هل الطاقة النووية على موعد مع "عصر ذهبي" في أوروبا؟
18:45 - 13 يناير 2023يبدو أن الطاقة النووية، على موعد مع "عصر ذهبي" جديد في القارة الأوروبية، مع اشتداد الحاجة إلى مصادر طاقة نظيفة ورخيصة، وذلك في مواجهة أزمة نقص الإمدادات الروسية من الغاز، على خلفية الحرب في أوكرانيا، والتي دفعت الأسعار لمستويات قياسية العام الماضي، وأيضا لتلبية الأهداف المتعلقة بالمناخ.
بعد 12 عاما على كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني، والتي أدت إلى تراجع الاعتماد على "النووي"، عادت هذه الطاقة إلى الواجهة من جديد، وأعلنت دول أوروبية عدة عن خطط للتوسع في إنشاء مفاعلات نووية جديدة، أو تمديد عمل مفاعلات كان من المقرر خروجها من الخدمة، لتوفير كهرباء رخيصة ومستدامة من مصدر نظيف بعيدا عن الوقود الأحفوري.
قال مستشار الطاقة الدولي عامر الشوبكي، في تصريحات لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية": "أعتقد أن عصرا ذهبيا للطاقة النووية سيبدأ في أوروبا وأيضا في العالم كله، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة من الوقود الأحفوري سواء النفط أو الغاز أو الفحم، وبالتالي ستكون مخرجا لعديد من الدول، وخاصة دول القارة الأوروبية".
وأضاف أن "هناك نية لإنشاء أكثر من 20 مفاعلا نوويا في دول مختلفة بأوروبا، منها بلجيكا وهولندا وبريطانيا، بعد أن كانت هناك نية للحد من مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة النووية، وسيزيد هذا الاتجاه أيضا بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي للطاقة النووية، باعتبارها هي والغاز الطبيعي من مصادر الطاقة النظيفة، وانعدام الانبعاثات الحرارية فيما يتعلق بالطاقة النووية".
وأدت الحرب الروسية الأوكرانية، إلى ارتفاعات كبيرة في تكاليف الطاقة، العام الماضي، خاصة في أوروبا، وهو ما اضطر دول القارة إلى اتخاذ تدابير لتقليص الاستهلاك، من أجل تفادي حدوث أزمة في فصل الشتاء.
ورغم أن أوروبا نجت بشكل نسبي من أزمة الطاقة التي كانت مرجحة بشدة هذا الشتاء، بفضل طقس دافئ على غير المعتاد، وتقليص الاستهلاك بنسبة أكبر من المستهدف (15 بالمئة)، وزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 58 بالمئة في 2022.. لكنها تخشى حاليا من صعوبات في إعادة ملء مخزوناتها لموسم الشتاء المقبل، خاصة مع إعادة فتح الاقتصاد الصيني، وتوقعات بمنافسة شرسة على الغاز المسال.. وهو ما يدعو الدول الأوروبية للإسراع في إيجاد بدائل للطاقة، من المتوقع أن يكون في مقدمتها "الطاقة النووية".
وينظر مؤيدو الطاقة النووية إلى هذه الصناعة على أنها حيوية لتحقيق أهداف طاقة نظيفة تماما. حيث أنه بمجرد بناء مفاعلات نووية، فإنها توفر كهرباء منخفضة الكربون على مدار 24 ساعة، بخلاف الرياح المتقطعة أو الطاقة الشمسية.
رجوع اضطراري
قبل أن تبدأ روسيا حربها في أوكرانيا، بنهاية فبراير 2022، كانت الطاقة النووية تسير في طريقها نحو الغروب، مع إغلاق عديد من الدول لمفاعلاتها النووية، والمضي قدما نحو التخلص منها لصالح الطاقات المتجددة مثل الرياح والشمس، وهو الاتجاه الذي سرّعته كارثة مفاعل "فوكوشيما" في عام 2011، وسط مخاوف من المخاطر المتعلقة بتشغيل المفاعلات النووية ومخلفات الوقود الناتجة عنها.
المخاوف من مخاطر الطاقة النووية، أدت إلى تراجع مساهمتها في توليد الكهرباء عالميا إلى حوالي 11 بالمئة فقط حاليا، مقارنة مع أكثر من 17 بالمئة في الفترة بين عامي 1990 و2000، قبل أن يتراجع الاستثمار في مشروعات الطاقة النووية، ويقل الاعتماد عليها في توفير الكهرباء، خاصة أن أغلب برامج الطاقة النووية انطلقت في السبعينات، وبدأت في الخروج من الخدمة بشكل تدريجي.
لكن عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، ودخول الغاز والنفط، كأسلحة في المعركة الدائرة بين موسكو والغرب، أعادت أوروبا تقييم موقفها من الطاقة النووية، من أجل الحفاظ على أمنها من الطاقة، خاصة بعد انقطاع إمدادات الغاز الروسية، والعقوبات المفروضة حاليا على النفط الروسي، والحاجة إلى بديل آخر، يكون رخيصا، وفي نفس الوقت نظيفا، حتى لا يطول اعتمادها على مصادر غير نظيفة مثل الفحم، الذي اضطرت للعودة إليه.
- فرنسا، أكبر منتجي الطاقة النووية في أوروبا، والتي تأتي في المركز الأول عالميا، في الاعتماد على النووي في توليد الكهرباء، بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، كانت تخطط لتقليص هذه النسبة إلى 50 بالمئة بحلول عام 2035، من خلال إيقاف تشغيل المفاعلات القديمة، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة.
