النفط الليبي.. خطط زيادة الإنتاج تصطدم بالرهانات السياسية
17:31 - 13 يناير 2023تسهم إيرادات قطاع النفط الليبي في إنعاش آمال اقتصاد ذلك البلد المُنهك على مختلف الأصعدة، والذي وضعته تقديرات صندوق النقد الدولي الأخيرة على رأس قائمة أسرع 10 اقتصادات نمواً في العام الجديد 2023.
خلال السنة الماضية حقق قطاع النفط في ليبيا مستويات قياسية غير مسبوقة منذ 2013، محافظاً على معدلات إنتاج فوق المليون برميل يومياً، ما عزز آمال الانفراجة الاقتصادية، باعتبار النفط يشكل المصدر الرئيسي للدخل، وفي ضوء خطط لزيادة معدلات الإنتاج خلال الأعوام القليلة المقبلة.
وبرغم أن تلك المعدلات الإيجابية لا تعبر عن الوضع الاقتصادي القائم هناك، حيث موجة تضخم وركود غير مسبوقة في بلد تمزقه الصراعات السياسية وحالة عدم الاستقرار، فإن تحقيق تلك الانفراجة والمضي قدماً في سبيل رفع المعدلات الإنتاجية لتصل إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً في غضون 10 سنوات، يظل مرتبطاً بمدى التقدم المحرز على الصعيد السياسي.
ماذا حقق النفط الليبي في 2022؟
برغم المعوقات الداخلية التي تواجه قطاع النفط في ليبيا، من بينها الحصار المتكرر من قبل مجموعات مسلحة للمنشآت النفطية بالبلاد، وحالة التذبذب التي شهدتها الموانئ وحقول النفط وعملية الإنتاج والتصدير في ظل التوتر والصراعات الداخلية، إلا أن النفط الليبي حقق نتائج إيجابية في العام 2022.
• ارتفع إجمالي الإيرادات النفطية إلى 105.5 مليار دينار ليبي (22.01 مليار دولار)
• كانت الإيرادات في العام 2021 قد سجلت 103.4 مليار دينار (طبقاً لبيانات المركزي الليبي)
• ارتفع الإنتاج إلى نحو 1.2 مليون برميل يومياً
شهد العام المنصرم عدداً من التغيرات المؤثرة بقطاع النفط في ليبيا، وفي ضوء خطط لزيادة الإنتاج والعودة لمعدلات ما قبل العام 2010 عندما كان حجم الإنتاج اليومي يلامس الـ 1.6 مليون برميل يومياً.
من بين تلك المتغيرات متغيرات خارجية على غرار ارتفاع أسعار النفط الذي أسهم في إنعاش التوقعات المستقبلية، فضلاً عن قرارات داخلية من بينها رفع حالة القوة القاهرة عن عمليات الاستكشاف لإنتاج النفط والغاز، ودعوة شركات النفط العالمية التي أبرمت عقودا مع المؤسسة الوطنية للنفط إلى استئناف عملها في ليبيا، مع استئناف بعض أعمال الحفر في مواقع كان قديماً من الصعب العمل بها.
ما الذي يصبو إليه قطاع النفط في ليبيا خلال 2023؟
بينما خلال العام الجاري 2023، تتطلع ليبيا العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، إلى تحقيق مستويات إنتاج قياسية، وهي التطلعات التي تظل مرهونة بالتطورات السياسية والميدانية، وسط مخاطر استمرار الصراع على نحو ما هو عليه الآن.
طبقاً لتقديرات وزير النفط الليبي، محمد عون فإن بلاده تستهدف رفع معدلات الإنتاج من النفط إلى مستويات قياسية خلال السنوات المقبل.
• ليبيا يُمكنها الوصول إلى معدلات 3 ملايين برميل يومياً خلال 10 سنوات
• يستهدف البلد الوصول إلى معدلات إنتاج 1.6 مليون برميل يومياً في غضون من عامين إلى ثلاثة أعوام (طبقاً لتصريحات أدلى بها على هامش مشاركته في اجتماع وزراء منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول). ورفع المعدل المستهدف إلى مليوني برميل خلال 3 سنوات، في تصريحات إعلامية له لاحقاً
• تأمل ليبيا في جذب شركات النفط الأجنبية للعودة إلى البلاد بعد القرارات الخاصة برفع القوة القاهرة عن التنقيب
وفي سياق المستهدفات أيضاً، أشار رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط الليبية فرحات بن قدارة، في لقاء مع سكاي نيوز عربية، إلى أن بلاده:
• تحتاج سنوياً في حدود من 4 إلى 5 مليارات استثمارات جديدة للمحافظة على معدلات الإنتاج الحالية (1.2 مليون برميل يومياً)
• تتبنى خطة لرفع مستوى الإنتاج المستهدف إلى 2 مليون برميل يومياً
• يتم تمويل خطة زيادة الإنتاج من خلال تمويل مباشر من الدولة الليبية، وجزء يمول باستثمارات في البنية التحتية، وجزء آخر من الشركاء الأجانب.
