ماذا يخفي 2023 لأسواق النفط؟
17:41 - 10 يناير 2023مع تحول النفط من سلعة غامضة قبل قرن من الزمان إلى سلعة أساسية، مثلها مثل الماء، على حد قول الاقتصادي البريطاني الشهير جيمس بوكان، بات العالم يتهافت على توفيرها مقابل أي ثمن، ويبقى التساؤل الأهم حول ماهي العوامل التي تتحكم في أسعار النفط؟
فقد شهدت أسواق النفط في 2022 عاما تاريخيا، تميز بزيادة التقلبات وتسجيل مستويات تاريخية لم نراها منذ 2008 بعد أن لامس برنت مستويات 139 دولارا للبرميل في مارس الماضي وسط المخاوف من حظر النفط الروسي.
ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط في 2023، رهينة لمخاوف العرض والطلب، وتشديد السياسة النقدية (رفع معدلات الفائدة) من قبل البنوك المركزية حول العالم وعلى رأسهم الفيدرالي، وتوقعات حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي والركود المحتمل، وإعادة فتح الاقتصاد الصيني واستمرار أمد الأزمة الروسية الأوكرانية.
قوى العرض والطلب
لطالما كان قانون العرض والطلب هو أحد المحركات الرئيسية لسعر أي سلعة بما فيها أسواق النفط العالمية، وتعد أوبك وروسيا والولايات المتحدة من أكبر منتجي النفط في العالم بحصص تبلغ 30 بالمئة، 10 بالمئة، و12 بالمئة على التوالي.
في العام الحالي تقتصر القدرة على أي زيادة ممكنة في معروض النفط على كل من أوبك والولايات المتحدة، في حين تبقى روسيا مجبرة نظريا على خفض إنتاجها بسبب الحظر وسقف الأسعار المفروض على نفطها.
وتبقى توقعات زيادة إنتاج النفط الأميركي محدودة للغاية في 2023، بحيث أنها قد لا تتجاوز الـ 500 ألف برميل يوميا في أفضل الأحوال، في حين أن منظمة أوبك ملتزمة بقرارها الأخير في أكتوبر بخفض إنتاجها بواقع مليوني برميل بداية من نوفمبر 2022 وحتى نهاية عام 2023.
وتشير التوقعات إلى أن النصف الأول قد يشهد فائضا في المعروض بسبب ضعف النمو الاقتصادي، وهذا سيؤدي إلى زيادة المخزونات، ما قد يضغط على الأسعار أو بقاءها متذبذبة حول المستويات الحالية، إلا أن بيوت الخبرة حول العالم تجمع أن هاجس نقص المعروض بسبب النفط الروسي سيبقى مصدر قلق للأسواق العالمية، وخاصة بالنصف الثاني 2023، إذ ستدخل جميع القيود على النفط الروسي حيز التنفيذ، الأمر الذي سيؤدي بكل تأكيد إلى زيادة تعطيش أسواق النفط وبالتالي ما يدعم الأسعار.
يذكر أن وكالة الطاقة الدولية رفعت توقعاتها لنمو الطلب النفطي في 2023 بمقدار 100 ألف لتصل الزيادة إلى 1.7 مليون برميل يوميا ويبلغ الإجمالي 101.6 مليون برميل يوميا، في حين أبقت منظمة "أوبك" على توقعات نمو الطلب العالمي على النفط بنحو 2.2 مليون برميل يوميا في 2023.
تأثير مصنع العالم على أسعار النفط
يعتبر الاقتصاد الصيني عاملاً مؤثّراً واستثنائياً في تحديد اتجاه أسعار النفط في 2023، فما إن بدأت الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بالإعلان عن إعادة فتح اقتصادها، حتى تأثرت أسواق الطاقة حول العالم إيجاباً.
ولكن هذه الموجة الإيجابية لم تستطع الصمود لوقت طويل، فانهارت تحت ضغط انتشار فيروس كوفيد-19 بشكل هائل في البر الصيني، وهذا ما خلق مخاوف جدية من عدم قدرة التنين الصيني، على العودة إلى نفس مستويات النشاط الاقتصادي ما قبل الجائحة، والتي كانت ستنعكس مزيداً في الطلب على النفط ما يساهم في دعم الأسعار.
ويرى المراقبون أن الصين تحتاج لنحو 6 أشهر للتخلص من ذيول انتشار كورونا، ما يعني أن عودة الحياة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم الذي يحمل لقب "مصنع العالم" ستكون في النصف الثاني من 2023 ما سيعيد لأسعار النفط قوتها.
ويقول الدكتور ممدوح سلامة وهو خبير النفط العالمي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن أسعار النفط ستشهد مرحلة صعود خلال العام 2023، مشيراً إلى أن التردد الحاصل في اتجاه النفط في الوقت الحاضر يعود إلى أن الأسعار يدفعها عاملان رئيسيان، لكن في اتجاهين مختلفين، الأول هو انفتاح الصين على اقتصاد العالم بعد التخلي عن قيود كورونا يقابله قوة أخرى وهو قلق العالم من التضخم المالي والانكماش الاقتصادي.