وبعد أن كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تعهد في 2018، بإغلاق 14 مفاعلا نوويا، بحلول عام 2035، عاد وأعلن في مطلع العام الماضي، عن خطة معاكسة، تستهدف بناء حوالي 14 مفاعلا نوويا حتى عام 2050، ضمن خطط الحياد الكربوني. وقبل نهاية 2022، أممت فرنسا شركة الكهرباء بالكامل، لتنفيذ استراتيجيتها الجديدة.
- ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، أغلقت 3 مفاعلات نووية من أصل 6 مفاعلات كانت متبقية لديها، في ديسمبر 2021، وكانت تخطط لإغلاق آخر 3 مفاعلات في ديسمبر 2022، لكنها اضطرت لتمديد عمل هذه المحطات الثلاث إلى منتصف أبريل 2023، للتغلب على أزمة نقص الغاز، خاصة أنها تعتبر الأكثر تضررا من انقطاع إمدادات الغاز الروسية الذي كان يشكل نحو 40 بالمئة من احتياجاتها.
- السويد، التي تعتمد على الطاقة النووية في توليد حوالي 30 بالمئة من الكهرباء، بحسب تقديرات معهد أكسفورد للطاقة، والتي لديها حاليا 6 مفاعلات نووية في 3 مواقع هي: فورسمارك، وأوسكار شامن، ورينغالز، تعمل حاليا على تشريع قانوني جديد يسمح لها ببناء المزيد من المفاعلات النووية، بعد أن كانت الحكومات السابقة تسعى إلى تفكيك المفاعلات القائمة.
وقال رئيس الوزراء السويدي، أولف كريسترسون، الأربعاء الماضي، إن الحكومة تريد توسيع بناء محطات الطاقة النووية، لتلبية الحاجة الملحة لمزيد من إنتاج الكهرباء.
وأضاف: "السويديين ينجحون حاليا في الحفاظ على الطاقة.. لكن على المدى البعيد هناك حاجة لمزيد من الكهرباء للصناعة والنقل".
- وفي بلجيكا، أعلنت الحكومة أنها اتفقت مع شركة الطاقة الفرنسية "إنجى" على تمديد عمر خدمة محطتي الطاقة النووية "Tihange 3" و"Doel 4" لمدة عشر سنوات إضافية.
- بريطانيا، أيضا ليست بعيدة عن هذا الاتجاه، حيث تسعى لمضاعفة قدراتها من الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، واستبدال محطاتها المتقادمة، كما أن دولا مثل التشيك وبولندا ورمانيا، تعمل أيضا على إنشاء مفاعلات جديدة.
حل طويل المدى
رغم هذه المشروعات الطموحة للطاقة النووية، فإنها ستواجه بعض التحديات، في مقدمتها الوقت، حيث يستغرق إنشاء محطة نووية، عقدا أو أكثر في أحسن الأحوال، هذا إلى جانب مخاطر التشغيل والتكلفة المرتفعة.
وقال خبير الطاقة، عامر الشوبكي، في حديثه لـ “اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "هذه المشروعات ستحتاج إلى وقت حتى يتم الانتهاء منها، وهذا يعني أن أزمة الطاقة ستبقى مستمرة لسنوات، حتى الانتهاء من بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية".
لكن الشوبكي، أشار أيضا إلى ظهور تكنولوجيات جديدة، سواء من شركة روساتوم الروسية، أو حتى في أميركا، تسمح بإنشاء مفاعلات نووية، صغيرة الحجم، بتكلفة منخفضة، وكفاءة عالية، والتي جرى استنباطها من المفاعلات النووية المستخدمة في تشغيل السفن البحرية والغواصات، والتي يتجه إليها الكثير من الدول للاعتماد عليها في مشروعاتهم النووية الجديدة.
ومن التحديات أيضا، الوقود النووي المستخدم في تشغيل هذه المحطات، "حيث تعتبر روساتوم الروسية، أكبر مزود للوقود النووي في العالم، وتعتمد عليها أوروبا لتوفير نحو 50 بالمئة من احتياجاتها، وكذلك أميركا تعتمد على الوقود النووي الروسي.. ولذلك روساتوم خارج العقوبات الغربية حاليا، حيث يُعتمد عليها بشكل أساسي في توفير الوقود النووي وأيضا التكنولوجيا النووية".
ومن بين التحديات التي تواجه انتشار الطاقة النووية للاستخدامات الخاصة بتوليد الكهرباء، هو امتناع البنك الدولي عن تمويل هذه المشروعات، رغم أنه يعتبر أكبر ممول للطاقة الخضراء في العالم، بحسب تقرير حديث نشرته "فورين بوليسي".
ويرى الشوبكي أن العالم كله وليس أوروبا فقط سيتجه نحو بناء مزيد من محطات الطاقة النووية في الفترة المقبلة، لتوفير الكهرباء، من مصادر نظيفة، بما يشير إلى عودة قوية للطاقة النووية في العقود المقبلة بعد أفولها في السنوات الماضية خشية المخاطر المتعلقة بها.
وبحسب تقديرات معهد أكسفورد للطاقة فإن 439 مفاعلا نوويا تعمل في الوقت الحالي، وتوفر الكهرباء في نحو 32 دولة حول العالم، أغلبها في أوروبا وأميركا الشمالية وبعض الدول الآسيوية، هذا إلى جانب حوالي 60 مفاعلا نوويا قيد الإنشاء.
وتعتبر أميركا أكبر دولة منتجة للكهرباء من الطاقة النووية في العالم، وإن كانت نسبة الكهرباء المولدة تمثل حوالي 19.7 بالمئة فقط من إجمالي الطاقة المولدة في الولايات المتحدة.
وتشير تقديرات معهد أكسفورد للطاقة إلى أن العالم سيحتاج لإضافة 235 مفاعلا جديدا خلال الثماني سنوات المقبلة من أجل الوصول إلى هدف الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.