وكان وزير النفط الليبي قد توقع ارتفاعاً تدريجياً في الإنتاج، ليصل في العام الجاري 2023 ما بين 1.3 و1.5 مليون برميل يومياً (ورهن ذلك بآلية نشاط مؤسسة النفط ومدى التقدم المحرز في إنجاز أعمال تطوير الآبار).
الأثر الاقتصادي "المأمول"
الخبير الاقتصادي الليبي، علي الصلح، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن المعضلة الأساسية التي كانت تواجه قطاع النفط كانت مشكلة مادية مرتبطة بمخصصات المؤسسة الوطنية، لكن مع الميزانية الاستثنائية التي تم تخصيصها خلال العام الماضي لزيادة الإنتاج النفطي، كان الاتجاه نحو زيادة الإنتاج بمعدلات مختلفة خلال الأعوام المقبلة، باعتبار أنه مع كل مليار دينار ليبي تكون هناك زيادة 100 ألف برميل يومياً.
ويتابع: "تم تخصيص 34 مليار دينار، صرف منها خلال الفترة الماضية حوالي 15 مليار دينار (..) ومن المفترض أن يكون الأثر الاستثماري لتلك المخصصات كبير جداً، وبما يقود إلى تحقيق المستهدفات الخاصة بالوصول إلى مليوني برميل يومياً".
لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى استمرار بعض المعوقات الفنية، ومع أهمية العمل على عودة الشركات إلى ليبيا بعد رفع القوة القاهرة عن بعض المواقع لزيادة الإنتاج.
ويرى أن "ليبيا من المفترض أن يكون لديها إنتاج على الأقل 2 مليون برميل يومياً حتى يكون هناك التوازن المنطقي والفائض الحقيقي في الميزانية (..) لا سيما في ظل ارتفاع أسعار النفط، إذ يمكن لليبيا الاستفادة بشكل أكبر".
ويلفت الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أنه من المأمول أن تنعكس زيادة معدلات الإنتاج على الاقتصاد الليبي بشكل نسبي وليس مطلقاً (لارتباط المشهد بالتطورات الداخلية)، ومن المأمول أن يساعد ذلك على زيادة الاحتياطي النقدي الأجنبي في المركزي الليبي، وأن تكون لدى الاقتصاد الليبي استدامة مالية مناسبة، بالنظر إلى أن أي زيادة في الناتج سوف تؤدي لانخفاض نسبة الدين إلى الناتج المحلي (..) جل هذه الانعكاسات تؤثر على ميزان المدفوعات وتحسن من القوة الشرائية للدينار".
ميزانية استثنائية
من جانبه، فإن الباحث السياسي والاستراتيجي الليبي محمد الأسمر، يقول في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الميزانية الاستثنائية التي تم تخصيصها بقيمة 34 مليار دينار ليبي لصالح المؤسسة الوطنية للنفط، كانت تستهدف المساهمة في رفع المعدلات الإنتاجية من النفط إلى 1.4 مليون برميل يومياً.
وقد وضعت خطة بعد ذلك بعد تولي فرحات بن قدارة رئاسة مجلس إدارة المؤسسة، من أجل العمل على وضع رؤية لتحقيق تلك الزيادة مع الاستقرار في الحقول النفطية وعمليات الصيانة والتطوير.
ويوضح الأسمر أنه برغم تلك الجهود، فإن الإنتاج لم يتجاوز عتبة الـ 1.2 مليون برميل يومياً في نهاية العام 2022، مشيراً إلى أن ثمة تفاؤل بأنه بحلول نهاية العام الجاري 2023 يمكن الوصول إلى سقف 1.3 مليون برميل يومياً.
وحول انعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي الليبي بصفة عامة، يشير الباحث السياسي والاستراتيجي الليبي، إلى أن الوضع لم يتأثر كثيراً بزيادة معدلات إنتاج النفط على ذلك النحو، ولا يشعر المواطن الليبي بشكل مباشر بعوائد ذلك، لا سيما في ضوء "عمليات الفساد المستشري، والتي تهدر عوائد الصادرات"، على حد تعليقه، محيلاً في الوقت نفسه إلى تقارير رقابية وشكاوى مقدمة للنائب العام بهذا الخصوص.
وأمام ذلك يرى الأسمر أنه "إذا لم يتم إصلاح المنظومة الإدارية والسياسية التنفيذية، فإنه لا تأثير لزيادة الإنتاج النفطي على الوضع الاقتصادي العام".