وبحسب سلامة وهو أستاذ اقتصاد النفط والطاقة في كلية ESCP الأوروبية لإدارة الأعمال في لندن، فإن عناصر قوية جداً تدعم سوق النفط العالمي، وهي تطغى على التخوف والقلق من الانكماش الاقتصادي، وهي قوة الطلب العالمي على النفط حالياً، ثانياً انخفاض الطاقة الإضافية في العالم، والعامل الثالث عودة اقتصاد الصين التي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم وهي أكبر مستورد للنفط في العالم .
وخلص سلامة إلى أن هذه العوامل مجتمعة، تدفعه للاستنتاج أن أسعار النفط وخصوصاً خام برنت، متوقع له أن يرتفع إلى 100 دولار في الربعين الأول أو الثاني من العام 2023.
الفيدرالي وأسعار النفط
يرتبط الاقتصاد العالمي ارتباطاً وثيقاً بقرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، خاصة أسعار النفط، إذ تتجه الأنظار حالياً إلى أولى القرارات التي سيصدرها الفيدرالي في بداية فبراير 2023 وذلك في اجتماعه الأول لهذا العام.
ومن المتوقع أن يقوم المركزي الأميركي برفع سعر الفائدة مرة جديدة في اجتماعه المنتظر، مع اختلاف بين وجهات نظر المحللين بشأن نسبة هذا الرفع، فمنهم من يرى أنه سيبقي على سياسته المتشددة في محاربة التضخم، وسيرفع الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس، ومنهم من يرى أن الفيدرالي سيبطئ من وتيرتها، ويرفع الفائدة بواقع 25 نقطة اساس فقط.
وعادة ما يدفع قرار رفع سعر الفائدة الأميركية إلى ارتفاع الدولار وبالتالي الضغط على أسعار السلع المقومة بالعملة الأميركية بما فيها النفط.
من جانبه، يرى الدكتور ممدوح سلامة أن البنك الفيدرالي الأميركي يسعى بكل قواه إلى السيطرة على التضخم المالي في الولايات المتحدة، الذي وصل في فترة من الفترات إلى 10 و 11 في المئة وهو يستخدم الوسيلة المتاحة له وهي رفع أسعار الفائدة للسيطرة عليه، مشيراً إلى أن هذه الوسيلة تؤدي إلى ارتفاع الدولار مقابل العملات الأخرى، وتؤدي كذلك إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط ما ينعكس انخفاضاً في الأسعار، ولكن ذلك يقابله قوة اقتصاد الصين وانفتاحها على العالم.
كما أن رفع معدلات الفائدة بشكل مستمر يؤدى إلى الانكماش الاقتصادي، وذلك بسبب توجه المستثمرين إلى إيداع أموالهم في البنوك من أجل الاستفادة من نسبة الفائدة المرتفعة بدلا من الإنفاق، بالإضافة إلى كبح عمليات الاقتراض، وبالتالي تنخفض حركة المبيعات، ما يتسبب بتراجع التضخم ويحدث الركود ليتم السيطرة على ارتفاع أسعار السلع.
ورغم أن اجتماع الفيدرالي الأميركي المقبل سينتهي برفع الفائدة بشكل شبه مؤكد، إلا أن أسعار النفط قد تتحرك هذه المرة وفقاً لنسبة الرفع، فإذا استمرت سياسة التشدد وتم رفع الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس، فقد يزيد الضغط على أسواق النفط، أما في حال أتت نسبة الرفع بواقع 25 نقطة أساس، فهذا يعني أن الوضع الاقتصادي بدأ يتحسن وهذا ما سيعطي دفعاً للأسعار.
ويقول نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال فيصل أبوزكي في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الصين التي تخلت عن سياسة صفر-كوفيد، تعاني الآن من ارتفاع كبير بإصابات كورونا، مشيراً إلى أن ذلك سيؤثر على الطلب في الفترة الراهنة، إلا أن الوضع سيتغير بعد وصول موجة اصابات كورونا في الصين إلى ذروتها بعد أكثر من أربعة اشهر، حيث انه بعد هذه المدة سيعود المجتمع الصيني إلى عجلة الانتاج الطبيعية، وبالتالي سيرتفع الطلب على النفط في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
ويعتقد أبوزكي أن سعر النفط سيتراوح بين 75 و 85 دولاراً في 2023 في حال لم يحصل أي حدث مهم، لافتاً إلى أن جميع المؤشرات تدل على أن لا نية لدى البنوك المركزية حول العالم، لوقف عمليات رفع الفائدة حيث أن الأولويات لا تزال تتمثل بمكافحة التضخم.
كما يرى أبوزكي أن السوق النفطية استوعبت انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، إضافة إلى أن الشتاء المعتدل في أوروبا ساهم نوعاً ما باستقرار الطلب، مشيراً إلى أن حدوث أمور غير اعتيادية في الحرب سيغيّر من الوضع السائد حالياً ويؤدي إلى دعم الاسعار.