رحلاته الدائمة بين الخرطوم ومنطقة الجزيرة أبا معقل الأنصار.
وارتبطت شجرة "الهجليج" بمحمد أحمد المهدي نفسه عندما اختار مجموعة منها في شمال أم درمان مكانا لمعسكرات قواته في خضم تحضيراته لفتح الخرطوم في العام 1884، حيث تلقى بيعة أهالي المنطقة تحت ظلها.